مع تصويت اليونانيين بكثافة على رفض خطة التقشف التي طرحها الدائنون، بات الاتحاد الأوروبي وفي مقدمه ألمانيا أمام معضلة ما بين دفع اليونان إلى الخروج من منطقة اليورو أو إبقائها فيها رغم كل الصعوبات، بحسب ما يرى المحللون.
واجتماع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في باريس يفترض أن يعطي بوادر إجابة على هذه المسألة قبل قمة لمنطقة اليورو مقررة الأحد المقبل.
واتفق عدد من القادة الأوروبيين من برلين إلى روما قبل الاستفتاء في اليونان على اعتبار فوز معسكر الرفض لخطة الدائنين (الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي)، وفق ما دعت إليه حكومة اليسار الراديكالي اليونانية هو بمنزلة رفض لليورو بل حتى لأوروبا. ومع تجاهل الناخبين اليونانيين هذا الأمر، باتت المسألة مطروحة الآن على الاتحاد الأوروبي الذي يشهد أخطر أزمة يواجهها منذ تأسيسه.
والواقع أن الاتحاد الأوروبي دخل هذه المرحلة الصعبة بدون أن يكون مستعدا لها بالفعل، ووسط انقسامات في صفوفه ما بين المتشددين وعلى رأسهم برلين والمتمسكين بالإبقاء على قنوات الحوار على غرار باريس وروما.
وقال نيكولا فيرون الخبير الاقتصادي في معهد بروغل الأوروبي للدراسات إن "العديدين راهنوا على عقلانية العملية وظنوا رغباتهم واقعا" بمراهنتهم على الـ "نعم" في الاستفتاء، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية.
ويرى الخبير أن المسألة لم تحسم بعد موضحا أنه "سيتحتم على الدول الأعضاء إعطاء فرصة جديدة للمفاوضات" من أجل تجنب كارثة مالية تعرض اليونان للخروج "ربما بسرعة كبيرة" من اليورو رغما عن إرادتها. وأكد وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس أن فوز الـ "لا" في الاستفتاء هو "أداة ستساعد على مد يد التعاون لشركائنا".
لكن فيرون حذر بأنه "ستكون هذه حقا الفرصة الأخيرة، ولم يعد هناك سوى وقت ضئيل".
وكان وزير الاقتصاد الألماني أول من علق على نتيجة الاستفتاء في اليونان، إذ أعلن من برلين أنه "يصعب تصور" مفاوضات جديدة بين الأوروبيين وأثينا معتبرا أن رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس "قطع آخر الجسور".
ويرى بيتر كليبي من مركز "اوبن يوروب" للدراسات أن على أوروبا أن تستعد لعودة الدراخما في اليونان، موضحا "لماذا نستمر في التظاهر كما لو أن شيئا لم يحصل وإهدار الوقت، في حين هناك خطر كارثة اجتماعية" يهدد هذا البلد.
وقال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز "ربما يترتب علينا منح قروض عاجلة لأثينا حتى تستمر الخدمات العامة في العمل وأن يتلقى الناس المحتاجون المال الضروري للاستمرار". وشددت آن لور دولات الخبيرة الاقتصادية الباحثة في "المركز الوطني للبحث العلمي" الفرنسي الحكومي أن "ما يمكن أن يلعب ضد اليونانيين هو فكرة أن منطقة اليورو ستكون أفضل حالا بدونهم"، وهي فكرة منتشرة بصورة خاصة في دول البلطيق وفنلندا وهولندا، وكذلك "ضغط الناخبين المحافظين الألمان الذين يرفضون دفع مزيد من الأموال".
إلا أن هذا ما يريده تحديدا اليونانيون من خلال إعادة هيكلة دينهم العام الهائل، لقاء القبول بالاقتطاعات في الميزانية وبالإصلاحات التي يطالب بها الدائنون. وقدم لهم صندوق النقد الدولي دعما كبيرا الخميس إذ دعا الأوروبيين إلى تخصيص أموال جديدة لليونان.
وكتب وزير المالية السلوفاكي بيتر كازيمير وهو من المتشددين ضد اليونان في تغريدة أن "كابوس مهندسي اليورو المتمثل في احتمال خروج بلد من النادي يبدو سيناريو واقعيا".
لكن بالرغم من الخلافات المتراكمة تبقى الحجج المؤيدة لبقاء اليونان في منطقة اليورو كثيرة وتشير دولات بهذا الصدد إلى "الغموض التام" حول العواقب الاقتصادية والجيوسياسية لخروج اليونان و"ضغط الأمريكيين، الذين يريدون بأي ثمن تفادي خطر أزمة مالية جديدة".
وبتقبلها مثل هذا "الفشل" مع خروج اليونان، فإن أوروبا ستواجه مزيدا من المخاطر بنظر الباحثة بسبب ما سيقدمه هذا الاحتمال من حافز لمعسكر "المشككين في أوروبا والمتطرفين" وقد رأى اثنان من القادة الرئيسيين لهذا المعسكر الفرنسية مارين لوبن والبريطاني نايجل فاراج في فوز الـ "لا" انتصارا على "الإملاءات الأوروبية".
ويقول باسكال دولويت أستاذ العلوم السياسية في جامعة بروكسل الحرة أن "القادة الأوروبيين لا يريدون فتح الباب على مصراعيه أمام تكرار السيناريو ذاته"، موضحا أنه "بعدما يصبح هناك سابقة، لن يعود بوسعكم بعد ذلك القول إن هذا لن يحصل أبدا. وهذا يهدد بالقضاء على بوادر الانتعاش الاقتصادي التي نلاحظها منذ بضعة أشهر".
لكنه يرى أن "هذه وجهة نظر عقلانية.. ولست واثقا بأن العقل هو الذي غلب على الدوام" في الملف اليوناني.
اقرأ أيضاً:
صندوق النقد الدولي امام تحدي جديد للمصداقية بعد تعثر اليونان في السداد
نتائج اولية تشير الى تقدم الرافضين في استفتاء اليونان
الشعب اليوناني يقرر مصيره بعد إهدار حكوماته 240 مليار يورو
النقد الدولي يؤكد على اليونان الإصلاح قبل الحصول على تخفيف للديون