أشار بنك الكويت الوطني في موجزه الاقتصادي الأخير إلى أن تأثير القفزة الكبيرة التي شهدتها أسعار النفط في عام 2008 ظهر بشكل واضح في تطورات ميزان المدفوعات لدولة الكويت. فقد ارتفع فائض الحساب الجاري بنحو 4 مليارات دينار، ليسجل مستوى قياسيا جديدا وليرفع من حجم الموجودات الأجنبية لدولة الكويت. وفي الوقت نفسه، تراجع العائد على جملة استثمارات الكويت في الخارج وبشكل ملحوظ، وذلك إثر التدهور الحاد الذي شهده الاقتصاد العالمي والأسواق المالية. أما بالنسبة لعام 2009، فرأى الوطني أن التوقعات تبدو أقل تفاؤلاً وأكثر ضبابية، حيث يتوقع أن يتحقق فائض في الحساب الجاري، لكنه لن يتعدى 40% من مستواه في العام الماضي، مما يعني زيادة أقل في دخل الكويت من الموجودات الأجنبية.
الحساب الجاري
ووفقا للبيانات الأولية الصادرة عن بنك الكويت المركزي، ارتفع فائض الحساب الجاري في العام 2008 بواقع 30.8% ليسجل مستوى قياسيا عند 17.4 مليار دينار، مقارنة مع نموه بواقع 1% فقط في العام السابق. وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وصل فائض الحساب الجاري إلى 43.5% في 2008 مقابل 41.9% في العام السابق. ومما لا شك فيه أن حجم الفائض في الحساب الجاري يبقى مرتبطا وبشكل وثيق بتطورات أسعار النفط.
ولحظ الوطني أن الميزان التجاري قد أسهم تقريبا بكامل الفائض الذي سجله الحساب الجاري في 2008، وكان المحرك الرئيسي لنموه. إذ ارتفع الفائض في الميزان التجاري في العام الماضي بنحو 40% إلى 17.2 مليار دينار، وذلك في أعقاب النمو السنوي الذي بلغ متوسطه في السنوات الثلاث السابقة نحو 36%. وجاء هذا النمو بشكل رئيسي بفضل ارتفاع الصادرات النفطية.
وفي الإطار نفسه، ذكر الوطني أن الصادرات في العام الماضي ارتفعت بنحو 31.5% إلى 23.4 مليار دينار. ويبقى أداء الاقتصاد الكويتي عموما، والصادرات خصوصا، مرتبطا بشكل وثيق بتطورات أسعار النفط، وذلك في ظل محدودية التنوع في القاعدة الإنتاجية. ويلاحظ أن الصادرات النفطية في عام 2008 بلغت ما يزيد عن خمسة أضعاف مستواها في العام 2002. وفي الوقت نفسه، يلاحظ أن حصة الصادرات النفطية من إجمالي الصادرات الكويتية قد واصلت تصاعدها، من 91.5% في 2002 إلى نحو 95% في 2008. وبلغ معدل نمو الصادرات النفطية في العام الماضي نحو 32.3%، بينما بلغ متوسطه على أساس سنوي بين العام 2004 و2007 نحو 28.8%. وعلى الرغم من الهبوط الحاد الذي شهدته أسعار النفط في الربع الأخير من العام الماضي، إلا أن متوسط سعر برميل الخام الكويتي لكامل العام كان قد ارتفع بواقع 38% ليبلغ 91.3 دولار، بينما جاء متوسط نمو الإنتاج أدنى من 4% وفقا لبيانات حديثة صادرة عن منظمة أوبك.
وأشر الوطني إلى أن التدهور الذي شهده الاقتصاد العالمي قد ساهم في انخفاض أسعار النفط منذ أواخر العام الماضي، ما أثر سلبا على الإيرادات النفطية للكويت. ووفقا لبيانات التجارة الخارجية الصادرة عن البنك المركزي، انخفضت الصادرات النفطية في الربع الأول من العام الحالي بواقع 56% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، وذلك عقب انخفاضها بواقع 41% في الربع الرابع منه. وبعدما بلغ متوسطه 109.6 دولار للبرميل في الربع الثالث من العام 2008، انخفض سعر برميل الخام الكويتي في الربع الرابع إلى 49.6 دولار، وإلى 41.4 دولار في الربع الأول من 2009. وفي السياق نفسه، وبالتزامن مع قرار أوبك بخفض إنتاج المنظمة، تراجع إنتاج الكويت بواقع 13% منذ شهر سبتمبر من العام الماضي. وعلى هذا الأساس، توقع الوطني أن تتراجع الصادرات النفطية في العام الحالي بنحو 50% على الأقل، الأمر الذي سيخفض بدوره من فائض كل من الميزان التجاري والحساب الجاري.
وفي الاتجاه نفسه، حافظت الصادرات غير النفطية التي تشمل بشكل رئيسي منتجات الإيثيلين والأسمدة المصنعة، بالإضافة إلى السلع المعاد تصديرها، على نموها القوي مرتفعة 18.4% في 2008، مقارنة مع 11.4% في العام السابق. كذلك الحال، رأى الوطني أن 2009 يتوقع أن يكون عاما صعبا بالنسبة للصادرات غير النفطية، وذلك في ضوء ضعف الطلب الخارجي. ففي الربع الأول من العام الحالي، تراجعت الصادرات غير النفطية بواقع 7.1% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
وفي المقابل، ارتفعت الواردات في 2008 بواقع 13.5% مقارنة مع 15.3% في العام السابق. فالتوسع القوي الذي شهده النشاط الاقتصادي في العام الماضي، إلى جانب ارتفاع تكلفة النقل وأسعار كل من السلع الأولية والصناعية عالميا قد وقفت وبشكل رئيسي وراء الأداء القوي الذي شهدته الواردات في العام الماضي. وفي ظل الانكماش المتوقع للاقتصاد الكويتي وخفض المصروفات الحكومية في السنة الحالية، نتوقع أن تتراجع الواردات في 2009 بنحو 10% على أساس سنوي، ما قد يعوض في جانب منه أثر الانخفاض الحاد المتوقع لإجمالي الصادرات على فائض الميزان التجاري. وفي الواقع، سجلت الواردات في الربع الأول من العام الحالي تراجعاً بواقع 17.8% على أساس سنوي.
كما أشار الوطني إلى أن عجز ميزان الخدمات اتسع في العام 2008 بنحو 7.8% ليبلغ مليار دينار. واستحوذت المصروفات على السفر والنقل على نحو 80% من إجمالي المصروفات على الخدمات، حيث ارتفعت مصروفات الكويتيين على السفر بواقع 7.9% لتبلغ نحو 2 مليار دينار، ويعود ذلك في جانب منه إلى تزايد المصروفات على التعليم والعلاج في الخارج. كذلك تصاعدت المصروفات على النقل بواقع 14%، متأثرة بالنمو القوي الذي سجلته الواردات السلعية.
ونمت الإيرادات من الخدمات الأخرى (بخلاف النقل والتأمين والسفر والخدمات الحكومية) في العام 2008 بنحو 8.2% إلى 1.7 مليار دينار، مقارنة مع نموها بواقع 29.5% في العام السابق. ويمثل هذا البند بشكل رئيسي الإيرادات من الخدمات المقدمة من قبل الشركات الكويتية خارج الكويت. وفي الوقت نفسه، فإن المصروفات الحكومية على الخدمات المقدمة من قبل غير المقيمين، مثل الخدمات الاستشارية والقانونية وإنشاء المشاريع والخدمات المقدمة إلى السفارات الكويتية في الخارج، شهدت انخفاضا بواقع 5.1%، بعدما بلغ متوسط نموها السنوي في العامين السابقين 48%.
أما صافي دخل الاستثمار، المساهم الرئيسي الثاني في فائض الحساب الجاري، فسجل أول انخفاض له في خمس سنوات، متراجعا 22.8% إلى 2.7 مليار دينار مقارنة مع نموه بواقع 10.7% في العام 2007. وكانت كافة القطاعات قد شهدت تدهورا في دخل استثمارها بدرجات متفاوتة. فصافي دخل الاستثمار للبنوك المحلية تراجع بواقع 41% إلى 93 مليون دينار، بينما تراجع للحكومة بنحو 3.2% إلى 2.3 مليار دينار. وفي ظل الخسارة التي سجلتها الموجودات الأجنبية للحكومة في العام الماضي والمقدرة بحوالي 9 مليارات دينار، وتراجع أسعار الفائدة عالميا، إلى جانب انخفاض قيمة الأصول المالية، يتوقع أن يشهد دخل الاستثمار في العام الحالي تراجعا حادا، ما من شأنه أن يزيد من زخم الضغوط على فائض الحساب الجاري.
كما شهد عام 2008 تراجعاً في حجم التحويلات الجارية، التي تشمل بشكل رئيسي تحويلات الوافدين إلى بلدانهم والمساعدات الحكومية المقدمة إلى دول أخرى، بواقع 6% إلى 1.6 مليار دينار. وقد حافطت تحويلات الوافدين على مستواها للعام السابق البالغ 1.5 مليار دينار، وهو ما يتوافق مع تراجع حجم العمالة الوافدة في الكويت في 2008 بواقع 0.9%، بينما انخفضت مساعدات الحكومة الكويتية المقدمة إلى دول أخرى بواقع 91 مليون دينار لتبلغ 72 مليون دينار.
الحساب الرأسمالي والمالي
وعلى صعيد صافي التدفقات الرأسمالية إلى الداخل، فلحظ الوطني أنه واصل ارتفاعه خلال 2008 ليبلغ 465 مليون دينار. وبلغت مدفوعات لجنة الأمم المتحدة إلى الحكومة للتعويض عن الخسائر من جراء الغزو العراقي في عام 1990، نحو 480 مليون دينار، مرتفعة من 387 مليون دينار في 2007. بينما انخفضت التعويضات المدفوعة للقطاع الخاص بمقدار 36 مليون دينار إلى 19 مليون دينار.
وكانت الفوائض الضخمة في الحساب الجاري قد استثمرت في الخارج عبر شراء أصول أجنبية. فارتفع صافي التدفقات المالية إلى الخارج في العام 2008 بواقع 45.3% إلى 15.8 مليار دينار. وبهدف تحقيق عوائد أعلى، فإن أكثر من نصف هذه الاستثمارات توجهت بشكل مباشر إلى الاستثمار في محافظ الأوراق المالية. وبالطبع، فإن التراجع الحاد المتوقع في فائض الحساب الجاري في العام الحالي سينعكس سلباً على حجم الزيادة في الموجودات الأجنبية للكويت.
ومع ذلك، فإن صافي الاستثمارات في محافظ الأوراق المالية في الخارج كان قد تراجع من 9.8 مليار دينار في العام 2007 إلى 8 مليارات دينار في 2008، بلغت حصة شركات الاستثمار وحدها من هذا التراجع نحو مليار دينار، حيث يلاحظ أن التزامات شركات الاستثمار قد ارتفعت من 46 مليون دينار في 2007 إلى 572 مليون دينار في العام الماضي، بينما انخفضت موجوداتها خلال الفترة نفسها من 665 مليون دينار إلى 230 مليون دينار. فالتدهور الذي شهدته الأسواق المالية العالمية في أواخر العام الماضي وصعوبات التمويل التي تواجه شركات الاستثمار قد تكون دفعتها إلى تسييل جزء من موجوداتها في المحافظ الأجنبية. أما الحكومة، فقد استحوذت خلال 2008 على 94% من صافي استثمارات الكويت في محافظ الأوراق المالية في الخارج، وبحصة بلغت 7.5 مليار دينار.
وأشار الوطني إلى أن الودائع والحسابات النقدية المودعة في الخارج استمرت بالارتفاع خلال 2008، إذ قفزت بنحو 4.6 مليار دينار، من 2.5 مليار دينار في العام السابق. وتعود معظم هذا الإيداعات إلى الحكومة (77% منها). ومع أن العام 2008 كان قد شهد تراجعا حادا في حجم الإيداعات المباشرة للحكومة في الخارج (من 3 مليارات دينار في 2007 إلى مليار دينار في 2008)، إلا أن الحكومة كانت قد حققت أرباحا رأسمالية بمقدار 2.6 مليار دينار، قامت بإيداعها بالخارج وذلك للمرة الأولى منذ سنوات. من جهة ثانية، شهدت الحسابات النقدية وودائع غير المقيمين لدى البنوك المحلية انخفاضا في العام الماضي بواقع 0.5 مليار دينار، بعدما كانت قد ارتفعت بأكثر من 3 مليارات دينار في العام السابق. وعلى نحو مماثل، تراجع صافي الحسابات النقدية وودائع البنوك المحلية في الخارج من 1.3 مليار دينار في العام 2007 إلى 0.9 مليار دينار في 2008.
وبعد ارتفاعها بوتيرة متسارعة منذ العام 2003، تراجعت قيمة القروض المقدمة من الحكومة الكويتية لحكومات أخرى لتمويل مشترياتها من الكويت (وتحديداً من النفط) خلال 2008 إلى 780 مليون دينار، من 1.7 مليار دينار في العام السابق.
أما بالنسبة لصافي الاستثمار الأجنبي المباشر في الخارج، فقد تراجع في 2008 إلى 2.3 مليار دينار من 2.7 مليار دينار في 2007. وقد أسهمت الحكومة في العام الماضي بنحو 85% من صافي هذه التدفقات، أي بما قدره ملياري دينار، بينما ساهمت شركات الاستثمار بالنسبة المتبقية. من جهة ثانية، استمرت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الكويت عند مستواها المنخفض، لتبلغ 15 مليون دينار في العام الماضي، مقارنة مع 35 مليون دينار في 2007، وذلك على الرغم من أن الكويت قد قامت بخفض معدل الضريبة المفروضة على الاستثمار الأجنبي في بداية 2008 من حدها الأقصى البالغ 55% إلى 15%. ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى تدهور أداء الاقتصاد العالمي، إلى جانب محدودية برامج تسويق الفرص الاستثمارية المتاحة في الكويت.
وبالمحصلة، ارتفع صافي إجمالي التدفقات المالية للحكومة الكويتية إلى الخارج في العام الماضي إلى 13.9 مليار دينار من 10.8 مليار دينار في 2007. وجاءت البنوك في المرتبة الثانية من حيث صافي التدفقات المالية إلى الخارج بقيمة ملياري دينار.
ميزان المدفوعات الكلي
وذكر الوطني أن الفارق المطلق بين فائض الحساب الجاري (البالغ 17.4 مليار دينار) وصافي التدفقات إلى الخارج ضمن الحساب المالي والرأسمالي (والبالغ 15.3 مليار دينار) قد انعكس على الأصول الاحتياطية لبنك الكويت المركزي، وعلى بند "أخرى". وقد بلغ فائض الميزان الكلي لميزان المدفوعات 172 مليون دينار انعكس في الأصول الاحتياطية للبنك المركزي بالمقدار نفسه، وذلك مقارنة مع ارتفاعها بواقع 917 مليون دينار في العام السابق. وإذا ما أخذ بعين الاعتبار صافي الزيادة في الموجودات الأجنبية للحكومة والتي تديرها الهيئة العامة للاستثمار ومؤسسة البترول الكويتية والخطوط الجوية الكويتية، واحتياطيات بنك الكويت المركزي، فإن تقديرات البنك المركزي تشير إلى أن ميزان المدفوعات بمفهومه الأوسع قد سجل خلال عام 2008 فائضا قدره 8.4 مليار دينار، مقارنة مع فائض قدره 11.5 مليار دينار تحقق في العام الأسبق.
© 2009 تقرير مينا(www.menareport.com)