أشار بنك الكويت الوطني في موجزه الأخير حول التطورات الاقتصادية في قطر إلى محافظة قطر على أداء اقتصادها المتميز للعام الرابع على التوالي رغم استمرار الضغوط على مواردها والناجمة عن وتيرة النمو المتسارعة. فالناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية قد نمى بنسبة 24% في عام 2006 بعد تسجيله لمعدل نمو ملحوظ بلغ متوسطه 30% سنوياً خلال الأعوام الثلاثة السابقة. كذلك الحال، جاء معدل النمو بالأسعار الثابتة مرتفعاً في ضوء المكاسب التي شهدها قطاع النفط والغاز في جانب الإنتاج، هذا إلى جانب التدفق الكبير في حجم الاستثمارات المباشرة. كما واصل القطاع غير النفطي نموه المضطرد رغم تأثره بشكل طفيف بحركة التصحيح التي شهدها سوق الدوحة للأوراق المالية في مطلع عام 2006.
فالاقتصاد القطري يجني ثمار الإستراتيجية التنموية التي تبنتها الحكومة القطرية في عقد التسعينيات الماضي والقائمة على الانفتاح الاقتصادي المتزامن مع خطة واضحة لتنويع مصادر الدخل، هذا إلى جانب الإصلاحات الديمقراطية والمؤسسية. وعلى الأرجح، ستؤدي هذه الإستراتيجية جنباً إلى جنب مع استمرار وتيرة الأسعار المرتفعة للطاقة والإنفاق الاستثماري القوي إلى ديمومة النمو الاقتصادي المرتفع للسنوات الخمس قادمة، ومن المحتمل أن يتضاعف حجم الاقتصاد القطري مرة ثانية بحلول عام 2012.
ولحظ الوطني مواصلة الضغوط التضخمية بالتنامي، وبلغ معدل التضخم في أسعار المستهلك 11.8% في عام 2006 على خلفية القفزات المتتالية في أسعار الإيجارات، ناهيك عن التوسع في حجم المصروفات الحكومية ومحدودية الموارد. وتشير بعض الدلائل أيضاً إلى زيادة في الرواتب والأجور من جراء غلاء المعيشة مما قد يزيد من الضغوط التضخمية، والتي من الصعب القضاء عليها ما لم يتم إصلاحات هيكلية في سوق الإسكان تؤدي إلى استقرار أسعار الإيجارات. وإذا ما أوخذ بعين الاعتبار السياسة النقدية التوسعية، فإن معدل التضخم المرتفع قد يصبح سمة للاقتصاد القطري، وما يرافق ذلك من تبعيات سلبية يمتد أثرها الاقتصادي لفترات طويلة.
المشاريع في قطر
(كما في نهاية مايو 2007)
المصدر: قاعدة بيانات مييد ((MEED
فالحكومة القطرية، وتحت قيادة سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، تضاعف إمكاناتها في إدارة النمو الاقتصادي المضطرد وفي الحد من الضغوط التضخمية المصاحبة لهذا النمو. كما أنها تزيد من حجم استثماراتها لتدعيم البنية التحتية وتحسين الرعاية الصحية والتعليمية. فعلى امتداد السنوات الخمس القادمة، ستقود الحكومة برنامجاً استثمارياً تقدر تكلفته بنحو 130 مليار دولار لتطوير قطاعات الطاقة والبنية التحتية والصناعة والطيران والخدمات الحكومية. ومن الطبيعي أن تحمل الوتيرة السريعة للنمو في قطر بعض المحاذير، كتلك المتعلقة بالقدرة الاستيعابية للاقتصاد القطري واحتمالية ارتفاع التكلفة. وعلى الأرجح، فأن تنامي هذه القدرة هي مسألة توقيت فقط وخاصة عند الأخذ بعين الاعتبار العوائد المالية المستقبلية المحتملة لقطاع الغاز. وإذا ما تم مواصلة الإدارة الحصيفة لهذه العوائد، فإن ذلك سيعني أن التطلعات المستقبلية للاقتصاد ستبقى مشرقة.
وعلى نفس الصعيد، فإن الحكومة القطرية ملتزمة بمساندة ودعم القطاع خاص لتمكينه من زيادة فاعليته ونشاطه، مما قد يوفر فرص عمل جديدة للقوى العاملة الوطنية التي جرت العادة تاريخياً أن يقوم القطاع العام باستيعابها بالدرجة الأولى. وتتضمن هذه الجهود المسعى نحو تحويل قطر إلى مركز جاذب للفعاليات الرياضية أو تلك التي تخص قطاع الطاقة، مما يفسح الطريق أمام استثمارات ملحوظة للقطاع الخاص في المجال السياحي.
أما الاستثمار بهدف تنويع القاعدة الإنتاجية، فهو يعتبر أيضاً من الأولويات الإستراتيجية للحكومة وفق ما جاء في تقرير الوطني. حيث تعتبر الحكومة أن القطاع المالي يلعب دوراً رئيسياً في جذب المزيد من استثمارات القطاع الخاص، وبالتالي جاءت مبادرة الحكومة لخلق مركز قطر للمال كخطوة هامة في هذا الاتجاه، علماً بأن هذا المركز قد نشأ ككيان مستقل غير خاضع للإطار التنظيمي القائم، وذلك بهدف جذب المؤسسات المالية العالمية، غير أنه لم يتم تقييد نشاطاتها بعمليات الأوفشور أو التداولات بالعملات الأجنبية. والنتيجة، فإن الخدمات المالية في قطر توفرها المؤسسات المصرفية القائمة، والمصارف الجديدة التي تتبع مركز قطر للمال والتي تمارس نفس النشاطات فيما عدا توفير الخدمات المصرفية الشخصية للمقيمين. وتخضع المؤسسات المصرفية القطرية لرقابة مصرف قطر المركزي، في حين تخضع المؤسسات الأجنبية لرقابة هيئة مركز قطر للمال التنظيمية. ويرجح أن يخضع هذا النظام الرقابي المزدوج في المستقبل إلى تغيير جذري.
ويعلق الوطني في تقريره على النماذج التي يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار فيما لو قامت قطر بإعادة تنظيم الإشراف على المؤسسات المالية. فنموذج السلطة الإشرافية للقطاع المالي في المملكة المتحدة يعتبر أحد هذه النماذج الذي غالبا ما تلجأ إليه الدول التي تسعى إلى إنشاء مركز مالي إقليمي. وضمن هذا النموذج، فإن مسؤولية الرقابة لا تقع ضمن صلاحيات البنك المركزي، والذي تنحصر مسؤولياته في إدارة السياسة النقدية. ومع ذلك، تبرز مجموعة من التحديات أمام أي دولة نامية تتبنى النموذج البريطاني، أهمها محددات القدرات المؤسسية والتنسيق الفعال مع البنك المركزي سواء لضمان الرقابة الملائمة على الائتمان وبرامج إدارة المخاطر، أو لضمان فاعلية السياسة النقدية.
أن مصدر ثروة قطر يتجلى في مواردها الهائلة من الغاز الطبيعي التي تعادل 15% من الاحتياطيات العالمية المكتشفة. وقد أدى حجم الاستثمار الهائل في قطاع الغاز مع التوسع في صادراته إلى تعزيز مكانة الاقتصاد القطري خلال السنوات الخمس المنقضية. فصادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال قد بلغت 25 مليون طن في عام 2006، أي ما يعادل ضعف المستوى المحقق لعام 2002 مما جعل من قطر رابع أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال (LNG). كما أن الغاز الجاف والذي كان ينحصر استخدامه في الصناعات المحلية قد بدء بالظهور كسلعة تصديرية جديدة مع وصول أول شحنة منه إلى الإمارات العربية المتحدة عبر خط أنابيب الدولفين. كذلك، يتوقع لإنتاج الغاز من خلال عملية التسييل (GTL) أن يشهد انطلاقة قوية هذا العام مما يوفر مجالاً لتحويل الغاز إلى وقود عالي القيمة وصديق للبيئة وذو عوائد مرتفعة.
ومع ذلك، يبقى إنتاج النفط الخام، والذي يشكل نحو 60% من إجمالي الصادرات، بمثابة العمود الفقري للاقتصاد القطري. فقد واصلت إيرادات النفط والغاز مسيرة ارتفاعها في عام 2006 لتتجاوز 20 مليار دولار، وذلك رغم تباطؤ النمو في الإنتاج والأسعار الذي حدث خلال النصف الثاني من العام.
كما أدى تنامي الإيرادات من قطاع النفط والغاز إلى تحقق فوائض مالية كبيرة سواء فيما يتعلق بميزانية الدولة أو في ميزان معاملاتها مع العالم الخارجي. فمع نهاية عام 2006، أشار تقرير الوطني إلى أن صافي الموجودات الأجنبية لبنك قطر المركزي بلغ نحو 5.4 مليار دولار، في حين تجاوز إجمالي الفوائض المتراكمة في الحساب الجاري وفي ميزانية الدولة خلال السنوات الخمس الماضية نحو 30 مليار دولار و 10 مليار دولار على التوالي، علماً بأن قطر تستثمر هذه الفوائض بأسلوب يؤدي إلى تقليص اعتمادها المستقبلي على الإيرادات من قطاع الطاقة. فمنذ عامين، تم إنشاء جهاز قطر للاستثمار بهدف إدارة الموارد الهائلة للبلاد بما يضمن تعظيم العوائد وتنوع مصادرها، كتملك مشاريع وشركات قائمة على سبيل المثال. ومع أن قطر تعتبر حديثة العهد في ولوجها إلى ساحة الاستثمار الدولي مقارنة بنظرائها من دول الخليج، إلا أن هنالك مؤشرات على نجاحها في استدراك ما فاتها، وخاصة عند الأخذ بعين الاعتبار الإيرادات المتولدة من ثروة الغاز الضخمة. هذا ويقدر حجم الاستثمارات الأجنبية للدولة بحوالي 70 مليار دولار أمريكي.
أسعار النفط و كميات الإنتاج
المصدر: قطر للبترول ومنظمة أوبك
وفي خضم هذه التطورات، تراجعت المديونية الخارجية لقطر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 58.3% في عام 2003 إلى 40.8% مع نهاية عام 2006 وفقاً لتقديرات البنك الدولي. وهذا التحسن في الوضع المالي الخارجي قد انعكس ايجابياً على التصنيف السيادي لقطر، والذي ارتفع إلى Aa3 وفقاً لمؤسسة التصنيف العالمية موديز وإلى AA- وفقاً لمؤسسة ستاندارد اند بورز.
وإزاء هذه المقدمة، تبقى مع ذلك البيئة السياسية في المنطقة تحمل في كنفاتها العديد من التحديات، والتي يأتي في مقدمتها تصاعد حدة التوتر بين إيران وكل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة حول الملف النووي الإيراني، والوضع الأمني المتردي في العراق، واستمرار تواجد الجماعات المسلحة في المنطقة التي تهدد الأمن والاستقرار. ومع ذلك، فإن التحسن الجوهري في الاقتصاد القطري قد عزز من قدرة الحكومة ومنعتها في التصدي للصدمات الاقتصادية و السياسية الإقليمية.
أما بخصوص التطورات الجيوسياسية، يبقى الاقتصاد القطري عرضة لتحديات في حال حدوث تراجع حاد في أسعار النفط. فاعتماد الاقتصاد على صادرات النفط والغاز ما زال مرتفعاً، مع أن ميزانية الدولة وحساب المعاملات مع العالم الخارجي هي أقل تأثراً بانخفاض أسعار النفط مقارنة بالدول الأخرى المصدرة للنفط وذلك لأن تصدير الغاز يتم بالعادة وفقاً لاتفاقيات طويلة الأمد.
قطر- الحساب الجاري
المصدر: مصرف قطر المركزي
كما أن هنالك تحديات جوهرية مصدرها الدورات الاقتصادية في أسواق الأصول المالية. فسوق الأوراق المالية قد شهد قفزات كبيرة تفوق الحجم الذي تمليه المعطيات الاقتصادية، وذلك بسبب وفرة السيولة والتوسع الملحوظ في منح الائتمان. وجاءت حركة التصحيح في سوق الأوراق المالية مع بداية عام 2006 لتلتهم نحو 23% من القيمة السوقية خلال فترة شهرين فقط. إلا أن الآثار السلبية على الثروة لم تكن فاعلة بالدرجة الكافية لتترك آثاراً تذكر على النمط الصعودي للاستهلاك الخاص، حيث أن التملك في سوق الأوراق المالية المحلية لا يشكل إلا جزءاً بسيطاً من الثروات الخاصة في قطر، ناهيك عن أن المستثمرين المحليين يتمتعون بأحد أعلى معدلات الدخل الفردي في العالم . كذلك الحال، فإن أثر حركة التصحيح على النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص، بما فيه المؤسسات المالية قد جاء محدوداً أيضاً.
ومؤخراً، بدء التعافي في السوق المالي واضحاً بتسجيله لنمو بلغ 8% خلال الفترة المنصرمة من العام الحالي كما يعكسه مؤشر MSCI للسوق القطري، وذلك رغم البداية الضعيفة للسوق التي استهل بها عام 2007. فالشركات المدرجة في سوق الدوحة للأوراق المالية قد سجلت خلال الربع الأول من عام 2007 نحو 28% ارتفاعاً في أرباحها مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. ويرى العديد من المراقبين في السوق أن هذا التنامي في الأرباح، وتزامنه مع حقيقة أن المكررة الربحية للسوق تصل إلى 15.1 ضعف، يمثل دليلاً لتدني مخاطر التراجع في السوق. أما مصدر القلق الرئيسي، فينحصر بشكل أساسي في محدودية الفرص الاستثمارية التي يوفرها السوق، هذا فضلاً عن استحواذ عدد قليل من الشركات على القيمة السوقية بشكل عام.
وتبقى احتمالية تفشي العدوى من الدول المجاورة قائمة، وخاصة عند الأخذ بعين الاعتبار التزايد الملحوظ في التكامل والروابط المالية بين دول مجلس التعاون الخليجي، كما يبدو جلياً من ارتفاع حجم التدفقات الاستثمارية بين دول المجلس. فقد أسهم الارتفاع الملحوظ في السيولة وتراجع حدة العوائق التي كانت تعترض مواطني دول المجلس من الاستثمار على امتداد المنطقة في تعزيز هذه الروابط، ناهيك عن الدور الفاعل لعمليات التحرير والانفتاح الاقتصادي.
أما بخصوص الاتحاد النقدي بين دول مجلس التعاون الخليجي والمزمع إنشاءه في عام 2010، فهو سيؤدي أيضاً إلى زيادة التكامل المالي القطري مع دول المجلس. إلا أن درجة التقدم المحرزة على صعيد التحضير لطرح العملة الموحدة، والتي حتى الآن لم تتجاوز الاتفاق على معايير التقارب وربط كافة العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، قد شهدت بعض التراخي بإعلان عمان رسمياً انسحابها من المشروع لتخوفها من احتمالية عدم جاهزية السلطنة لمثل هذه الخطوة بحلول عام 2010، مما أثار العديد من التكهنات باحتمالية تأجيل هذا الاتحاد. ومع ذلك، ما زال الموقف الرسمي لقطر داعماً لهذا المشروع، وفي نفس الوقت داحضاً للتكهنات التي تشير إلى احتمالية رفع سعر صرف الريال القطري أو إجراء تعديل على سياسة سعر الصرف في أعقاب التراجع الملحوظ في سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية الأخرى.
وخلص تقرير الوطني إلى أن قطر قد قطعت شوطاً طويلاً منذ أن تسلم سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم في عام 1995. كما أن المسعى الجريء للدولة في الاقتراض لغاية تمويل خطة تنويع مصادر الدخل يؤتي ثماره. فاقتصاد قطر اليوم يتبؤ مركز الصدارة في المنطقة من حيث الأداء المتميز، وبمعدل دخل فردي يصل إلى نحو 63 ألف دولار، وعليه فإن قطر تعد إحدى أغنى دول العالم مقارنة بحجم اقتصادها. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن العديد من المحليين يتوقعون أن يتفوق الغاز على النفط كمصدر رئيسي للطاقة، مما يوحي إلى أن الاقتصاد القطري سيحافظ على أداءه المتميز في المستقبل.
© 2007 تقرير مينا(www.menareport.com)