توقعات بانخفاض مؤقت لأسعار الذهب بعد رفع الفائدة الأمريكية

تاريخ النشر: 19 سبتمبر 2016 - 07:07 GMT
الوضع العالمي لا يزال في مجمله داعما للذهب
الوضع العالمي لا يزال في مجمله داعما للذهب

شهدت أسعار الذهب خلال النصف الأول من العام الجاري ارتفاعا ملموسا، وساد اعتقاد لدى معظم المستثمرين الدوليين أن الذهب سيكون خير وعاء استثماري هذا العام.

ورغم أن المعدن النفيس لا يزال في نظر الكثيرين محافظا على أهميته كوعاء استثماري، إلا أنه يلاحظ أن أسعار المعدن الأصفر تعرضت لتراجع ملحوظ خاصة خلال الأسبوع الماضي، إذ انخفض سعر الأونصة إلى أقل مستوى له في أسبوعين.

وهبط سعر الذهب في المعاملات الفورية في ختام تعاملات الأسبوع الماضي لأدنى مستوى منذ الأول من أيلول (سبتمبر) منخفضا 0.4 في المائة إلى 1308.33 دولار للأوقية، وتراجع سعر المعدن الأصفر في العقود الأمريكية الآجلة تسليم كانون الأول (ديسمبر) نحو 0.6 في المائة إلى 1310.20 دولار للأوقية.

ويشير بعض الخبراء إلى أن انخفاض الأسعار، ما هو إلا مؤشر أولي على تحسن أداء الاقتصاد العالمي، ولو بصورة طفيفة، لافتين إلى أن التراجع السعري للمعدن النفيس قد بدأ، ولو تدريجيا في المرحلة الراهنة.

في المقابل يستبعد آخرون هذا المنطق، ويعزون التراجع الراهن إلى عوامل مؤقتة ترتبط بالسياسات النقدية الأمريكية، ويشيرون إلى أن إخفاق السياسات المالية على المستوى العالمي، في إحداث قفزة نوعية في معدل النمو الاقتصادي الدولي، تجعل من الذهب وعاء استثماريا مثاليا لفترة طويلة في المستقبل.

وبين هذين التيارين ينمو تيار ثالث خاصة بين المصرفيين، يقر بأن الذهب وعلى الرغم من أهميته كآلية استثمارية في الوقت الراهن، قد لا يفلح في الحفاظ على هذا الموقع لفترة طويلة مقبلة، ليس من جراء تغييرات ملموسة في معدل النمو الاقتصادي الدولي، بقدر ما قد تتراجع أسعاره إذا ما أقدم المجلس الفيدرالي الأمريكي على رفع أسعار الفائدة، وتسبب ذلك في عمليات بيع واسعة النطاق من قبل الصناديق الاستثمارية الدولية.

دبليو سي كينلي من اتحاد السبائك الدولي يشير إلى أن الربع الثاني من العام الحالي ارتفعت فيه أسعار الذهب في المتوسط بنحو 7.4 في المائة، إلا أن هذا الارتفاع كان أقل من الربع الأول الذي بلغ فيه متوسط الارتفاع في الأسواق الدولية 11.3 في المائة.

وأوضح كينلي لـ "الاقتصادية"، أن الوضع العالمي لا يزال في مجمله داعما للذهب، نتيجة غياب الاستقرار في الاقتصاد الدولي، ولعدم حسم المجلس الفيدرالي لموقفه النهائي بشأن رفع أسعار الفائدة، وعلى الرغم من أن انخفاض الذهب في تداولات الأسبوع الماضي يكشف عن تعرض أسواق المعدن النفيس لبعض الضغوط، لكن أغلب التكهنات تشير إلى أن الربع الثالث من هذا العام (يوليو- أغسطس- سبتمبر) سيشهد بصفة عامة ارتفاعا في أسعار الذهب من جراء التكهنات السلبية بشأن نمو الاقتصاد الدولي، وكذلك طلب المستثمرين المتزايد.

وقال كينلي إنه المتوقع أن يراوح سعر الأونصة في نهاية هذا الربع من العام بين 1210-1425 دولارا، إلا أن الوضع قد يختلف في الربع الأخير إذا ما حسم الفيدرالي الأمريكي موقفه بشأن أسعار الفائدة، أو أن البيانات كشفت عن تحسن ملحوظ في مستوى أداء الاقتصاد الأمريكي.

الخبير المصرفي كيفن بلوم يعتقد أن عامي 2017 و2018 سيشهدان ارتفاعا ملحوظا في أسعار الذهب دوليا، ويوضح لـ "الاقتصادية" ذلك قائلا: إنه في الأغلب الأعم ستنطلق مفاوضات انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في أوائل العام المقبل، وغالبا ستستمر لمدة عامين، وتلك المفاوضات ونتائجها سيكون لها تأثير عميق على الاقتصاد العالمي، سيتجاوز بكل المعايير القارة الأوروبية، وخلال سنوات التفاوض ستثور الكثير من التكهنات والتوقعات، حتى تعلن النتائج الرسمية لطبيعة الترتيبات التي سيصل إليها الطرفان البريطاني والأوروبي بشأن مستقبل العلاقة بينهما، يضاف إلى ذلك أن الاقتصاد الصيني لا يتوقع أن يشهد تحسنا خلال العام المقبل، لأن عملية التحول الهيكلي الجارية في الصين في الوقت الحالي، ستتطلب فترة زمنية طويلة حتى تؤتي أكلها، وهذا سيزيد الطلب الصيني الداخلي على الذهب، أما بالنسبة لتأثير سعر الفائدة الأمريكية على أسواق الذهب العالمية، فإنها ربما تؤدي إلى انخفاض مؤقت وليس طويل الأمد على الطلب العالمي على المعدن النفيس.

إلا أن الدكتور آر. دي. تشيب الاستشاري السابق للجنة السياسات النقدية في بنك إنجلترا، يعتقد أن القوى التي أسهمت في تعزيز أسعار الذهب منذ بداية العام الحالي لا تزال قادرة على مواصلة عملها في الاتجاه ذاته.

وأوضح لـ "الاقتصادية"، أن الطلب الراهن من قبل كبار المستثمرين، والتكهنات الخاصة بأسعار الذهب، وطلب البنوك المركزية، مثلت القوى الكامنة وراء ارتفاع الأسعار منذ بداية العام، بينما تراجعت أسعار المشغولات الذهبية نتيجة انخفاض الطلب عليها.

وأشار تشيب إلى أن الطلب المتصاعد على المعدن النفيس من قبل المستثمرين والتكهنات السعرية الإيجابية التي زادت أيضا الطلب الإجمالي، يتحملان معا المسؤولية عن 25 في المائة من إجمالي الطلب على المعدن الأصفر، بينما مثل طلب البنوك المركزية 14 في المائة، وهو ما يعكس رغبة صانعي السياسات المالية في العالم في إحداث تنوع في محافظهم الاستثمارية.

وأضاف تشيب أن الطلب على الذهب ازداد بشكل ملحوظ في البلدان التي تبنت أسعار الفائدة السلبية، فإذا أخذنا في الاعتبار أن ثلث سندات الخزانة الدولية يتم تداولها حاليا بأسعار فائدة سلبية، فذلك يعد حافزا للمستثمرين على التوجه إلى للاستثمار في الذهب، يضاف إلى ذلك أن الطلب على المشغولات الذهبية يمثل نحو 56 في المائة من إجمالي الطلب على المعدن الأصفر دوليا، وإذا ما دفع ارتفاع أسعار المعدن النفيس إلى انخفض الطلب على المشغولات الذهبية في كل من الصين والهند أكبر مستهلكين للذهب في العالم، فإن أي انخفاض ولو طفيفا في الأسعار سيزيد الطلب بشكل ملموس، وسيدفع الأسعار إلى أعلى مرة أخرى.

بيتر نويل الخبير الاستشاري في مجموعة "وست نت" المصرفية يعتقد أن أحد العوامل التي ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب مستقبلا تعود إلى الأوضاع المصرفية المضطربة في عدد من الدول المؤثرة في الاقتصاد العالمي.

وقال نويل لـ "الاقتصادية"، إن هناك عددا من الضغوط غير التقليدية التي ستؤدي إلى تحسن نسبي في أسعار الذهب مستقبلا، فإضافة إلى تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يجب أن نلاحظ أن النظام المصرفي الإيطالي يعاني مشاكل كبيرة، وتلك المشاكل تكشف في جزء منها عن اتساع الفجوة بين دول المركز والأطراف في الاتحاد الأوروبي، كما أن النظام المصرفي الصيني في وضع متراجع، من جراء انخفاض معدلات النمو، كما أن الأمر لا يتوقف على قرار "الفيدرالي" برفع أسعار الفائدة أم لا، ففي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) ستجرى الانتخابات الأمريكية، وفي حال فوز دونالد ترامب بالرئاسة فإن أغلب التوقعات تشير إلى تصاعد حالة من عدم الاستقرار السياسي دوليا وحالة من العدوانية الاقتصادية من جانب واشنطن تجاه دول مثل الصين.

وأشار نويل إلى أن هذا كله سيؤدي حتما إلى زيادة الطلب على المعدن النفيس، وهو ما دفع بعض المؤسسات البحثية الأمريكية وأيضا بعض الخبراء إلى توقع أن يؤدي فوز ترامب إلى ارتفاع الذهب إلى 1850 دولارا للأونصة خلال السنوات المقبلة، بينما سيؤدي فوز كلينتون إلى ارتفاعه إلى 1650 دولارا خلال السنوات المقبلة أيضا.

مع هذا فإن بعض الخبراء لا يخفون تشاؤمهم النسبي من إمكانية انخفاض أسعار الذهب بنهاية العام الحالي وأوائل العام المقبل، ويرجعون ذلك إلى أن الاتجاه العام لبيانات الاقتصاد الأمريكي تظهر تحسنا عاما ولو كان طفيفا، وهو ما سيدفع في مرحلة ما إلى رفع أسعار الفائدة المصرفية، وسيتسبب ذلك وفقا لآراء هؤلاء الخبراء في موجة يصعب تحديد حجمها ومداها في الوقت الراهن من قبل المستثمرين والمضاربين في الذهب للتخلص من الكميات المتوافرة لديهم.

ويقول لـ "الاقتصادية"، بيتر تشيب خبير التحليل المالي في بورصة لندن، إن صناديق التبادل التجاري ارتفع مخزونها من الذهب في الربع الثاني من العام الحالي إلى 214 طنا، وهذا يعد أعلى مستوى منذ شهر حزيران (يونيو) عام 2013، والمتوقع أن تواصل تلك الصناديق ذات الطابع الاستثماري شراء المزيد من الذهب خلال الربع الثالث من العام الحالي، وإن كان ذلك بمعدلات أقل، أما صناديق إدارة الأموال فقد زادت رصيدها من الذهب إلى 303 أطنان خلال الربع الثاني من هذا العام.

وأوضح تشيب أنه في حالة شعور المسؤولين في صناديق التبادل التجاري أو صناديق إدارة الأموال بأن الأسعار وصلت إلى حدها الأقصى وستأخذ في التراجع، سيضخون كميات كبيرة من الذهب في الأسواق، ما سيؤدي إلى تراجع شديد في الأسعار.

اقرأ أيضاً: 

ما علاقة رفع الفائدة الأمريكية بضغوط الأسعار؟

انفصال بريطانيا يؤخر رفع الفائدة الأمريكية

الذهب يثبت مع ترقب المستثمرين إشارات بشأن رفع الفائدة الأمريكية

الفدرالي الأمريكي قد يرفع الفائدة مرتين في 2016