مختصون يتوقعون استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية

تاريخ النشر: 08 فبراير 2016 - 07:40 GMT
أغني 62 شخصا في العالم يمتلكون ثروات تضاهي ما يملكه 3.6 مليار نسمة يمثلون النصف الفقير من سكان الكرة الأرضية
أغني 62 شخصا في العالم يمتلكون ثروات تضاهي ما يملكه 3.6 مليار نسمة يمثلون النصف الفقير من سكان الكرة الأرضية

يرى مختصون اقتصاديون أن استمرار ارتفاع معدلات البطالة والفقر في العالم يعكس عدم خروج الاقتصاد العالمي من حالة التباطؤ الذي ما زالت تداعياته مستمرة منذ 2008.

وشكك بعضهم في أرقام البطالة المعلنة في الولايات المتحدة التي تشير إلى انخفاض البطالة إلى أقل من 5 في المائة مسجلة أدنى مستوى في 8 سنوات.

واعتبر الدكتور بيتر لويد أستاذ اقتصاديات العمل والاستشاري في منظمة العمل الدولية، الأرقام التي أصدرتها المنظمة التي قدرت عدد العاطلين عن العمل عالميا بنحو 197.1 مليون شخص تشير إلى مغزى واحد وهو أن الاقتصاد الدولي لم يخرج من أزمته بعد، حيث يراوح مكانه رغم كل الفوائض المالية التي ضخت في الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور.

وأوضح لـ "الاقتصادية"، التحسن الاقتصادي الطفيف في بعض الاقتصادات المتقدمة مثل الاقتصاد الأمريكي والبريطاني، وقد ترافق نجاحهما في خفض معدلات البطالة المحلية، مع تنامي البطالة في الاقتصادات الناشئة مثل روسيا وتركيا وجنوب إفريقيا والبرازيل إضافة طبعا إلى الصين.

وأشار لويد إلى أن المشكلة تكمن في أن اقتصادات تلك البلدان الناشئة والبنية الإنتاجية فيها كثيفة العمل، أي أنها تعتمد على الأيدي العاملة البشرية في الأساس، وليس التكنولوجيا المتطورة كالبلدان المتقدمة، ومن ثم فإن انخفاض أسعار المعادن مثلا أدى إلى إغلاق عديد من المناجم في إفريقيا وجنوب شرق آسيا، ومن ثم ارتفاع معدلات البطالة بنسبة أعلى من انخفاض معدلات البطالة في الاقتصادات عالية التطور، والمحصلة هي زيادة أعداد العاطلين عن العمل عالميا.

وتمتد المخاوف حاليا إلى ما يعرف باسم "العمالة المعرضة للخطر" وتعني المجموعات العمالية التي تعمل في وظائف، لكن كفاءتها الإنتاجية منخفضة، وأعمالها غير مستقرة، وليس لديها عقود عمل ثابتة، حيث يعد مؤشر "معدل العمالة المعرضة للخطر" مؤشرا اقتصاديا لمعرفة مدى تمتع اقتصاد ما بوضع صحي ثابت ومستقر.

وتشير أغلب التحليلات إلى أن هذا المؤشر سيرتفع في الاقتصادات الناشئة خلال السنوات الثلاث المقبلة حيث سينمو عدد العمال المنتمين إلى تلك الفئة بنحو 25 مليون عامل في إجمالي الاقتصادات الناشئة.

الدكتور وليم جميس الرئيس السابق لوحدة الأبحاث التابعة لبنك إنجلترا والأستاذ في جامعة ريد يحمل نظرة شديدة التشاؤم حول البطالة في العالم، لكنه يلقي بالمسؤولية الأساسية على القادة والاقتصاديين في البلدان الاقتصادية المتقدمة وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية وإدارة الرئيس أوباما.

وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن "التقديرات غير الرسمية تشير إلى 300 مليون شخص عاطل عن العمل عالميا بحلول عام 2017"، وهذا العدد ربما يزيد على ذلك إذا أخذنا في الحسبان زيف معظم إحصاءات معدلات البطالة في الاقتصادات الإفريقية وبعض البلدان الآسيوية.

وأشار جميس إلى أن الأرقام الدولية تتجاهل ملايين من اللاجئين الباحثين عن فرصة عمل، وهؤلاء عمليا قنبلة موقوتة قابلة للانفجار، وحتى واشنطن ولندان اللتان تتفاخران بخفض معدلات البطالة، فإن البطالة الحقيقية كما كانت تحسب في تسعينيات القرن الماضي تعتبر مرتفعة لديهما، إذ تراوح بين 20-25 في المائة وليس 5 في المائة كما تزعم الإحصاءات الرسمية.

لكن من يتحمل المسؤولية؟، يعتقد جيمس أن البلدان المتقدمة وتحديدا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تتحملان الجانب الأعظم من تفاقم مشكلة البطالة عالميا، فالإدارة الأمريكية تعاملت في مساعيها للخروج من الأزمة الاقتصادية بصورة أنانية للغاية، ولم ترتفع إدارة أوباما إلى مستوى المسؤولية باعتبارها قائدة النظام العالمي، وما يحمله هذا الموقع الفريد من التزامات.

وأوضح جميس أن البيت الأبيض والكونجرس وإلى حد كبير الاتحاد الأوروبي ركزوا على تبني سياسات اقتصادية أحادية الجانب لإخراج بلادهم من الأزمة الاقتصادية، وتعاملوا مع المشكلة من منطلق أنها أزمة أصابت ضفتي الأطلسي وحسب، وتجاهلوا باقي العالم، والنتيجة أن الاقتصاد الأمريكي لم يتحسن بشكل جذري بينما ظل الركود يهيمن على أوروبا، وتعمقت المأساة الاقتصادية في الاقتصادات الناشئة نتيجة تراجع أسعار النفط والمعادن، وتدهور النمو الاقتصادي الصيني، وبالتالي قفزت معدلات البطالة عالميا إلى مستويات مقلقة للغاية.

ويرى جميس أن الجذر الرئيسي لمشكلة البطالة عالميا يأتي من احتكار مجموعة محدودة للغاية من البلدان للمقدرات الاقتصادية العالمية، والتلاعب بها بما يحقق مصالحها فقط.

ولا يختلف الوضع المتردي أيضا لمعدلات الفقر المتزايدة عالميا في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي وتنامي ظاهرة عدم العدالة في توزيع الثروات عالميا عن وضع البطالة عالميا.

لكن أرقام ومعدلات الفقر في العالم وغياب العدالة في توزيع الثروات تظل أكثر قسوة في مدلولها، وتصطدم بالضمير والمنطق الإنساني لدرجة قد يصعب في كثير من الأحيان تصديق تلك الأرقام، غير أنها صادرة من منظمات دولية تحظى بمصداقية بحثية رفيعة المستوى، كما أنه لم تصدر أي دراسات مضادة تنفي تلك الأرقام أو تتحدى مصداقيتها.

آخر تلك الدراسات ما أعلنته مؤسسة "أوكسفام" الخيرية البريطانية من أن أغني 62 شخصا في العالم يمتلكون ثروات تضاهي ما يملكه 3.6 مليار نسمة يمثلون النصف الفقير من سكان الكرة الأرضية، وكانت تلك البيانات محل نقاش خلال منتدى "دافوس" الأخير في سويسرا، ليس من منطلق مصداقيتها بل من حيث المدلول.

وعلى الرغم من وجود بارقة أمل في أن عدد سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع قد تراجع بنحو النصف بين عام 1990-2010، وهو ما يمثل خطوة إيجابية على طريق مكافحة الفقر المدقع، فإن مختصي "أوكسفام" لديهم قراءة أخرى.

الدكتور آندروا ميل أحد المشرفين على الدراسة التي أعدتها المؤسسة الخيرية يؤكد لـ "الاقتصادية"، أنه إذا كانت فجوة عدم المساوة لم تزد خلال الفترة محل البحث، فإن ما يقارب الـ 200 مليون شخص كان يمكن لهم الفرار من البراثن القاتلة للفقر المدقع، وكان هذا العدد يمكن أن يرتفع إلى 700 مليون نسمة إذا كان الفقراء قد استفادوا من النمو الاقتصادي أكثر من الأغنياء.

وحول آليات تأثير التباطؤ الاقتصادي على زيادة معدلات الفقر في العالم، يشير لـ "الاقتصادية"، بي سي ديكسون المختص الاقتصادي، إلى أن الآلية الأهم تعود إلى ما يمكن وصفه بتآكل الثروة، فنتيجة للأزمة الاقتصادية خسر النصف الأكثر فقرا في العالم نحو ترليون دولار منذ عام 2010 حتى الآن، في الوقت الذي زاد فيه عدد المنتمين إلى تلك الفئة بنحو 400 مليون شخص، وهذا يعني تآكلا مزدوجا في الوضع المالي نتيجة تراجع الثروة وتزايد عدد الفقراء في ذات الوقت.

وأضاف ديكسون أنه "تبعاً لذلك فإن ممتلكات الفقراء - إذا جاز التعبير - انخفضت بنحو 41 في المائة خلال خمس سنوات، في ذات الوقت زادت ثروات أغني 62 شخصا في العالم بنسبة 44 في المائة، وبلغة الأرقام زادت ثرواتهم خلال نصف عقد بنحو نصف ترليون دولار ليبلغ إجمالي ثرواتهم العام الماضي 1.7 ترليون دولار".

ويعتقد كثير من الاقتصاديين أن المشكلة تكمن في غياب مفهوم شامل لتحقيق العدالة الاجتماعية على المستوى العالمي، والمقاومة العنيفة التي تنتهجها الشركات متعددة الجنسيات بشأن التهرب الضريبي والسعي الدائم إلى التمتع بالإعفاءات الضريبية، سواء عبر وضع مقار شركاتهم في بلاد معروفة بكونها ملاذات آمنة، وهي مناطق جغرافية تكون الضرائب فيها شبه معدومة، أو العمل على التحايل على دفع الضرائب عبر استغلال الثغرات القانونية المتاحة.

ورغم الجهود التى يبذلها عديد من الحكومات على سد تلك الثغرات، وتقييد الاستفادة من الملاذات الآمنة وما تمنحه من امتيازات ضريبية، إلا أن الشكوك ما زالت تحيط بإمكانية تضييق فجوة غياب العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر بصورة جذرية على المستوى العالمي خلال العقد المقبل، وهو ما دفع بعض كبار رجال الأعمال والاقتصاديين خلال منتدى "دافوس" الأخير وأغلبهم من المؤمنين بالحرية الاقتصادية والمبادرة الفردية والملكية الخاصة والمدافعين عن النظام الرأسمالي، للدعوة إلى ضرورة إعادة النظر في النمط الراهن لتوزيع الثروة عالميا، وإلا فإن مخاطر ذلك على تحقيق معدلات نمو مرتفعة تسهم في إخراج النظام الاقتصادي العالمي من كبوته ستزداد حدة وتعقيدا خلال السنوات المقبلة.

اقرأ أيضاً: 

النقد الدولي: الاقتصاد العالمي يمشي على طريق وعرة

لاغارد تتوقع نمو الاقتصاد العالمي سيخيب الآمال في 2016

النقد الدولي: الاقتصاد العالمي يواجه تأثيرات سلبية بسبب الصين

ماهي أسباب قلق صندوق النقد الدولي على الاقتصاد العالمي؟