اقتصادات دول الخليج ستعاني هذا العام رغم مؤشرات الانتعاش الأخيرة في أسعار النفط

تاريخ النشر: 24 يونيو 2009 - 08:08 GMT

أشار بنك الكويت الوطني في نشرته الاقتصادية الأخيرة إلى أن التدهور الحاد الذي شهده الاقتصاد العالمي منذ الربع الأخير من العام 2008 بدأ بالتأثير سلبا على قيمة وحجم التجارة الخارجية لدول الخليج، حيث من المتوقع أن تعاني الصادرات في العام الحالي جراء الهبوط الحاد في أسعار النفط، في حين ستشهد الواردات أداء ضعيفاً، متأثرة بانكماش النشاط الاقتصادي وانخفاض الطلب المحلي في دول الخليج.

ورأى الوطني أنه نظراً للدور الكبير الذي يلعبه قطاع النفط في اقتصادات دول الخليج، فيتوقع للتراجع الحاد والسريع الذي شهدته أسعار النفط من مستوياتها القياسية في العام الماضي أن ينعكس سلباً على مجمل النشاط الاقتصادي لدول المنطقة خلال العام الحالي، وخاصة في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي وميزانيات الحكومات ومعدلات البطالة والنمو السكاني. لذلك، يبقى الاعتماد الكبير على النفط وتذبذب أداء الاقتصادات الخليجية تبعاً لتقلبات أسعار النفط أحد أبرز نقاط الضعف المزمنة وأحد أهم التحديات التي تواجه الاقتصادات الخليجية، الأمر الذي يفسر الحاجة الملحة لتنويع مصادر الدخل.

ولحظ الوطني أن أسعار النفط قد سجلت مكاسب جوهرية خلال الأشهر الأخيرة، متأثرة بعوامل مختلفة تراوحت ما بين ارتفاع درجة التوازن في أسواق النفط إلى الضعف المتوقع في سعر صرف الدولار. فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر برميل الخام الكويتي خلال الشهر المنتهي في 12 يونيو الجاري بواقع 26% إلى 70.4 دولار. لكن على الرغم من هذا الارتفاع الملحوظ، فإن ذلك لا يعني أن الثقة ستعود قريبا إلى الأسواق أو أن المسار الذي ستسلكه أسعار النفط مستقبلا بات أكثر وضوحا، فصادرات النفط والبتروكيماويات تعتمد بشكل كبير على واقع وتطلعات الاقتصاد العالمي. إلا أن البيئة الاقتصادية العالمية في الوقت الراهن لا تبدو مساندة لتعاف جوهري في الصادرات الخليجية. فوفقاً لتقديراته الأخيرة، يتوقع صندوق النقد الدولي على سبيل المثال أن ينكمش الاقتصاد العالمي في العام الحالي بواقع 1.3%، قبل أن يتعافى قليلا في العام المقبل. كذلك الحال، تتوقع منظمة التجارة العالمية أن يتراجع حجم الصادرات العالمية في 2009 بواقع 9%، في حين تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينخفض الطلب العالمي على النفط خلال العام الحالي بنحو 3%.

وتشير تقديرات الوطني إلى أن صادرات دول الخليج قد تتراجع في العام الحالي بنحو 40%، حيث من المتوقع أن تشهد كافة دول الخليج، باستثناء قطر، تراجعاً في إيراداتها من الصادرات هذا العام. وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن بنك الكويت المركزي إلى أن كلا من الصادرات النفطية وغير النفطية قد تراجعت في الربع الأول من 2009 بواقع 56% و7% على التوالي، وذلك مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وفي السعودية، تراجعت الصادرات غير النقطية خلال الفترة نفسها بنحو 21% على أساس سنوي.
التكلفة المرتفعة للأزمة...
ورأى الوطني أن انتهاء الطفرة النفطية الأخيرة قد أدى إلى تصحيحات حادة في الاقتصادات الخليجية وعلى كافة الأصعدة تقريبا. وقد يكون في مقدمة التداعيات السلبية للأزمة الحالية الانكماش المتوقع في النشاط الاقتصادي لدول الخليج وتدهور ثقة القطاع الخاص. ونتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الخليجي بالأسعار الجارية في العام الحالي بواقع 20% وذلك في أعقاب نموه في العام الماضي والمقدر بنحو 28%. أما بالأسعار الثابتة، فيتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الخليجي خلال عام 2009 بواقع 2.6%، بعدما كان قد سجل نموا في العام الماضي بواقع 7%.
كذلك، يتوقع أن يشهد فائض الحساب الجاري لدول الخليج انخفاضا حادا في العام الحالي، مع تسجيله فائضا بحدود 15 مليار دولار فقط (2% من الناتج المحلي الإجمالي)، مقارنة مع فائض بلغ 290 مليار دولار (28% من الناتج المحلي الإجمالي) في العام السابق. ونتيجة لذلك، لا يتوقع أن تتمكن دول الخليج في 2009 من تعزيز موجوداتها الأجنبية بالوتيرة نفسها التي سادت السنوات السابقة. كما نتوقع أن تسجل ميزانيات الحكومات الخليجية عجزا بحدود 20 مليار دولار (2.7% من الناتج المحلي الإجمالي)، بعدما كانت قد حققت فائضا في العام الماضي يقدر بحوالي 220 مليار دولار. كذلك الحال، يتوقع أن يشهد معدل النمو السكاني والتوظيف تباطؤا خلال العام الحالي، إلى جانب ضعف الطلب المحلي والخارجي ونشاط البنوك وربحيتها وحجم ثروات القطاع الخاص من مستوياتها القياسية للعام السابق.
... لكن بمقدور الدول الخليجية أن تواجه الصدمة
وسواء واصلت أسعار النفط مسيرة ارتفاعها الحالية أو اتجهت نحو الانخفاض، فرأى الوطني إن ذلك يجب أن لا يكون بؤرة الاهتمام  الأولى لدول الخليج، وذلك لأربعة أسباب رئيسية، أولها أن بمقدور دول الخليج أن تواجه بسهولة تداعيات الأزمة الحالية عبر استغلال الحجم الهائل من الموجودات الأجنبية التي تمكنت من جمعها خلال السنوات السابقة. فالدول الخليجية استطاعت أن تحقق فوائض ضخمة في حساباتها الجارية وميزانياتها خلال السنوات الأخيرة، بلغت نحو تريليون دولار و600 مليار دولار على التوالي في الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2008.

أما السبب الثاني والأهم، فيتمثل في أن الإنجازات الاقتصادية التي حققتها الدول الخليجية خلال السنوات الأخيرة تتجاوز بشكل ملحوظ متوسطها التاريخي الاعتيادي وذلك تبعاً لكافة المؤشرات الاقتصادية الرئيسية. فعلى سبيل المثال، فإن حجم الناتج المحلي الإجمالي المتوقع في 2009 مازال يتجاوز مستواه المسجل في 2007. كذلك، يتوقع أن يتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الخليجية في العام الحالي دون مستواه للعام الماضي بنحو 20%، ليبلغ 21700 دولار. وعلى الرغم من هذا التراجع الحاد، يبقى أدنى قليلا من مستواه في 2007، وأعلى من مستواه في 2004 بنحو 50%.

ثالثا، تعاملت دول الخليج بحكمة أكبر مع فورة النفط الأخيرة مقارنة مع الفورات السابقة. ويلاحظ أنها خصصت المزيد من المصروفات لتطوير الرأسمال البشري والتعليم والبنية التحتية ورفع الطاقة الإنتاجية للقطاع النفطي، بالإضافة إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين. ويتوقع أن يثمر ذلك في المستقبل القريب من حيث ارتفاع الإنتاجية والفعالية.

ففي المملكة العربية السعودية مثلا، بلغ متوسط النمو السنوي في اعتمادات ميزانية الحكومة لتنمية الموارد البشرية خلال السنوات الست الماضية نحو 14.3%، بينما بلغ متوسط نمو المصروفات الإجمالية خلال الفترة نفسها  نحو 12.5%.
وأخيرا، فإن أسعار النفط ارتفعت خلال الأشهر القليلة الماضية على خلفية ظهور بعض دلالات التعافي في الاقتصاد العالمي. وفي حال استمرار هذا المنحى، فيتوقع أن يعزز ذلك من إيرادات الصادرات النفطية والثقة عموما خلال الفترة المتبقية من العام الحالي. فمستوى الأسعار الحالي ليس بعيدا عن "السعر العادل" من وجهة نظر أوبك والبالغ 75 دولارا للبرميل. وعلى الرغم من درجة الغموض المرتفعة التي تحيط بتطلعات الاقتصاد العالمي وأسواق النفط، يتوقع أن تبقى أسعار النفط أعلى من المستوى الأدنى الذي سجلته في ديسمبر الماضي والبالغ 38 دولارا للبرميل.

وبشكل عام، ومقارنة مع العام الماضي، أشار الوطني إلى أن 2009 يتوقع أن يكون عاما مليئا بالتحديات بالنسبة للاقتصادات الخليجية سينجم عنه خسارة لبعض المكاسب المحققة في السنوات السابقة. لكن إنجازات الاقتصادات الخليجية والمكاسب الضخمة التي حققتها خلال السنوات القليلة الماضية تبقى كبيرة لدرجة أنها لا يمكن أن تختفي جراء التعرض لصعوبات في سنة واحدة، مهما بلغ حجم هذه المصاعب. وذلك قد يفسر لجوء بعض الدول الخليجية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات، إلى اعتماد سياسات مالية توسعية مناسبة بهدف الحد من انكماش اقتصاداتها، من دون إيلاء أهمية تذكر  لانعكاسات ذلك على ميزانية السنة الحالية.

وبالمحصلة، رأى الوطني أن حجم الضغوطات التي تتعرض لها اقتصادات دول الخليج لا تستوجب تبني تغيير جذري أو دراماتيكي في خططها الاقتصادية بهدف التأقلم مع البيئة الاقتصادية الجديدة. لكن في حال تبددت آمال التعافي في الاقتصاد العالمي وعادت أسعار النفط إلى التراجع مجددا، فعندها فقط قد يكون الوقت مناسباً للتفكير في تبني إجراءات أكثر حدة. وبشكل عام، نرى أن العام 2009 سيكون بمثابة اختبار واقعي لقدرة الحكومات الخليجية على التعامل مع أزمة اقتصادية مستوردة والحد من تداعياتها، وذلك في بيئة تلفها درجة عالية من الغموض.

© 2009 تقرير مينا(www.menareport.com)

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن