مع اقتراب زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لواشنطن عقب المباحثات التي أجراها رئيس الوزراء الاسرائيلي هناك، أصدرت مؤسسة أبحاث أميركية تقريراً مفصلاً يقترح مقومات إنشاء دولة فلسطينية «ناجحة»، تستوعب الأعداد المتزايدة من السكان، وتؤسس لاقتصاد قوي في ظل «سلطة» توفر الأمن لإسرائيل وفلسطين على حد سواء، ويعترف بها شعبها والمجتمع الدولي.
وأشارت مؤسسة «راند»، التي يعتمد الكثير من الدول والمؤسسات العالمية، خصوصاً الولايات المتحدة ، على بحوثها لرسم سياساتها الاقتصادية والسياسية المستقبلية، الى ان الدولة الفلسطينية ستحتاج الى نحو 33 بليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة، من خلال مساعدات خارجية سخية من الدول المانحة والقطاع الخاص، لتتمكن من إقامة دولة تمكنها من الاعتماد على نفسها في المستقبل.
ويوصي التقرير، نقلا عن صحيفة "الحياة" اللندنية، بإنشاء بنية التحتية لتربط جميع أراضى الضفة الغربية وغزة والقدس على شكل «قوس» متصل، وتفتح الباب أمام تنمية جذرية، من شأنها توفير وظائف وغذاء وماء وتعليم ورعاية صحية واسكان وخدمات عامة لملايين الفلسطينيين.
وألمح كل من مدير المجموعات الدراسية ديفيد غومبرت، ومعد دراسة «القوس» دوغ سويسمان، ومؤلف الدراسة ستيفان سايمون، مشيرين في مقابلة هاتفية مع «الحياة»، الى ان راند لا تستطيع وضع اقتراحات بتفكيك المستوطنات التي تقف عائقاً أمام تنفيذ «القوس»، ولكن بإمكانها ان تؤكد ان من شأن ربط أراضي الضفة بخط متواصل، إنجاح الدولة الفلسطينية الذي يصب في مصلحة الطرفين خصوصاً والمجتمع الدولي بصفة عامة.
ويمكن للبنية التحتية التي يريدها واضعو التقرير، ان تستوعب النمو المتزايد للسكان، إضافة الى الذين يتوقع عودتهم من الشتات في كل من لبنان وسورية والأردن، في إطار التسوية المقبلة، أي اكثر من 500 ألف شخص على أقل تقدير، علماً بأن عدد الفلسطينيين يبلغ تسعة ملايين نسمة، يعيش 40 في المئة منهم في الأراضي الفلسطينية.
إن الممر المسمى أيضاً بـ»القوس»، سيدعم خطاً سريعاً للسكك الحديد بين المدن بطول 365 كيلومتراً (140 ميلاً)، وطريقاً عاماً، وقناة لجر المياه، وشبكة للطاقة، وخطاً من أسلاك الألياف البصرية للربط بين البلدات الكبيرة والمدن الفلسطينية، وهذا سيمثل حافزاً لإنشاء المساكن وإحداث الوظائف وتنمية الأعمال التجارية.
ويتوقع أن يوجد بناء «القوس» بين 100.000 إلى 160.000 وظيفة للفلسطينيين على مدى خمس سنوات، علاوةً على الآلاف من الوظائف الإضافية في المؤسسات التجارية الجديدة، التي تبنى على طول الممر. كما سيعزز إعادة إحياء مراكز المدن التاريخية، ويحمي الغابات والمحميات الطبيعية والأراضي الزراعية.
وأشار التقرير، الى ان بناء شبكة المواصلات في إطار «القوس»، سيتزامن مع مد شبكات للكهرباء والغاز الطبيعي والاتصالات السلكية واللاسلكية والماء، فضلاً عن بناء تجمعات سكانية وأماكن ترفيهية، وبناء مطار وميناء في غزة.
وعلى رغم ان واضعي التقرير، قالوا ان تفاصيل التوصل الى تسوية من أجل إنشاء هذه الدولة ليس من اختصاص مؤسسة بحثية، غير انهم أوصوا الفلسطينيين والإسرائيليين والمجتمع الدولي بإجراءات يجب اتخاذها لزيادة فرص نجاح دولة جديدة. وأكدوا انهم سيصدرون قريبا تقريراً آخر يبحث «القضايا الأمنية والمشاركة العسكرية المتعددة الجنسية». واكتفى التقرير بالإشارة الى ان الأمر الملح للأمن الداخلي الفلسطيني في المرحلة المقبلة، هو «إخماد نشاط المنظمات المناضلة التي تشكل تهديداً خطيراً على الأمن بين الدول، من خلال الاعتداء على إسرائيل والقوات الدولية، والأمن داخل الدولة من خلال المعارضة العنيفة للسلطة الشرعية».
وأوصى التقرير بإنشاء قضاء مستقل ومؤسسة فعالة لتنفيذ القوانين، واعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، مقدراً حجم الاستثمارات التي سيحتاجها الفلسطينيون في هذا المجال بنحو 7.7 بليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.
وقال واضعو التقرير لـ»الحياة»، ان من شأن تنمية مناطق السلطة وتحقيق الرفاهية للفلسطينيين، تقوية موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس في المرحلة المقبلة، على رغم تعمد الحكومة الاسرائيلية عدم دعمه منذ توليه الرئاسة قبل 100 يوم. وأشاروا الى ان «لا يمكن اعتبار الدولة الفلسطينية ناجحة ما لم تتسن لشعبها فرص اقتصادية ومستوى معيشة جيد»، مشيرين الى ان نجاح فلسطين يتطلب الدعم والتأييد من المجموعة الدولية، وفي طليعتها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة والبنك وصندوق النقد الدوليان، لأن الأمر يتطلب استثمارات ضخمة.
وتوقع التقرير أن يزيد عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من نحو 3.6 مليون إلى نحو 6.6 مليون نسمة، بحلول عام 2020 بسبب النمو الطبيعي للسكان وعودة اللاجئين.
وعن مقومات اقتصاد الدولة الفلسطينية «المقترحة»، قالوا ان الفلسطينيين سيعتمدون في المرحلة الأولى على قطاع التشيــــيد والبـــناء والخدمات، لكن يجب ان يعـــتمدوا على أنفسهم بعد ذلك، من طريق التـــصدير الـذي يتطلب قوى بشرية متعلمة.
وأكد التقرير على وجوب إعطاء المرأة حقوقها وإصلاح مناهج التعليم، متوقعاً ان يتطلب ذلك استثمارات تراوح بين عشرة بلايين و15 بليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة. وفي ما يتعلق بالنظام الصحي، دعا إلى توسيع الرعاية الصحية العامة ، وعلاج الحالات التنموية والنفسية الاجتماعية، وهو ما يكلف أكثر من بليون ونصف دولار.
© 2005 تقرير مينا(www.menareport.com)