استثمارات "الذكاء الاصطناعي" قد تصل إلى 15 تريليون دولار بحلول 2030

تاريخ النشر: 29 أكتوبر 2017 - 08:30 GMT
الاستثمار في مجال التكنولوجيا عامة والذكاء الاصطناعي على وجه التحديد - بحسب الخبير الاستثماري - يجد الكثير من التحديات
الاستثمار في مجال التكنولوجيا عامة والذكاء الاصطناعي على وجه التحديد - بحسب الخبير الاستثماري - يجد الكثير من التحديات

يعد مصطلح الذكاء الاصطناعي من المصطلحات الحديثة نسبيا في مجال المعرفة الإنسانية، وتزداد حداثة المصطلح عندما نتطرق إلى استخدامه في علم الاقتصاد، ومع هذا فالمفهوم بات يتمتع بانتشار واسع، فقد درج استخدامه بكثافة في عديد من وسائل الإعلام.

وإذا كان مصطلح الذكاء الاصطناعي صيغ لأول مرة عام 1956، على يد العالم الأمريكي جون مكارثي أحد الآباء المؤسسين لهذا الفرع من المعرفة الإنسانية باعتباره فرعا من فروع علم الكمبيوتر أو العقل الإلكتروني، الهادف إلى إيجاد آلات ذكية تعمل وتتفاعل كالبشر، فإن عالم الرياضيات البريطاني الشهير آلان تورينج اقترح في حينها أن يكون المؤشر الحقيقي لقياس ذكاء الكمبيوتر هو عدم قدرتنا على التمييز بين إجابته وإجابة الإنسان للسؤال ذاته.

واليوم وبعد مرور 60 عاما تقريبا من بروز مصطلح الذكاء الاصطناعي، اتسع نطاقه ليتضمن التطبيقات المستخدمة في الكمبيوتر، والألعاب التي يتنافس فيها الكمبيوتر مع الإنسان، وفهم لغات البشر، إضافة بالطبع إلى الروبوتات التي تمتلك القدرة على السماع والرؤية وردود الأفعال على المحفزات الحسية.

يعرف الدكتور نايجل شادبولت أستاذ أنظمة المعلومات لـ "الاقتصادية" الذكاء الاصطناعي بأنه أجهزة ونظم كمبيوتر مصممة للعمل بطريقة يمكن اعتبارها ذكية، ويتضمن الأنماط التكنولوجية التي تحاكي الأداء البشري من خلال التعلم والتوصل إلى استنتاجاتها الخاصة، عبر فهم المحتويات المعقدة، والانخراط في حوارات مع الإنسان، وتعزيز الأداء المعرفي البشري، بل استبدال البشر في تنفيذ المهام الروتينية وغير الروتينية على حد سواء.

وبطبيعة الحال لا يعد هذا هو التعريف الوحيد للذكاء الاصطناعي، ولكنه المفهوم الأكثر انتشارا وقبولا بين المتخصصين في هذا المجال، بما فيهم الاقتصاديين المعنيين بالبحث في تداعيات هذا الفرع من المعرفة الإنسانية على الاقتصاد ومعدلات النمو والتوظيف وغيرها من الجوانب الاقتصادية المختلفة.

ولفهم سريع وعميق لمدى تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد، فإن لغة الأرقام لربما تكون مؤشرا ملموسا على عمق التحولات التي ستنتاب الاقتصاد الدولي من جراء الدمج المتزايد لمفاهيم الذكاء الاصطناعي في الآليات العمل الاقتصادي.

ويشير لـ "الاقتصادية"، البروفيسور فرانك توماس أستاذ الاقتصاد الحديث في جامعة أكسفورد، إلى أن بعض الدراسات توقعت في بداية العقد الثاني من القرن الحالي أن تبلغ مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي خلال هذا العقد ما يراوح بين 359.6 إلى 773 مليار دولار، وفي عام 2014 أشارت دراسة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أن الذكاء الاصطناعي بعد توسيع نطاق استخدامه سيؤدي إلى زيادة الاقتصاد الدولي بما يراوح بين 1.49 و2.95 تريليون دولار.

وأضاف توماس أن بعض التقديرات الحديثة الآن تشير إلى أرقام أكبر من ذلك بكثير، فالتقرير الصادر عن أكاديمية "برايس ووتر هاوس كوبرز" في منتصف هذا العام عن مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الدولي تصل بتلك المساهمة إلى 15.7 تريليون دولار من الآن وحتى عام 2030، أي ما يفوق الناتج المحلي الإجمالي للصين والهند معا، مع الأخذ في الاعتبار أن قيمة الاقتصاد الكوني حاليا 74 تريليون دولار وسيزيد بنحو 14 في المائة بحلول عام 2030.

ويضيف توماس أن الزيادة تنقسم إلى 6.6 تريليون دولار تأتي من ارتفاع معدلات الإنتاجية و9.1 تريليون دولار زيادة نتيجة زيادة الجوانب الاستهلاكية في ضوء ارتفاع مستوى جودة السلع المنتجة.

وفيما تؤكد "برايس ووتر هاوس كوبرز" إن الذكاء الاصطناعي أكبر فرصة تجارية في عالم اليوم سريع الإيقاع، تبدو تلك الزيادات بالنسبة للاقتصاديين الكلاسيكيين الذين يعتبرون أن أرقاما من قبل 100 و200 مليار دولار هى أرقاما فلكية وزيادات بعيدة المنال، لكنها مع ذلك تتفق تماما مع رؤية جيل جديد من القادة والاقتصاديين الذين ينظرون إلى المستقبل بناء على رؤية نوعية، ترمي إلى إحداث تغيير شامل في منحى الحياة الإنسانية.

ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور أرون نولان أستاذ فلسفة علم الاقتصاد: "بالطبع إضافة 15 تريليون دولار للاقتصاد الكوني خلال أقل من عقدين مبلغ شديد الضخامة، ولكن ذلك ينبع من أن الفلسفة الاقتصادية الراهنة تعتمد على مفهوم العلاقة العدائية بين البشر والآلة، فمزيد من الروبوتات يعني للمدرسة الاقتصادية التقليدية، فرص عمل أقل للبشر، بينما مفهوم المدافعين عن دمج الذكاء الاصطناعي في الآلة الاقتصادية يعتمد على التكاملية بين الإنسان والآلة، بما يعنيه ذلك من تعزيز مفهوم الكفاءة، ابتداء من استخلاص الموارد والوصول بمعدل الهدر إلى قرب الصفر، مرورا بعملية التصنيع، وتفادي الأخطاء التصنيعية، انتهاء باستخدام المستهلك للمنتج بأفضل صورة ممكنة.

وهذا التكامل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي يعني فرص عمل أعلى، لكن شريطة أن تكون النوعية التعليمية ذات جودة ومعرفة قادرة على التعامل مع الظروف الاقتصادية الجديدة في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع".

ويضيف نولان:" لذلك فإن نجاح التجربة يرتهن في معظم الحالات بإحداث تغيير شامل في المناهج التعليمية، وجعلها أكثر حداثة بالتركيز على أفرع المعرفة الإنسانية التي تصب في خدمة الاقتصاد الحديث ودمجه للذكاء الاصطناعي في العملية الإنتاجية".

وبطبيعة الحال يمكن القول بثقة شديدة أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في مرحلة مبكرة جدا من التنمية بشكل عام، وهناك فرص واعدة للغاية لاستخدامه خاصة في الاقتصادات الناشئة أكثر منها في الاقتصادات المتطورة، وفي القطاعات الاقتصادية المبتدئة أكثر منها في القطاعات الاقتصادية الأكثر تطورا.

وفي هذا السياق، يوضح كين كيلي الباحث الاقتصادي، أن القطاعات كثيفة الاستخدام لرأس المال مثل التصنيع والنقل ستكون الأكثر استفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فالإنتاجية في تلك القطاعات ستتحسن بشدة نتيجة الذكاء الاصطناعي، والعديد من العمليات التشغيلية يمكن أن يتم تحويلها إلى هذا النوع من التكنولوجيا.

ويضيف كيلي أن التأثير على الإنتاجية نتيجة التحول إلى الأتمتة أو الذكاء الاصطناعي سيعزز الأجواء التنافسية بشدة بين الشركات، وهذا يصب في مصلحة المستهلك، فالشركات التي ستفشل في التكيف وتبني الذكاء الاصطناعي ستقوض نفسها بنفسها نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج، ومن ثم فقدان قدر كبير من حصصها السوقية، ومع هذا فإنه في المراحل الأولى من تطبيق الذكاء الاصطناعي سيتم التركيز أساسا على تعزيز ما يجري بالفعل، بدلا من توفير فرص جديدة وهو ما سيأتي لاحقا.

ويعتقد كيلي أن استفادة منتجي السلع والخدمات من الذكاء الاصطناعي لا يعني أنهم الرابح الأكبر، لأن الرابح الأكبر في الحقيقة هو المستهلك الذي سيحصل على منتج أعلى جودة، وبسعر أقل، بل سيكون لديه فرصة لاستخدام أفضل وأكثر ربحية لوقته، ويضرب مثلا على ذلك بعالم السيارات حيث المستقبل للسيارات ذاتية القيادة، وهذا يعني أن الشخص الذي كان يقود سيارته لمدة ساعة للوصول إلى العمل، سيكون لديه الآن ساعة فراغ يمكن أن يستفيد منها بطرق مختلفة، بما فيها القيام بعمل قد يدر عليه المزيد من الدخل.

ومع هذا، فإن تحديد أكثر القطاعات الاقتصادية استفادة من الذكاء الاصطناعي لا يزال محل جدل كبير بين الاقتصاديين، فبينما ينحاز البعض إلى القطاع الصحي، يرى آخرون أن قطاع النقل والمواصلات الأكثر ترشيحا في هذا المجال، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال يقضي المواطن الأمريكي نحو 300 ساعة سنويا في المتوسط خلف عجلة القيادة، ولا شك أن توفير تلك الساعات عبر الذكاء الاصطناعي عن طريق السيارات ذاتية القيادة سيمثل إضافة ضخمة للاقتصاد الأمريكي.

وبقدر الأهمية الشديدة لمعرفة القطاعات الاقتصادية المختلفة التي ستتأثر بالذكاء الاصطناعي، إلا أن معرفة المناطق الجغرافية المختلفة التي ستستفيد من دمج الذكاء الاصطناعي في المنظومة الإنتاجية، يعد أحد أبرز اهتمامات المستثمرين الدوليين.

وتشير آخر التقديرات الدولية إلى أن الصين وأمريكا الشمالية، يعدان الفائز الأكبر من دمج الذكاء الاصطناعي في العملية الإنتاجية، إذ سيبلغ

اجمالي المكاسب الاقتصادية لهما نتيجة تعزيز الآلة الإنتاجية لاقتصاداتهما بالذكاء الاصطناعي نحو 10.7 تريليون دولار حتى عام 2030، أي ما يعادل نحو 70 في المائة من التأثير الاقتصادي الكلي للذكاء الاصطناعي على الاقتصاد الكوني.

ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور نيل سنودي رئيس قسم الاقتصاد الأسبق في جامعة مانشستر، إن كل المناطق الجغرافية في العالم ستحقق مكاسب نتيجة استخدام الذكاء الاصطناعي في العملية الإنتاجية، لكن الصين ستكون المستفيد الأكبر إذ ستجني نحو 26 في المائة من العوائد الاقتصادية الدولية الناجمة عن عملية الأتمتة وستحقق نحو سبعة تريليونات دولار بمفردها بحلول عام 2030.

وأضاف سنودي أن أوروبا الشمالية ستأتى بعد الصين في الاستفادة وبفارق ملحوظ إذ لن تتجاوز عوائدها من 3.7 تريليون، يليها بلدان شمال أوروبا بنحو 1.8 تريليون، أما جنوب أوروبا فلن يتجاوز ما تحققه في أفضل تقدير 700 مليار دولار وذلك لتفاوت التطور الاقتصادي بين بلدان الجنوب والشمال الأوروبي، لكن وضع البلدان الآسيوية المتقدمة سيكون أفضل نسبيا من دول جنوب أوروبا إذا سيصل إلى 900 مليار دولار، أما دول أمريكا اللاتينية فستجني نحو 500 مليار دولار، وبالنسبة للبلدان الإفريقية ومنطقة الخليج العربي ودول وسط آسيا فإنها ستحقق نحو 1.2 تريليون دولار.

ولا شك أن الآفاق الاقتصادية الواعدة للذكاء الاصطناعي تعد أيضا أحد عوامل الجذب القوية للاستثمار في هذا القطاع، ومن المتوقع أن ينمو الإنفاق على الذكاء الاصطناعي من 640 مليون دولار العام الماضي إلى 37 مليار عام 2025.

ويوضح لـ "الاقتصادية"، أديتيا كولان الخبير الاستثماري، أن الاستثمار في بعض مجالات الذكاء الاصطناعي يشهد الآن وسيشهد مستقبلا رواجا شديدا، فمثلا الاستثمار في تكنولوجيا التعرف على الصور، وخدمات الأعمال والخدمات الصحية وصناعة الروبوتات والأنشطة العسكرية تشهد جميعها رواجا ملحوظا.

إلا أن الاستثمار في مجال التكنولوجيا عامة والذكاء الاصطناعي على وجه التحديد - بحسب الخبير الاستثماري - يجد الكثير من التحديات، فالصين على سبيل المثال تستثمر بكثافة في جميع القطاعات التكنولوجية، وهناك مساعي واضحة للغاية من قبل الحكومة الصينية لشراء الشركات التكنولوجية الأوروبية العاملة في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي، وهذا يقلق واشنطن بشدة.

وأشار كولان إلى أن الإدارة الأمريكية أبدت في العديد من المرات المختلفة ومن بينها إدارة ترمب الحالية عدم موافقتها على إتمام الصفقات الصينية لشراء شركات تكنولوجيا أمريكية متطورة، بل ضغطت بشدة على حلفاء أوروبيين من بينهم ألمانيا لتبني موقف متشدد تجاه الجانب الصيني، وعدم السماح له بشراء شركات تكنولوجيا ألمانية، فالمنافسة الاستثمارية في هذا القطاع محتدمة للغاية، والسبب يعود إلى أن المتحكم في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي سيتحكم في المستقبل الاقتصادي للبشرية.

اقرأ أيضًا:

الإمارات تطور استراتيجية الاستخدام الحكومي للذكاء الصناعي