الإنترنت في العالم العربي : مساحة جديدة من القمع ؟

تاريخ النشر: 10 يونيو 2004 - 02:00 GMT
البوابة
البوابة

الإنترنت في العالم العربي 

نظرة عامة  

 

"نحن نكون عالم يسمح لأي شخص، في أي مكان التعبير عن آرائه، أي كان اختلافها، دون خوف من أن يجبر أحد علي الصمت أو التوافق علي ما هو سائد....." 

 

قد تصدق تلك المقولة التي نشرها موقع ودادة نت " wdada.net " ضمن إعلان استقلال الفضاء التخيلي" لـجون بيري بارلو، على الكثير من بلدان العالم ، ولكن المتتبع للظروف والاعتبارات التي تحكم استخدام الإنترنت في المنطقة العربية ، سوف يجد نفسه بحاجة لإعادة التفكير مرة بعد أخرى إن كانت تلك المقولة تصدق على مستخدمي الإنترنت في تلك البقعة من العالم أم لا ! 

 

فعلى الرغم من النمو النسبي السريع لعدد مستخدمي الإنترنت في المنطقة العربية ، حيث يكاد عددهم يصل إلى 14مليون مستخدم ، وكذلك وصول تلك الخدمة لجميع بلدان المنطقة ، إلا أن العديد من مستخدمي الإنترنت بالعالم العربي ،قد بدءوا يطرحون بعض الأسئلة الهامة من نوع : 

* هل تتمتع مراسلاتهم أو مشاركاتهم على الإنترنت بالحرية التي كانوا ينشدونها فعلا؟ 

*هل يتيح لهم الإنترنت فعليا ، مساحة من الحرية يفتقدونها بشكل واضح في حياتهم ، إزاء غياب الحريات الأساسية ضمن أغلب ربوع المنطقة؟ 

*أي قانون سيطبق عليهم في حال تجاوزهم الخطوط الحمراء التي تتحدد أساسا ضمن قواعد واعتبارات متغيرة باستمرار ، وغير واضحة ؟ 

 

يرى العديد من المهتمين بحرية الرأي والتعبير أن الإنترنت قد أتاح فرصا واسعة أمام كم هائل من المواطنين في مختلف بلدان العالم ، ومن ضمنها البلاد العربية في التعبير عن آرائها والإعلان عن أنفسهم ، ولا سيما المجموعات التي لم يكن متاحا لها بالسابق التعبير عن نفسها وطرح أفكارها وهمومها لأسباب قد تكون سياسية " جماعات المعارضة السياسية يسارية و إسلامية أو جماعات حقوق الإنسان" ، أو أسباب دينية "مثل الشيعة أو المسيحيين " أو لأسباب ثقافية ودينية مجتمعة " المثليين جنسيا " .  

 

وقد بدا واضحا أن تلك المجموعات قد استفادت فعليا من الإمكانيات الهائلة التي تتيحها شبكة الإنترنت لمستخدميها ، لاسيما المنتمين للرؤية الإسلامية ، سواء كانوا منظمين ضمن مجموعات أم لا . 

 

إلا أن تلك المجموعات وعلى اختلاف مرجعياتها قد أدركت سريعا، أن الحكومات قد دخلت بدورها حلبة الصراع وبدأت تبذل الجهد لتحكم حصارها على هذه الوسيلة الجديدة التي قد تسبب لهم بعض المشاكل نتيجة لتلك المساحة من الحرية البعيدة عن سيطرتها ، فلجأت إلى الأساليب العادية التي تسم أغلب الحكومات العربية عند تعاملها مع مسألة حرية الرأي والتعبير وهو المصادرة والرقابة ، فضلا عن استخدامها للوسائل الجديدة والمتعلقة بهذا الوافد الجديد مثل تحكمها في المنبع من خلال برامج الفلترة الإليكترونية ، كما تلجأ بعض الدول إلى احتكار تقديم الخدمة مثل السعودية و تونس حتى شهور قريبة.  

 

فضلا عن استخدام الحل الشائع و التقليدي ، وهو تلفيق القضايا والزج بمن يتجاوز الخطوط الحمراء -الغير معروفة أصلا- داخل السجون بدعاوى واهية مثل " الإساءة لسمعة الدولة ، السب والقذف ، أو لحماية الآداب والقيم العامة ... الخ". 

 

بل أن بعض الحكومات العربية قد اختصرت الطريق تماما بحرمان شعوبها أصلا من الاتصال بالإنترنت مثل حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، الذي برر منعه لاستعمال شبكة الإنترنت وحتى عام 2000 بزعمه أن شبكة الإنترنت " وسيلة دعاية أمريكية". يأتي هذا رغم حداثة الاتصال بالإنترنت في المنطقة العربية كلها حيث لا يزيد عمر أول دولة عربية اتصلت بالإنترنت عن ثلاثة عشر عاما ، حيث كانت تونس أول دولة تتصل بالإنترنت في عام 1991، و إن كانت قد أتيحت فعليا للمواطنين بدءا النصف الثاني من التسعينات في تونس وباقي البلدان العربية باستثناء السعودية التي أتاحت تلك الخدمة عام 1999 والعراق 2000. 

 

ويبدو أن العديد من الحكومات العربية قد فاتها في بداية استخدام الإنترنت أنه يمنح مساحة واسعة لكل مستخدميه ، سواء كانوا مؤيدين لها أم لا ، فراحت تطلق التصريحات الرنانة وتشجع الجهات الحكومية على استخدامه فضلا عن بعض الإعفاءات الجمركية على مستلزمات الكمبيوتر تشجيعا لمواطنيها على اقتنائه واستخدامه . 

 

إلا أن تلك السياسات التشجيعية سرعان ما بدأت تتراجع نظرا لأن شبكة الإنترنت ، تمنح كل إمكانياتها لكل مستخدميها ، دون أن تفرق بين حكومي ومعارض ، ضابط أو ناشط حقوقي ، ديني أو لاديني ، أسود أو ابيض ، رجل أو امرأة .. الخ. 

 

لتبدأ مرحلة أخري يمكننا أن نطلق عليها "لعبة القط والفأر " ، بين أغلب الحكومات العربية ومستخدمي الإنترنت ، ممن يسعون لكسر المنظومة القيمية السائدة ، دينيا أو سياسيا أو ثقافيا ، أو بمعنى أخر من يسيرون في عكس اتجاه تلك الحكومات . 

 

الإنترنت ، مرتديا عباءة دينية 

حتى سنوات قليلة مضت ، كان المتصفح لمواقع الإنترنت باللغة العربية ، يلحظ وبسهولة أن نسبة مرتفعة من المواقع العربية على الإنترنت هي مواقع إما تتحدث عن الإسلام من وجهة نظر مسئوليها ، أو تدعو الآخرين للإسلام عبر نشر خطب ومقالات وفتاوى عن شيوخ ونشطاء إسلاميين ينتمي أغلبهم إلى منطقة الخليج العربي ، وقد يرجع هذا بالأساس إلى المستوى المعيشي المرتفع لمواطني هذا الجزء من العالم العربي ، الذي أتاح لهم فرصة التقدم التقني وسهولة التعامل مع تلك الثورة الرقمية .  

 

إلا أن تلك المواقع التي تتبنى التوجه الإسلامي وتدعو له ، كانت بدورها شبه قاصرة على رؤية واحدة أو فصيل بعينه ، وهو التيار السني المتشدد ، الذي انتشر في منطقة الخليج العربي وامتد ليطال العديد من البلدان العربية الأخرى ، بل وبعض البلدان الإسلامية غير العربية مثل أفغانستان وباكستان والكثير من الجاليات العربية بأوربا وأمريكا الشمالية . 

 

ولذلك لم يكن الكثير ممن يطلع على إحصائيات حول المحتوى العربي على الإنترنت ، ليقف كثيرا حول نسبة تلك المواقع بالنسبة للمواقع ذات المحتوى المختلف ، والتي وصل تقدير البعض لها إلى 65% من المواقع العربية (1) ، رغم عدم علمية تلك التقديرات من وجهة نظرنا والمبالغ فيها بدرجة ، ولكنها على كل حال تعتبر مؤشر على الوجود النسبي الهائل لتك المواقع ، بالنسبة للمواقع العربية عموما. 

 

ويلاحظ أن الكثير من هذه المواقع قد نجت من الحجب والفلترة التي تلجأ لها العديد من الدول العربية ، رغم ما تحمله الكثير من تلك المواقع من دعاوى الكراهية ليس فقط لكل من هو أو ما هو غير إسلامي ، بل لفرق وجماعات إسلامية أخرى وهو أمر يعبر عن رضا تلك الدول عن مضمون تلك المواقع ، اكثر منه إيمانا من تلك الدول بحرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات . 

 

وعلى الرغم من تراجع تلك الظاهرة بعض الشيء نظرا للتوسع الذي شاب كلا من عدد مستخدمي الإنترنت وكذلك عدد المواقع العربية على الشبكة ، إلا أنها لم تختفي تماما ، وإن تحول البعض منها لاستخدام لغة اقل حدة في مواجهة الآخر ، وتحول البعض الآخر والأكثر تشددا ، إلى الحرص واستخدام أكثر من اسم ومستضيف ، لاسيما بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر . وبدء ملاحقة الكثير من تلك المواقع المتشددة سواء من الولايات المتحدة أو الحكومات العربية. 

 

ويمكنا أن نلحظ تخفيف حدة التشدد تلك ، في مواقع عرفت بغلوها وتعصبها مثل موقع " الساحة العربية ، سوالف ، بوابة الإسلام ، اسلاموي ، إسلامنا ، شبكة سحاب ، أنا مسلم ، أنصار الإسلام .. وغيرها " . 

 

 

سلاح جيد بيد المعارضة العربية 

مثل الإنترنت فرصة جيدة أمام أحزاب وجماعات المعارضة العربية، حيث سمح للعديد منها بزيادة التواصل مع مؤيديها ، فضلا عن كسب تعاطف وتأييد المزيد من المواطنين ، نظرا لسيطرة الحكومات العربية على وسائل الإعلام التقليدية بشكل محكم ، كان يصعب معه أن تخرج مقالة أو خبر أو تعليق يتضمن نقدا لسياسات تلك الحكومات ، حتى وإن تم ذلك ، ففي السجون العربية متسعا للمزيد من الصحفيين وأصحاب الرأي .  

 

وكان من الملاحظ أنه مع زيادة القمع الذي تمارسه دولة ما ضد معارضيها ، كانت أعداد المواقع المعارضة لها تزيد بدورها ، خاصة وأن العديد من تلك المجموعات المعارضة و قد ضاقت بها أوطانها نظرا للقمع الشديد الذي تواجه به ، قد لجأت للمنفى وراحت توظف كل الإمكانيات المتاحة لها بالبلدان التي لجأت إليها في محاولة حشد مؤيديها وفضح ممارسات تلك الحكومات وكان الإنترنت وسيلة هامة ضمن وسائلها. 

 

وقد رصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ، العشرات من المواقع التي تنطق بلسان تلك المجموعات المعارضة ، كان على رأسها المجموعات اليسارية و الإسلامية المعارضة للحكومة العراقية قبل الاحتلال الأمريكي ، التي كانت تبث مواقعها من دول عديدة مثل السويد وإنجلترا و ألمانيا والدنمارك ، وكذلك المواقع العديدة التابعة لجماعات وقوى المعارضة الليبية والسعودية . وتلك الدول الثلاثة تحديدا وبسبب تأخرها في إدخال خدمة الإنترنت ، كان لجماعات المعارضة السبق في استخدام إمكانيات الإنترنت وانشأ مواقع لها تنطق بلسانها ، وتفضح ما تراه من ممارسات تلك الحكومات وتكسب من خلال قدراتها على تجاوز الموانع الحكومية زوارا و أنصارا جدد . وتكرر هذا الأمر مع اختلافات نسبية بالعديد من الحكومات العربية ، مثل تونس وسوريا والسودان والبحرين ، بل أن دولا تعرف بانفتاحها النسبي مثل مصر ، لم تسلم من مجموعات قامت من الخارج بإنشأ مواقع لها لتندد بما تزعمه من اضطهاد وتمييز مثل مواقع أقباط المهجر أو المواقع التي نشأت حديثا وبدأت تعمل لمحاولة خلق رأي عام ضد قضية توريث الحكم في مصر(2) . 

 

ورغم أن تلك المواقع وكما ذكرنا ، لا يزيد ما توصلت إليه الشبكة عن بضع عشرات ، إلا أنها ذات ترتيب متقدم بالنسبة للمواقع العالمية ، نظرا للكم الكبير من الزوار الذي يقبلون عليها بدرجة كبيرة ، فضلا عن استخدام تلك المواقع المعارضة للقوائم البريدية التي تحمل للمشاركين بها جديد تلك المواقع ، أو طرق تجاوز المنع والحجب بالدولة المحددة. 

 

مما يجعل هذه المواقع ، الهدف الأول للحجب بالدول العربية ، فاضحة لأكذوبة قيام تلك الدول بحجب المواقع "المنافية للآداب العامة والقيم الدينية" . 

 

المثليون العرب ، إعلان عن الوجود  

لعل الفئات الاجتماعية الوحيدة التي لم تكن - وحتى ظهور الإنترنت - تستطيع الإعلان عن هويتها بالعالم العربي ، هم المثليين جنسيا . 

 

فقد تواجهك بعض المشكلات الأمنية أو الثقافية أو الدينية حينما تعلن أنك يساري أو إسلامي أو شيعي أو ناصري ، وذلك حسب الدولة التي تعلن ذلك بها وحسب الوسط الاجتماعي الذي تنتمي له. أما أن تعلن أنك مثلي الجنس ، فهذا الإعلان قد يضعك أمام تلك المشاكل مجتمعة ، وفي الغالب سوف تكون له نتائج سيئة عليك . 

ولكنهم موجودون ، وقد أتاح لهم الإنترنت فرصة الإعلان عن هذا الوجود ، من خلال العديد من المواقع التي تعلن عنهم وعن أفكارهم وهمومهم ، بل وزيادة التعارف بينهم .  

 

ولعل موقع " جمعية المثليين والمثليات العرب - glas.org" هو الموقع الأقدم والأشهر إلى وقت قريب ، ثم تلاه العديد من المواقع الناطقة باسم مثليي الميول الجنسية العرب ، وكذلك المواقع الأجنبية التي تفرد للمثليين العرب أقساما بها. 

 

وقد بدأت تلك المواقع المعبرة عن المثليين تزداد ، لاسيما بعد الحملات الأمنية ضدهم وا ازدياد أعداد مستخدمي الإنترنت في المنطقة ، وبدأت تظهر مواقع تعبر عن مجموعات أكثر تحديدا ، مثل موقع مثليي مصر ، والمثليين العرب ، ومثليي لبنان والفاتحة ، حتى المملكة السعودية ، والمعروفة بتحفظها الشديد ، قام مثلييها بإنشاء موقع لهم تحت اسم "المثلي السعودي " الذي قام المسئولين عليه بعد التعريف بأنفسهم ، بتقديم بعض النصائح لزواره لحمايتهم من الملاحقة وقد جاء ضمنها : 

 

1- لا تستعمل اسمك الحقيقي.  

2- استعمل بريد إلكتروني خاصاً وسرياًَ.  

3- إذا أراد شخص أن يقابلك ، فهذا ليس رائعا كما قد تظن.  

4- لا تعطِ عنوانك لأي شخص .  

5- لا تعطِ رقم الهاتف لأي شخص (3). 

 

وعلى الرغم من حجب العديد من تلك المواقع ومنعها بأغلب البلدان العربية ، فمازالت تلاقي روجا هي الأخرى ، حيث أصبحت أخبار القمع الذي تواجه به مجموعة ما ، مثل الحملة الأمنية الموجهة ضد المثليين المصريين ، عاملا جاذبا لمزيد من الزوار للتعرف على أخر أخبار تلك الحملة .