على مدى أكثر من سبعة عقود شهدت علاقة السعودية والهند تميزا في جميع المجالات، ويأتي من أهمها الشأن الاقتصادي.
وبدأت ملامح هذه العلاقة ترتسم بدءا من عام 1947، وذلك على المستوى القنصلي حينما عين قنصل عام للمملكة في مومباي، وفي عام 1955 ارتفع مستوى التمثيل إلى مستوى سفارة، وتبعها زيارة مهمة في العام ذاته للملك سعود بن عبدالعزيز، ما عزز العلاقات بين البلدين الصديقين.
وتعد المملكة والهند دولتين مهمتين في استقرار الاقتصاد العالمي، وكذلك في أمن واستقرار المنطقة، وتتميزان بعلاقة فريدة أسهمت في تشكيلها روابط اقتصادية واجتماعية وثقافية تاريخية، واتصالات مكثفة بين الشعبين، وتجارة قوية يعود تاريخها إلى عدة قرون، والعلاقة بينهما تتطور بشكل يناسب مكانتيهما كعضوين فاعلين في مجموعة العشرين.
والمملكة هي رابع أكبر شريك تجاري للهند بعد الصين والولايات المتحدة والإمارات، ومصدر رئيس للطاقة، حيث تستورد الهند نحو 19 في المائة من الزيت الخام من المملكة، وهو ما يجعل توطيد العلاقات الثنائية أمرا استراتيجيا للبلدين.
وشهدت العلاقات السعودية- الهندية تميزا كبيرا انعكس إيجابيا على تعزيز التعاون بين البلدين، واتسمت بالتماشي مع التطور الذي يشهده العالم من حيث تنفيذ بنود الاتفاقيات التي تقوم عليها العلاقات أو تطويرها لتتواءم مع متغيرات العصر.
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قد زار الهند حينما كان أميرا لمنطقة الرياض في أبريل 2010 تلبية لدعوة نائب رئيس الهند، التقى خلالها برجال الأعمال والصناعة في الهند، ونال شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الملية الإسلامية في حفل خاص بمقر الجامعة في دلهي.
وفي فبراير 2014 زار الملك سلمان بن عبدالعزيز الهند حينما كان وليا للعهد، تلبية لدعوة من نائب رئيس الهند محمد حامد أنصاري، التقى خلالها رئيس الهند براناب موكرجي، وعقد محادثات مع نائب رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء الدكتور مانموهان سينج.
وعلى هامش قمة قادة مجموعة العشرين في سبتمبر 2016 في مدينة هانجو الصينية، التقى الأمير محمد بن سلمان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، لبحث فرص التعاون الثنائي، وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات.
وفي نوفمبر 2018 التقى الأمير محمد بن سلمان في مقر إقامته بالعاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، على هامش قمة العشرين في الأرجنتين.
وتم خلال اللقاء استعراض آفاق التعاون الثنائي بين البلدين الصديقين في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاستثمارية والزراعية والطاقة والثقافة والتقنية.
وفي المجال الاستثماري، نوقشت فرص الاستثمار في مجال البنية التحتية من خلال صندوق الاستثمارات العامة، وكذلك فرص الاستثمار في المجال الزراعي، بهدف إحلال الواردات الهندية الزراعية محل الواردات الزراعية من دول أخرى في المملكة.
وفي مجال الطاقة، تم بحث استعداد المملكة لإمداد الهند بكل ما تحتاج إليه من النفط والمنتجات البترولية، وكذلك استثمار شركة أرامكو السعودية في قطاع تكرير النفط في الهند، خاصة المصفاة العملاقة في الساحل الغربي للهند وفي مجال تخزين النفط. كما اتفق على الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية من خلال صندوق (رؤية سوفت بانك) عبر الشركات السعودية التي ستقوم بتنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية.
وفي المجال العسكري، بحثت استراتيجيات توطين الصناعات العسكرية والتعاون في مجال الصناعات العسكرية بين البلدين.
كما تم خلال اللقاء استعراض ما أنجز خلال العامين الماضيين في مسار العلاقات الثنائية، كما استعرضت الفرص المتاحة لتصدير المنتجات السعودية غير النفطية إلى الهند، وسبل تنمية التجارة البينية بين البلدين بترتيبات مستدامة وبالذات في السلع الاستراتيجية مثل الأسمدة السعودية، وتشجيع الاستثمارات المتبادلة في القطاع الصناعي.
وقدم رئيس الوزراء الهندي دعوة للمملكة للانضمام لمبادرة "الاتحاد الدولي للطاقة الشمسية"، وأعلن ولي العهد عن قبول المملكة لهذه الدعوة.
وشهدت العلاقة عديدا من الزيارات المتبادلة لقادة البلدين الصديقين التي أسهمت في تعزيز العلاقات بينهما، والتوقيع على عديد من الاتفاقيات الثنائية في عديد من المجالات، السياسية والتعليمية والاقتصادية والاستثمارية وغيرها من المجالات.
وفي أبريل 2016 استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في قصر اليمامة، ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند في زيارة قام بها للمملكة، وهي الزيارة الرابعة لرئيس وزراء من الهند منذ زيارة رئيس الوزراء جواهر لال نهرو عام 1956.
وشهدت هذه الزيارة التوقيع على اتفاقية تعاون وبرنامجي تعاون وبرنامج تنفيذي ومشروع مذكرة تفاهم بين حكومتي المملكة والهند، وتوقيع برنامج تعاون لترويج الاستثمارات بين الهيئة العامة للاستثمار في المملكة وهيئة الاستثمار الهندية وعدة اتفاقيات أخرى في مجالات مختلفة.
وصدر بيان مشترك أكد فيه القائدان أهمية مواصلة توطيد العلاقات الاستراتيجية الثنائية في إطار مسؤوليتهما تجاه تعزيز السلام والاستقرار والأمن في المنطقة وبالعالم، وذلك في مجالات الأمن والدفاع والتعاون لخدمة المصالح المشتركة لكلا البلدين وشعبيهما.
وأكد الجانبان أهمية التعزيز المستمر للتعاون العلمي والتقني في عدة مجالات منها مجال الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية، وتكنولوجيا تقنية المعلومات والاتصالات، وأمن المعلومات، وتكنولوجيا الفضاء والتطوير المستدام، وزراعة الأراضي القاحلة، وعلم البيئة الصحراوية والتنمية الحضارية والرعاية الصحية والتكنولوجيا الحيوية.
كما استقبل خادم الحرمين الشريفين في فبراير 2018، سوشما سواراج وزيرة خارجية الهند أثناء زيارتها للمملكة لحضور افتتاح "مهرجان الجنادرية 32" التي حلت فيه الهند ضيفا.
وتعد العلاقة التجارية بين الهند والمملكة من بين العلاقات الثنائية الأكثر استراتيجية لكلا الدولتين، وتتمتع المملكة -لكونها المزود الأول للنفط بالنسبة للهند- بموقع يتيح لها الاستفادة من طفرة الطلب على الطاقة كثالث أكبر اقتصاد آسيوي، حيث تعتمد الهند في جزء كبير من وارداتها البترولية على إنتاج المملكة، حيث تحصل على أكثر من 20 % من احتياجاتها البترولية من المملكة، فضلا عن قيمة التجارة الثنائية التي تصل إلى نحو 150 مليار ريال وتغطي مجموعة واسعة من القطاعات.
وتشكل الجالية الهندية في المملكة أكبر الجاليات الأجنبية بنحو 3.6 مليون مقيم، تتوزع أعمالها في قطاعات تكنولوجيا المعلومات، والبناء.
وتشهد العلاقات الهندية- السعودية الاقتصادية الثنائية ارتفاعا ملحوظا خاصة مع خصخصة وتنويع الاقتصاد السعودي حاليا، حيث تقدم المملكة فرصا عديدة للشركات والمستثمرين الهنود، نظرا للخبرة التي يمتلكونها، ولا سيما في المجالات الرئيسة مثل البناء، وتكنولوجيا المعلومات، والصلب والألمنيوم، والصناعات.
ويبلغ عدد الشركات الهندية العاملة في المملكة أكثر 400 شركة، وهناك رغبة متزايدة لدخول عديد من الشركات والمستثمرين من الجانب الهندي إلى السوق السعودية في حين يبلغ عدد الشركات السعودية في الهند نحو 40 شركة.
وتبلغ قيمة الصادرات الغذائية الهندية إلى السوق السعودية من الأرز البسمتي وغير البسمتي ولحوم الأبقار والفواكه الطازجة والمعالجة ولحوم الأغنام أكثر من مليار دولار سنويا.
ويعد مجلس الأعمال السعودي- الهندي المشترك مساهما في عقد اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني بين حكومتي البلدين التي وقعت في 1981، وله دور فاعل في دفع وتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين وتعزيز التفاعل والتعاون المستمر بين قطاعي الأعمال بما في ذلك الزيارات المتبادلة والمنتظمة للوفود التجارية وغيرها من الفعاليات التي قام بتنظيمها، حيث بلغت 19 فعالية ما بين عامي 2009 و2016، خاصة أن الهند تعكف على المشاركة في الدور الاستثماري لتحقيق برامج "رؤية المملكة 2030" في ظل وجود فرص كبيرة للشركات الهندية للعمل في المملكة خاصة في مشاريع الطاقة الكهربائية من توليد ونقل وتوزيع وبناء شبكات ذكية، مع تنامي الطلب على الطاقة الكهربائية في المملكة بشكل مستمر، وأمام الشركات الهندية فرص واعدة للاستثمار في قطاع الكهرباء السعودية سواء في مرافقه أو بنيته التحتية، إضافة إلى أن الفرص كبيرة أمام المستثمرين للدخول في شراكات اقتصادية كبيرة مع المملكة، في ظل جاهزية المملكة لتصدير الألمنيوم وخام البوكسيت بكميات كبيرة وموثوقة، وهي مكونات رئيسة في صناعة السيارات.
وللشركات الهندية حضور قوي في السوق السعودية، حيث تعمل بشكل رئيس في مجالات الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والصناعات التحويلية، ومن ضمن هذه الشركات شركة تاتا موتورز، كما أصدرت الهيئة العامة للاستثمار أكثر من 400 رخصة حديثا لشركات هندية حتى تبدأ في مشاريع مشتركة، ما رفع القيمة الإجمالية للاستثمارات الهندية لنحو 1.6 مليار دولار أمريكي. ويقدم قطاع البترول والبتروكيماويات بالمملكة عديدا من الفرص لشركات النفط الهندية، خاصة في قطاع التكرير والتسويق، حيث يمكن للشركات الهندية استكشاف الإمكانات للاستثمارات والمشاريع المشتركة مع الشركات السعودية في البلدان الأخرى، والشركات الهندية مستعدة بشكل جيد للمشاركة في هذا القطاع، ولا سيما في التشغيل وتحديث وصيانة معامل التكرير، وتنفيذ مشاريع خطوط الأنابيب من مرحلة التصور إلى بدء العمل، وتشغيل وصيانة خطوط الأنابيب، والدراسات عن الجدوى، وتقنية ومراجعة وسلامة الحسابات، والتدريب والخدمات الاستشارية.
وتولي "أرامكو السعودية" السوق الهندية اهتماما بالغا ليس فقط كعميل ومورد للخدمات والمواد، بل لكونها أولوية استثمارية لأعمال "أرامكو السعودية" المستقبلية، ففي الثامن من أكتوبر 2017 افتتح رئيس "أرامكو السعودية" وكبير إدارييها التنفيذيين في العاصمة الهندية نيودلهي، مكتب شركة أرامكو آسيا الهند إذ أحدث فصلا جديدا في العلاقة بين السعودية والهند، ويمثل المكتب حلقة وصل استراتيجية بين مقر إدارة الشركة في الظهران ونيودلهي لتلبية الإمدادات المستقبلية من الطاقة لدفع عجلة النمو والتطور الذي تشهده البلاد، خاصة أن الهند لديها رأس المال البشري والخبرة اللازمة التي يمكن أن تساعد على النمو.
وتعد "أرامكو السعودية" طرفا رئيسا في السوق الهندية عبر واردات الطاقة لمصافي التكرير الهندية، وهناك إمكانية كبيرة أعلى من توريد النفط الخام والمنتجات المكررة والغاز المسال، إلى مجالات جديدة للبحث والتطوير، والهندسة، والتقنية في حين يمكن للهند أن تقدم مزايا تنافسية من حيث التكلفة والقدرات.
ووقعت "أرامكو السعودية" في 11 أبريل 2018 مذكرة تفاهم مع مجموعة شركات "راتانجيري للتكرير والبتروكيماويات المحدودة"، المكونة من تحالف شركات البترول الهندية الكبرى، وهي مؤسسة النفط الهندية المحدودة، وشركة بهارات بتروليوم كوربوريشن المحدودة، وشركة هندوستان بتروليوم كوربوريشن المحدودة، وتنص مذكرة التفاهم على تطوير مصفاة ضخمة ومجمع بتروكيماويات متكامل في مدينة راتانجيري في الساحل الغربي من الهند، ومن المحتمل أن تسعى "أرامكو السعودية" إلى ضم شريك استراتيجي كمستثمر في المصفاة.
وستجمع هذه الشراكة الاستراتيجية بين إمدادات النفط الخام والموارد والتقنيات والخبرات والمعرفة التي تتمتع بها الشركات الموقعة التي تحظى بوجود تجاري في جميع أنحاء العالم.
وستكون المصفاة قادرة على معالجة 1.2 مليون برميل من النفط الخام في اليوم، وستوفر مجموعة من المنتجات النفطية المكررة، بما في ذلك البنزين والديزل، ومنتجاتها تلبي المعايير الأوروبية لكفاءة الوقود، كما ستوفر المصفاة اللقيم لمجمع البتروكيماويات المتكامل الذي تبلغ طاقته الإنتاجية نحو 18 مليون طن سنويا من المنتجات البتروكيماوية، إضافة إلى المصفاة ووحدات التكسير ومرافق معالجة المواد البتروكيماوية، وسيتضمن المشروع تطوير المرافق المرتبطة بالمصفاة مثل المرافق اللوجستية ومحطة توزيع النفط الخام والمنتجات النفطية ومشروع توفير المياه، فضلا عن مرافق المنافع المركزية والمشتركة.
وسيصنف هذا المشروع، حال اكتماله، ضمن أكبر مشاريع التكرير والبتروكيماويات في العالم، وهذا الاستثمار الاستراتيجي الجديد والكبير في بعده الاقتصادي يأتي كعلامة فارقة وتتويج لسنوات طويلة من التعاون مع المؤسسات والشركات البترولية في الهند، كما يشكل الاستثمار في الهند عنصرا رئيسا في برنامج الاستثمار العالمي لـ"أرامكو السعودية"، ونقلة نوعية في العلاقات المتنامية مع الهند.
ومن الشركات الكبرى المستثمرة في الهند شركة سابك ولديها مركز أبحاث، كما فازت الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري بجائزة "أفضل خط شحن للعام" عن فئة مشغل ناقلات البضائع العامة، وذلك ضمن "جوائز ماريتايم الهندية" لعام 2017، لتؤكد المكانة الريادية للشركة في القطاع البحري في منطقة آسيا والشرق الأوسط، ومحفز على توسيع وجود الشركة في الهند التي تمثل سوقا استراتيجية مهمة لها، وتأتي هذه الجائزة دليلا على التزام البحري تجاه السوق الهندية، وعلى ثقة قاعدة عملائها المتنامية بها، وكانت شركة "البحري" قد افتتحت أخيرا مكتبا جديدا في مومباي ضمن جهودها الرامية إلى تعزيز وجودها في القطاع البحري الهندي الذي يشهد نموا سريعا، حيث يعمل المكتب مع كبريات الشركات المصنعة للمعدات الأصلية لنقل صادرات البضائع من الهند.
وهناك فرصة واسعة للتعاون بين البلدين في القطاع الصحي، وبناء المستشفيات العامة والمتخصصة الفائقة والعيادات، إضافة إلى توجه الهند للمشاركة النشطة في قطاع الصناعات الدوائية، خاصة أن السعودية هي أكبر سوق للأدوية في منطقة الخليج وتنمو بنحو 18.5 في المائة سنويا، ويقدر حجم السوق في المملكة بنحو 1.5 مليار دولار، كأكبر مستهلك للمنتجات الدوائية في منطقة الخليج.
ومن القطاعات الأخرى التي تحظى بفرص واسعة للتعاون قطاع الأسمدة والنقل والطاقة المتجددة والإسكان والتعدين والأمن المعلوماتي والتصنيع الغذائي والتأمين، وذلك من خلال إنشاء مشاريع مشتركة في مجالات جديدة والعمل على حماية الاستثمارات المشتركة.
اقرأ أيضاً:
ولي العهد السعودي يتوقع أن تصبح باكستان من أكبر اقتصادات العالم بحلول 2030
الهند تعتزم شراء 60 ألف برميل نفط أميركي يومياً
التبادل التجاري بين الإمارات والهند قد يرتفع إلى 100 مليار دولار في 2020