• سوق العمل الخليجي يواجه خللا هيكليا وتدهور البيئة الاقتصادية سيطرح تحديات جدية أمامه ما لم تتخذ الحكومات إجراءات إضافية مساندة.
• معدل توظيف الكويتيين في القطاع الخاص نما 16% في 2008 مقارنة مع 2.9% في القطاع العام ما رفع مساهمة القطاع الخاص في إجمالي معدل توظيف المواطنين بنقطتين مئويتين إلى 18%.
• قرار الحكومة الكويتية رفع نسبة العمالة الوطنية في المؤسسات الخاصة من شأنه أن يضع قيودا في وقت غير موات على الشركات حتى السليمة منها ونتائجه لا يتوقع أن تكون كبيرة مادام نشاطها سينخفض... الحل الأمثل في التركيز على السياسات التي تؤدي إلى تفعيل دور القطاع الخاص وبالتالي حاجته لعمالة إضافية.
• الاستهلاك والاستثمار الحكوميان يشكلان الأداتين الوحيدتين ذات الفاعلية الكافية لتوجيه الاقتصاد في الاتجاه الصحيح وتحجيم الانكماش المتوقع للاقتصادات الخليجية.
• معدل البطالة في الخليج قد يبدأ بالارتفاع مع محدودية قدرة القطاع العام على استيعاب العمالة الجديدة لاسيما مع التوجه الحكومي إلى ترشيد الإنفاق.
• معدل توظيف القوى العاملة في الخليج سجل نموا قويا في السنوات الخمس الماضية، إذ لعب القطاع الخاص دورا متزايد الأهمية في خلق فرص العمل الجديدة، لاسيما للمواطنين الذين يشكلون نسبة صغيرة من إجمالي القوى العاملة. لكن من شأن الأزمة الحالية أن تعرض تلك المكاسب للخطر.
• السياسات النقدية المرنة وخطط الإنقاذ التي تركز على القطاعات المالية لن تكفي لدعم سوق العمل، إذ أن حالة الغموض التي تشوب البيئة الاقتصادية وضعف النمو في القروض سيزيد من حجم التحديات التي تواجه بعض مؤسسات القطاع الخاص.
الطلب المحلي الخليجي
• الطلب المحلي الخاص وفر أسسا قوية للنمو الاقتصادي إلى جانب الصادرات النفطية خلال السنوات الماضية. وقد تساعد السياسة المالية التوسعية في التعويض عن التراجع المتوقع في إنفاق القطاع الخاص. لكن الأهم من ذلك، أنها قد تدعم قدرته على توظيف القوى العاملة.
حققت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي نجاحات مهمة خلال السنوات الماضية بفضل أسعار النفط المرتفعة والنمو الاقتصادي القوي الذي رافقها. ومثال على هذه النجاحات، الارتفاع الملحوظ في عدد الفرص الوظيفية الجديدة أمام كل من العمالة الوطنية والوافدة. فبشكل عام، نجحت الدول الخليجية في تخفيض معدلات البطالة لديها ورفع حصة مواطنيها في القوى العاملة على الرغم من النمو السريع لتلك القوى.
وتظهر البيانات الأخيرة المتاحة أن عدد العاملين في الخليج وصل إلى 14 مليون فرد بحلول نهاية 2007، شكلت العمالة الوطنية 18% منهم. وبلغ عدد العاملين في القطاع العام 13% من إجمالي عدد العاملين، 80% منهم عمالة وطنية. وبينما يقدر معدل البطالة بين العمالة الوطنية بنحو 3.6%، لا يمكن استخدام معدل البطالة بين العمالة الأجنبية الوافدة كمؤشر اقتصادي نظرا إلى قوانين الإقامة التي تجبر العمال الوافدين على مغادرة البلاد عندما يصبحون عاطلين عن العمل. ووفقا لتقديراتنا الأولية لعام 2008، فقد تكون مؤشرات سوق العمل في الخليج قد أظهرت المزيد من التحسن مع انخفاض معدل البطالة إلى 3.2%.
إلا أن تدهور البيئة الاقتصادية للمنطقة في الوقت الحالي مقارنة مع السنوات السابقة، يتوقع أن يقلص تلك النجاحات جزئيا وأن يطرح تحديات جدية أمام سوق العمل الخليجي، ما لم تتخذ الحكومات إجراءات إضافية مساندة. ويلاحظ أن وتيرة التراجع في عدد العاملين في القطاع الخاص في تزايد في دولة الإمارات، وبشكل أقل في المملكة العربية السعودية والكويت.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة والقوانين المرتبطة بتوظيف العمالة الوطنية، مازال سوق العمل الخليجي يواجه خللا هيكليا مقارنة مع نظرائه عالميا. فعلى سبيل المثال، يشكل عدد المواطنين العاملين في القطاع العام في الخليج نحو 58% من إجمالي العمالة الوطنية، (مقارنة مع 42% فقط في القطاع الخاص). ويعتبر هذا المعدل مرتفعا، كما إنه يتخطى ذلك في بعض الدول، إذ بلغ نحو 90% في قطر في العام 2007، و86% في الإمارات، و84% في الكويت، بينما بلغ 50% في السعودية. وتشير هذه الأرقام إلى أن قدرة القطاع العام الخليجي على استيعاب العمالة الجديدة قد تكون بلغت حدودها القصوى. وقد أعلنت البحرين بوضوح في ديسمبر الماضي عن الحد من التوظيف في قطاعها العام.
منحى إيجابي للتوظيف في القطاع الخاص
وقد تمكن القطاع الخاص في الخليج من خلق حصة مهمة من الفرص الوظيفية الجديدة للمواطنين في السنوات الأخيرة. وتظهر البيانات أن معدل التوظيف في القطاع الخاص نما بواقع 8.0% في المتوسط سنويا بين العامي 2003 و2007، بينما بلغ متوسط النمو في القطاع العام نحو 2.8%. وبالتالي، ارتفعت مساهمة القطاع الخاص في إجمالي معدل التوظيف بخمس نقاط مئوية خلال الفترة نفسها. ويعود هذا الإنجاز الهام إلى البيئة الاقتصادية المواتية التي دعمت نمو أنشطة القطاع الخاص.
وفي الكويت، تشير احدث البيانات إلى أن معدل توظيف المواطنين في القطاع الخاص نما بواقع 16% في العام الماضي، بينما ارتفع في القطاع العام بنحو 2.9%، ما رفع مساهمة القطاع الخاص في إجمالي معدل توظيف الكويتيين بنقطتين مئويتين إلى 18%. وفي السياق نفسه، تراجع عدد الكويتيين العاطلين عن العمل من 19.9 ألف مواطن في 2007، إلى 16.6 ألف مواطن في العام الماضي. وبالتالي، تراجع معدل البطالة من 6.5% إلى 5.2% في الفترة نفسها.
وفي هذا الخصوص، نجد أن عدداً من الدول الخليجية قد اعتمدت برامج توطين الوظائف، الأمر الذي دعم توظيف المواطنين في القطاع الخاص. لكن تلك البرامج لا تشكل سوى علاجا موقتا، إذ أن معظم خبراء التنمية، وبينهم خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يعتبر تلك البرامج غير مستدامة أو فعالة في المدى الطويل. فمثلا، نصح البنك الدولي الدول الخليجية بالتركيز على رفع جودة التعليم والاستثمار في رأس المال البشري بهدف إعداد القوى العاملة الوطنية وتطوير مهاراتها بما يتناسب ومتطلبات القطاع الخاص. من جهتها، تدرك الحكومات الخليجية هذا الواقع، وبعضها وضع التعليم وتطوير القدرات والتدريب على سلم أولوياته.
تحديات تواجه سوق العمل في القطاع الخاص
وفي ظل ارتفاع عدد العمالة الجديدة في المنطقة، والذي يعكس النسبة الكبيرة للشباب من إجمالي عدد السكان، فإن المسؤولية الأكبر لتأمين فرص وظيفية جديدة تقع على عاتق القطاع الخاص في المدى الطويل. ولكن نظرا إلى الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة حاليا، يبدو أن بعض مؤسسات القطاع قد يواجه فعليا صعوبات في الحفاظ على معدلات التوظيف الحالية لديه مهما فرضت الحكومات من سياسات وشروط جديدة. فمثلاً، قررت الحكومة الكويتية في نوفمبر الماضي رفع نسبة العمالة الوطنية في المؤسسات الخاصة في عدد من القطاعات الرئيسية، وذلك بهدف دعم توظيف المواطنين. لكن نظرا إلى التوقعات بأن تقوم المؤسسات التي تأثرت سلباً بالأزمة بتسريح عدد من موظفيها، فإن هكذا إجراء من شأنه أن يضع قيودا في وقت غير موات على الشركات، وحتى السليمة منها. لكن الأهم من ذلك، أن انعكاس هذه الإجراءات على معدل توظيف القوى العاملة في البلاد لا يتوقع أن يكون كبيرا ما دام نشاط هذه الشركات سيتراجع، لاسيما إذا ما اضطرت إلى تخفيض مصروفاتها. وبالتالي إذا أدى ذلك إلى تقليص النمو في القطاع الخاص، فلن تستطيع مؤسساته من خلق فرص عمل جديدة. بينما يتمثل الحل الأمثل في التركيز على السياسات التي تؤدي إلى تفعيل دور القطاع الخاص ومن ثم حاجته لعمالة إضافية.
وبشكل عام نجد أن القطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي عموما يواجه حاليا 3 تحديات رئيسية: بداية، إن تزايد درجة الغموض التي تكتنف البيئة الاقتصادية تجبر القطاع الخاص على تعليق عدد من خطط التوسع والمشاريع الاستثمارية، وفي بعض الأحيان خفض المصروفات. ثانيا، إن التشدد الذي يشهده سوق الائتمان يحد من توافر التمويل ويجعله أكثر كلفة. أما التحدي الثالث، والأكثر أهمية، فيتمثل بكون التراجع المتوقع في الاستهلاك الخاص يدفع الشركات إلى تخفيض الإنتاج وتقليص عملياتها. وبما أن توسع النشاط التجاري يشكل عاملا رئيسيا للنمو الاقتصادي وخلق الوظائف الجديدة، فإن التباطؤ الحالي وتراجع الثقة في قطاع الأعمال من شأنهما أن يلفا آفاق تطلعات سوق العمل بالضبابية.
سياسات تحفيزية لتنشيط القطاع الخاص
وبما أن خلق الفرص الوظيفية الجديدة للمواطنين يتصدر أهداف السياسات الاقتصادية، تعتمد الحكومات عادة سياسات تحفيزية لدعم النمو الاقتصادي. ويظهر ذلك بوضوح من خلال السياسات المالية التوسعية المعتمدة حاليا حول العالم ومن قبل عدد من الدول الخليجية، بهدف مواجهة الآثار الموجعة للأزمة الحالية. وفي الواقع، إن الأسس المنطقية لهكذا سياسات بسيطة للغاية، فالنمو الاقتصادي يتحقق من خلال التوسع في الطلب المحلي (الذي يتكون من الاستهلاك والاستثمار للقطاعات الخاصة والحكومية)، وفي الطلب الخارجي (صافي الصادرات السلعية والخدماتية).
وفي الخليج، شكل الطلب المحلي ما نسبته 70% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2006. وبالنظر إلى مكونات ذلك الطلب، بلغت حصة الاستهلاك الخاص 45%، أي نحو ضعف حجم الاستهلاك الحكومي. بينما شكل الإنفاق الاستثماري للقطاعات الخاصة والحكومية على حد سواء حصة الـ30% المتبقية من الطلب المحلي. وهذا يدل على مدى أهمية الإنفاق الخاص في تحديد إجمالي النمو الاقتصادي.
إن الانكماش المتوقع للاقتصادات الخليجية في العام الحالي، والذي سيبلغ 20% بالأسعار الجارية و0.2% بالأسعار الثابتة بحسب توقعاتنا، سينعكس على كافة مكونات الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع أن يتراجع الطلب الخارجي مع انخفاض كل من أسعار النفط ومستويات إنتاجه، بينما سيعاني الاستهلاك الخاص من جراء تراجع قدرة المستهلك على الإنفاق وانخفاض الدخل من الاستثمار في ضوء التدهور الذي تشهده أسواق الأسهم في المنطقة، وبشكل أقل، أسواق العقار. وقد يزداد الأمر سوءا في حال تقلصت الرواتب. ويتوقع أن يعاني الاستثمار الخاص كذلك في ضوء التحديات المذكورة آنفا. إن مساهمة القطاع العام في إجمالي النمو الاقتصادي تعتمد على القرارات التي تتخذها الحكومات الخليجية في ما يتعلق بالميزانيات التي تعتمدها، إذ إن الاستهلاك والاستثمار الحكوميين يشكلان الأداتين الوحيدتين ذات الفاعلية الكافية لتوجيه الاقتصاد في الاتجاه الصحيح، وتحجيم الانكماش المتوقع للاقتصادات الخليجية.
كذلك، من شأن خطط الإنقاذ التي تركز على القطاع المالي في مختلف الدول الخليجية والسياسات النقدية المرنة أن تصد بعضا من العوامل السلبية التي تضغط على الإنفاق الخاص. ما قد يساهم في الحفاظ على الوظائف في القطاع الخاص، لاسيما في القطاع المصرفي الذي يشكل الموظف الأول للمواطنين في القطاع الخاص في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي.
وتدرك معظم الحكومات الخليجية أهمية دور السياسة المالية في البيئة الاقتصادية الحالية المصابة بالركود. من هنا، أعلنت كل من السعودية والإمارات وعمان عن زيادة ملحوظة في المصروفات الحكومية لميزانية العام 2009، وكذلك البحرين ولو بشكل أقل، بينما أعلنت الحكومة القطرية عن نيتها زيادة المصروفات في ميزانيتها، لكنها لم تصدر أي أرقام حتى الآن.
ويلاحظ أن الحكومات الخليجية كافة تركز على المشاريع الرأسمالية التي من شأنها أن تزيد الإنتاجية في المدى الطويل.
بدورها، أعلنت الحكومة الكويتية أن الإنفاق على المشاريع الرأسمالية الحيوية سيشكل عنصرا مهما في سياساتها. لكن البيانات الأولية المتعلقة بمسودة ميزانية السنة المالية 2009/2010 تعطي صورة متعارضة في ظل الخفض الذي تعتزم الحكومة اعتماده في المصروفات على المشاريع التنموية والمصروفات على الصيانة، وحيث تبلغ نسبة هذا الخفض 27% مقارنة مع ميزانية السنة المالية السابقة. لكن في الوقت نفسه، من الممكن أن يكون هذا الخفض متعلقا بالمشاريع التي تتطلب إنفاقا كبيرا على المشتريات من الخارج. لذلك، من الصعب تقييم أثر ذلك على الاقتصاد من دون معلومات وتفاصيل إضافية.
وباختصار، قد يبدأ معدل البطالة في الخليج بالارتفاع، ويعود ذلك في جزء منه إلى ضوابط السياسة المالية التي قد تحد من قدرة الحكومة على خلق وظائف جديدة للداخلين الجدد إلى سوق العمل، إلى جانب محدودية قدرة القطاعين العام والخاص على توفير فرص وظيفية جديدة في ظل البيئة الاقتصادية الحالية. وعموما، سيكون العام الحالي عاما صعبا ومليئا بالتحديات أمام سوق العمل في القطاع الخاص.
© 2009 تقرير مينا(www.menareport.com)