يسود التفاؤل الأسواق النفطية مع بدء سريان تخفيضات الإنتاج بعد تعميقها والتي ينفذها تحالف "أوبك+"، وتقضي بخصم 1.7 مليون برميل يوميا من معروض النفط العالمي، بعد ما تم التوافق على إضافة 500 ألف برميل يوميا خلال اجتماع وزراء "أوبك" في فيينا أوائل الشهر الماضي.
وترتفع تخفيضات الإنتاج إلى 2.1 مليون برميل يوميا بعد إضافة 400 ألف برميل كتخفيضات طوعية من جانب السعودية، للمساعدة في علاج وفرة المعروض بالأسواق، وتستمر الاتفاقية على مدار الربع الأول من العام الجاري، فيما من المقرر أن يجتمع المنتجون يومي 5 و6 آذار (مارس) المقبل لتدارس نتائج الاتفاق وقياس مدى التزام المنتجين بحصص خفض الإنتاج والتوافق على السياسات الإنتاجية خلال الأشهر التالية من العام الجاري.
وحقق النفط في 2019 أكبر زيادة سنوية في ثلاثة أعوام بفعل عدة عوامل أبرزها هدوء وتيرة النزاعات التجارية والتفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وربح خام برنت 23 في المائة، والخام الأمريكي 34 في المائة على أساس سنوي.
وفي هذا الإطار، أوضح لـ"الاقتصادية"، سيفين شيميل، مدير شركة "في جي إندستري" الألمانية، أن الاتجاه الصعودي للأسعار كان السمة المهيمنة على النفط في ختام تعاملات العام المنصرم، ليبدأ السوق عقدا جديدا في حالة من التفاؤل الواسع بالنمو الاقتصادي وتفادي الركود والتباطؤ العالمي بفعل الخطوات الناجزة والمهمة، التي سجلت في مسار احتواء النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي بثت كثيرا من المخاوف السابقة خلال النصف الأول من العام الماضي.
وأضاف شيميل، أن تخفيضات "أوبك+" تلعب دورا محوريا في بث أجواء الثقة بالاقتصاد العالمي، وارتفاع سقف الآمال في الحفاظ على استقرار وتوازن السوق بمعالجة وفرة المعروض على نحو جيد ومؤثر، وبخاصة خلال الربع الأول، الذي يشهد وفرة في الإمدادات بالتزامن مع ضعف موسمي للطلب بسبب صيانة المصافي الأمريكية، ما يعزز توجه المنتجين التقليديين نحو إجراء تخفيضات إنتاجية أعمق.
من جانبها، تقول لـ"الاقتصادية"، الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة، إن صعود الأسعار في ختام العام الماضي مؤشر جيد على تحسن معنويات السوق وتراجع المخاوف من الركود، ومن تأثير ارتفاع المخاطر الجيوسياسية، لافتة إلى إنهاء الأسعار العام بمستوى يقارب 70 دولارا للبرميل لخام برنت، وهو تطور إيجابي في السوق ويدعم حالة التفاؤل الراهنة الناجمة عن تزايد العوامل الإيجابية الداعمة لصعود الأسعار.
وأشارت ناجندا إلى أن الحالة الإيجابية الحالية ستستمر على الأرجح على مدار الربع الأول من العام– على أقل تقدير– وبعدها ستتوجه أنظار السوق بقوة في آذار (مارس) المقبل لمعرفة الخطوة التالية، التي سيقدم عليها المنتجون في "أوبك+"، وما إذا كان سيتم الاستمرار في العمل بخطة خفض الإنتاج نفسها بشكلها الحالي، أم سيتم إجراء تعديل جديد على مستويات الإنتاج، وذلك طبقا لتطورات وتفاعلات السوق في تلك الفترة وبخاصة فيما يتعلق بالمخزونات ومستوى الإمدادات الأمريكية بشكل خاص ومن خارج تحالف "أوبك+" بشكل عام.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، أندرو موريس، مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات، إن المخاطر الجيوسياسية خاصة في دول الإنتاج الكبرى تلقى بظلال قوية على السوق، خاصة التطورات الأخيرة في العراق، ثاني أكبر منتج في "أوبك"، في ظل تصاعد التوترات والاحتجاجات، واحتمال تأثيرها في إمدادات الطاقة.
ونوه موريس، إلى أن منطقة الشرق الأوسط، ما زالت تواجه عديدا من الصراعات المؤثرة في ليبيا وإيران، إضافة إلى تدخلات دولية متشابكة، ما يتطلب مزيدا من الإجراءات الهادفة إلى امتصاص تداعيات هذه الصراعات الخطيرة.
بدورها، توضح لـ"الاقتصادية"، مواهي كواسي مدير شركة "أجركرافت" الدولية، أن استثمارات الوقود الأحفوري ستواجه كثيرا من التحديات في العام الجديد والأعوام التالية، خاصة مع تسارع الخطى في انتقال العالم إلى مصادر الطاقة المتجددة، وبخاصة بعد توقع بنك إنجلترا بأن نحو 80 في المائة من أصول الفحم ستفقد قيمتها.
وذكرت مواهي أن الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري يتجه للانكماش بالفعل في العام الجديد بسبب تعثر التمويل وخوف الاستثمارات الجديدة من ضغوط المجتمع الدولي بشأن مكافحة تغير المناخ، مضيفة أن أنشطة الحفر بدأت تتقلص بالفعل، وتفاقمت المشكلة بسبب النضوب السريع لحقول النفط الصخري، مقارنة بالحقول التقليدية، إذ تشير البيانات إلى أن الآبار التي تم حفرها قبل أعوام انخفضت بشكل أسرع من المتوقع.
وعلى صعيد التداولات، تراجعت أسعار النفط 1 في المائة، في آخر جلسات العقد، لكنها حققت أكبر زيادة سنوية في ثلاثة أعوام، مدعومة بانفراجة في حرب التجارة الأمريكية الصينية، التي طال أمدها وتخفيضات المعروض التي يطبقها كبار منتجي الخام.
ولا يتوقع المحللون تحركات حادة لأسعار النفط في أي من الاتجاهين العام الحالي، ومن المتوقع أن يحوم برنت حول 63 دولارا للبرميل، حسبما أظهره استطلاع أجرته "رويترز"، بانخفاض متواضع عن مستوياته الحالية، حيث ستعوض تخفيضات إنتاج "أوبك" إثر تراجع الطلب.
وعلى مدار العام المنقضي، وازنت زيادة إنتاج النفط الأمريكي إثر تخفيضات معروض "أوبك" بقيادة السعودية وإثر العقوبات الأمريكية على فنزويلا وإيران، ويظل ضعف الطلب، بما في ذلك من الدول المتقدمة، مبعث قلق رئيسا مع دخول 2020.
وقال بنجامين لو، المحلل في "فيليب فيوتشرز"، إن "أسعار النفط، رغم التوقعات الواسعة بأن ترتفع، ستواجه رياحا معاكسة من خفوت زخم النمو العالمي ومستويات إنتاج النفط الصخري الأمريكي القوية في الربع الأول من 2020".
وبحسب "رويترز"، تراجع خام برنت 67 سنتا بما يعادل 1 في المائة ليتحدد سعر التسوية عند 66 دولارا للبرميل، ونزل الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط 62 سنتا أو 1 في المائة، ليغلق على 61.06 دولار للبرميل، وكانت أحجام التداول هزيلة في ظل غياب متعاملين كثيرين بسبب عطلات نهاية العام.