الأسعار والمواطن.. والمعادلة الصعبة في الأردن

تاريخ النشر: 18 يونيو 2012 - 10:06 GMT
هل يستطيع المواطن أن يتعامل مع الأسعار، ويحافظ على كرامته و صبره؟ و هل تستطيع الدولة التعامل مع المواطن والوطن وتضع الحلولا؟ هذه هي المعادلة الصعبة! فهل من حل لها؟!!
هل يستطيع المواطن أن يتعامل مع الأسعار، ويحافظ على كرامته و صبره؟ و هل تستطيع الدولة التعامل مع المواطن والوطن وتضع الحلولا؟ هذه هي المعادلة الصعبة! فهل من حل لها؟!!

تنشغل الحكومات والأحزاب والقوى السياسية والمفكرون بالمسائل الكبرى التي تأخذ كل الوقت وكل الاهتمام. ولكن ما هي المسائل الكبرى؟ هل هي فقط قانون الانتخاب؟ أم مشاركة الأحزاب ؟ هل هي الحكومة البرلمانية ؟ أم المحكمة الدستورية ؟ أم مكافحة الفساد ؟ أم التعليم والصحة؟ وغيرها الكثير.. ولكن في نهاية الأمر، فإن الأكبر من كل ذلك والأهم هو الحياة اليومية للمواطن، ومدى قدرته على مواجهة متطلباتها، ابتداءً من الغذاء والماء والدواء والكساء، ومروراً بالمسكن والتعليم، وانتهاءً بالأمن والسلامة والمشاركة والأمل بالمستقبل.

ولعل ما فجر الثورات في الربيع العربي، إضافة إلى السياسة، هما عنصران رئيسيان أولهما : الخبز بالمفهوم الواسع، وثانيهما : الكرامة الإنسانية. وهذه العناصر والتي يقوم عليها السلم والاستقرار المجتمعي، تعتبر في الأنظمة الشمولية الاستبدادية شيئاً غير ذي قيمة. وغالباً ما يتم انتهاكها وإهمالها إلى الدرجة التي يصبح الناس يقتتلون للحصول على الخبز أو الدواء أو حتى الغاز . ويخرجون على القانون لينالوا حظهم من الماء أو العمل . وبالمقابل تغيب حرياتهم و تمتهن إنسانيتهم وراء قضبان التخلف والفساد، والحكم الفردي والتبعثر المجتمعي.

و السؤال هنا: هل الحياة اليومية للمواطن لها أهمية لأن تبحث في مجلس الوزراء مثلاً أو مجلس النواب ؟ أو اللجنة المركزية لحزب من الأحزاب؟ ؟ هل يمكن لمجلس الوزراء أن يبحث، بالتعاون مع الخبراء، كيف يستطيع المواطن المتوسط الحال، والمواطن المتدني الدخل( وهؤلاء قد يشكلون أكثر من 85% من المواطنين) أن يرتب أموره المعيشية في حدها المتواضع الكريم حين تصبح أسعار مختف المستلزمات ، و بشكل خاص المواد الغذائية ،على ما هي عليه الآن ؟ هل يستطيع الموظف والمتقاعد الذي يتقاضى (250) دينار أو(350) دينار شهرياً ولديه عائلة من ( 5 ) أفراد أن يتعامل مع هذه الأسعار؟ مضافاً إليها نفقات التعليم والنقل والصحة والطاقة والملابس وغيرها ؟ هذا سؤال لا ينبغي الاستخفاف به حتى في مجلس الوزراء الموقر، حين يصبح إنفلات الأسعار حالة دائمة، تتفاقم سنة بعد سنة، ويئن تحت وطأتها ملايين الناس. لا أحد يقول أن الحكومة لديها عصا سحرية إزاء الأسعار، وليست هي سبب الغلاء، ولكنها في نفس الوقت قادرة على التصرف وينبغي أن تتصرف وتعمل. هل هناك جهة مرجعية موثوقة يمكن أن تفسر للمواطن هذا الارتفاع غير المبرر في الأسعار ؟ هل هو جشع التجار كما يقال ؟ أم هوامش الربح الفاحش ؟ أم هو ارتفاع كلفة الإنتاج؟ على المستوى الدولي أو المحلي ؟ أم هو التضخم ؟أم هو تضاءل الإنتاج السلعي للاقتصاد الأردني والتوسع في الاستيراد إلى درجة خطرة ؟ أم هي المنافسة الخارجية التي تجلب لنا الثوم من الصين والبصل من الهند والليمون من جنوب أفريقيا والعدس والجميد من تركيا ؟ والملابس من كوريا والأحذية من اندونيسيا والأعلاف من البرازيل وعصير البندورة من ايطاليا، والدجاج من الأرجنتين وفرنسا، والأسماك المجمدة من استراليا ؟ هل هو انزلاق اقتصادنا الوطني نحو الاقتصاد التجاري بدلاً من الاقتصاد الإنتاجي؟ و الدولة لا يعنيها أللأمر؟،وعلى المستهلك رغما عنه أن يتحمل كافة الارتفاعات في الأسعار التي تقع في أي بقعة في العالم ؟ في أوروبا والولايات المتحدة تصل كلفة الغذاء إلى ما يعادل 10% إلى 15% من دخل الفرد، وفي بلادنا ارتفعت لتتعدى حاجز إل (60%)... فماذا تبقى للنفقات الأخرى؟ وتدل أرقام المنظمة العالمية للزراعة إل(فاو) على أن مؤشر الغذاء قد ارتفع على مستوى العالم من( 90) نقطة عام 2000 إلى( 228 ) نقطة مع نهاية عام 2011. أي إن كلفة الغذاء قد تضاعفت مرتين ونصف . ولأننا بلد يعتمد للأسف على الاستيراد المفرط، وينفق أكثر من إمكاناته، كما وقعت في ذلك اليونان، فكيف يتدبر المواطن شؤون حياته ؟ إذا كان دخله لا يتحرك بأكثر من (5%) سنوياً.

أما أسعار الأساسيات مثل السكر فقد تضاعفت خلال السنوات العشر الماضية (3) مرات والزيوت (4) مرات والحبوب (3) مرات والألبان (2.5) مرة. والمؤشرات هي في صعود. إن الدعم المباشر الذي تقدمه الحكومة للسلع الغذائية، ولو بلغ عدة مئات من ملايين الدنانير، سيبقى إشكاليا و محدوداً ولا يفتح الطريق للخروج من الأزمة،لأن الطلب على الغذاء في تزايد مستمر . والمطلوب من الحكومة، وبمعاونة المؤسسات المتخصصة والخبراء والقوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني البحث في موضوع الأسعار وموضوع الإنتاج والتصنيع في آن واحد للخروج بحلول جديدة تساعد المواطن على اجتياز هذه المرحلة. وربما وفي الإطار التالي:

أولاً: أن تكنون هناك وحدة في كل وزارة تدرس الأسعار المتعلقة بنشاطاتها وتصدر تقارير و مؤشرات دورية بذلك .

ثانياً : أن تتم دراسة العوامل والآليات التي يمكن أن تخفض من الأسعار بالنسبة للمستهلك دون الإضرار بالمنتج الوطني .

ثالثا: توجيه الاستثمارات نحو المشاريع الإنتاجية وتعزيز الإنتاج المحلي باعتبار ذلك هو الضمانة لاستقرار الأسعار، وبشكل خاص المنتجات ذات القيمة المضافة العالية ،والمنتجات الغذائية.

رابعاً : تنفيذ البرامج التي تساعد على تحسين دخول الأفراد من خلال المشاريع الجديدة والفرص الإضافية وخاصة في المحافظات وتعزيز الإنتاجية .

خامساً : التوسع في إنشاء الجمعيات والشراكات والتعاونيات والمساهمات على أسس حديثة. والتوجه الجاد نحو الاقتصاد الاجتماعي .

سادساً : التوجه نحو تصنيع الاقتصاد بشكل عام. إذ لا فرصة لتحسين الدخول على المستوى العريض للمجتمع في ظل الاقتصاد التجاري، حيث يمكن لتاجر واحد أن يستورد بما قيمته عشرات أو مئات الملايين من الدنانير يتطلب تصنيعها أللآلاف من الأيدي العاملة.

سابعا: تصنيع وتحديث الزراعة بشكل خاص ابتداء من مدخلات الإنتاج وانتهاء بالمنتجات النهائية وإعادة الاعتبار لقطاع الزراعة على أسس علمية وتكنولوجية. إذ انه ليس هناك من سبيل لزيادة الإنتاج من الغذاء بنسب جيدة ومضطردة، إلا من خلال تصنيع الزراعة .

ثامنا: التوسع في شبكات الأمان الاجتماعي، وتطويرها ورفع كفاءتها وإنتاجيتها وانتشارها، لتشمل التعليم والصحة وتأمين البطالة وغيرها بدلاً من الدعم المباشر للسلع.

إن التوجهات المستقبلية لأسعار المواد الغذائية بشكل خاص، والأسعار بشكل عام هي في طريق الارتفاع . وفي اقتصاد تجاري يعتمد أساسا على الاستيراد بدل الإنتاج والتصدير، فإن الأسعار سوف تتفاقم بسرعة سنة بعد سنة. و السؤال: في غياب الجدية الكاملة المسئولة في معالجة الموضوع، هل يستطيع المواطن أن يتعامل مع الأسعار، ويحافظ على كرامته و صبره؟ و هل تستطيع الدولة التعامل مع المواطن والوطن وتضع حلولا لهذه المعادلة الصعبة؟ قبل أن تتفاقم الأمور. متى ؟ وكيف ؟ تلك هي المسألة.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن