تفرض التغييرات التقنية المتسارعة والمنافسة المحمومة تحديات كبيرة على شركات الموبايل العاملة بمنطقة الشرق الأوسط الأمر الذي يستلزم التفكير في استراتيجيات جديدة للتطوير والسعي نحو المزيد من تنظيم الشركات بما يتفق مع آليات السوق وهو ما يعتبر تحدياَ كبيراً يقع في المقام الأول على كاهل حكومات المنطقة والتي تمتلك كلياً أو جزئياً الشركات العاملة بهذا المجال، ويتم عليها الاتجاه نحو خصخصة خدمات المحمول ووضع رؤية واضحة ومحددة وذلك بخلاف الخطط التي شهدتها أسواق المنطقة في السابق والتي كان مصيرها في الأغلب التعثر لعدم وضوح الرؤى وسيطرة الاعتبارات السياسية .
ومن المتوقع أن تنمو إيرادات شركات الموبايل العاملة بمنطقة الشرق الأوسط إلى 14 مليار دولار عام 2007 مقابل 9 مليارات دولار عام 2003 ، وذلك حسب ما أشار إليه تقرير لمجلة ميد تناول التحديات التي تواجه شركات الاتصالات الإقليمية. وأشار التقرير إلى أن هناك اتجاهاً لدخول شركات جديدة بالسوق لتقديم خدمة الهاتف المحمول في أكثر من دولة، حيث أبدت 18 شركة عالمية وإقليمية اهتمامها بالمشاركة في مناقصة الرخصة الثانية لخدمات الموبايل في عمان والتي ستطرح منتصف الشهر الجاري فيما يستعد في نفس الوقت كونسورتيوم الشركات المتقدمة للفوز برخصة المحمول الثانية بإيران لإعداد العروض النهائية، وتستعد الحكومة الجزائرية لمنح شركة ''الوطنية للاتصالات'' الرخصة الثالثة لتقديم خدمات المحمول، فيما تتجه قطر لمنح رخصة ثانية لخدمات الموبايل في عام 2005/2006.
ويؤكد التقرير انه بغض النظر عن مستويات المنافسة القائمة بين الشركات الإقليمية فإن الوقت يعتبر مبكراً جداً للحديث عن ظهور شركة للاتصالات مؤهلة لأن تلعب دوراً إقليمياً، في حين لفت التقرير إلى أن ذلك لا يمنع بالطبع من نجاح بعض من شركات الاتصالات الإقليمية مثل ''الوطنية للاتصالات'' و''أوراسكوم'' و''ام تي سي'' في التواجد بأكثر من سوق في آن واحد، حيث تتواجد كل منها بأربع دول من دول المنطقة. ويشير إلى وجود فرص متعددة للفوز بعقود كبرى بدول المنطقة حيث يتوقع التقرير إنهاء احتكار كل من شركتي اتصالات الإمارات وكيوتل القطرية في غضون عامين على الأكثر، فيما ينتظر أن تتوفر فرص أخرى لخصخصة خدمات الموبايل في لبنان إلا أن التقرير يؤكد أن تلك الفرص محكومة بتفاعل القوى السياسية.
وأوضح التقرير، وكما ذكرت صحيفة الرياض السعودي، أن فرص اندماج شركات الاتصالات بمنطقة الشرق الأوسط تعتبر ضئيلة على ضوء تملك حكومات هذه الدول لنسب كبيرة من رؤوس أموال تلك الشركات وهو ما قد يحول دون وجود حالات واسعة للاندماج، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود تحالف لشركات الموبايل الإقليمية مثلما يحدث في أوروبا ويمثل طريقة للشراكة لتقليل التكاليف وزيادة معدلات الربحية وهو شكل من أشكال التعاون أقل تكلفة من عمليات الاندماج .وتأتي أهمية إعادة النظر في آليات عمل شركات الاتصالات في المرحلة الحالية على ضوء التطور المتواصل لتقنيات الاتصال وتزايد معدلات الطلب بشكل متسارع في جو محموم من المنافسة بين الشركات الإقليمية وهو ما يتطلب سرعة نقل أحدث التقنيات حتى وان تفاقمت تكاليف الاستثمار في تلك التقنيات .
ولفت تقرير ميد إلى أن شركات الاتصالات الإقليمية تواجه خطراً مزدوجاً يتمثل في ضرورة نقل أحدث التقنيات بأسرع وقت للحفاظ على قاعدة المشتركين ويشير إلى أن الشركات التي تستجيب بسرعة للتغييرات التقنية تقوم بإنفاق قدر اكبر من الاستثمارات لاعتماد هذه التقنيات إلا أنها تحافظ بذلك على قاعدة مشتركيها، ولكن ربما يكون الأمر على حساب ربحيتها، بينما تغامر الشركات التي تعتمد الخدمة في مراحل لاحقة بقاعدة مشتركيها إلا أنها في المقابل تنفق قدراً أقل من الاستثمارات وبذلك ترتفع معدلات ربحيتها· ويورد التقرير في هذا السياق اختلاف وجهات نظر شركات المنطقة فيما يتعلق باعتماد خدمات الجيل الثالث، ففي حين بادرت مؤسسة اتصالات الإمارات باعتماد هذه التقنية لتكون أولى دول المنطقة تقديماً لهذه الخدمة يرى مسؤولو شركة ''الوطنية للاتصالات'' ان التمهل سنة واحدة في تقديم الخدمة يوفر على الشركة 20 بالمائة من مجمل التكاليف ويمكنها من تقديم خدمة أكفأ وأكثر استقراراً . كما ترى بعض الشركات أن الاستثمار في تقنيات ''جي· بي· أر· أس'' و''أي· دي· جي· أي'' يعتبر أقل كلفة في المرحلة الحالية وأكثر مردوداً من تقنيات الجيل الثالث وبخاصة على ضوء التوقعات بتفوق معدلات النمو في عمليات نقل البيانات من خلال الموبايل مستقبلاً على معدلات نمو عمليات نقل الصوت·
ويوفر سوق الموبايل بمنطقة الشرق الأوسط فرصاً ذهبية للتوسع للشركات الإقليمية وذلك على ضوء تضاؤل فرص التوسع في باقي أسواق العالم الأخرى الصغيرة والمتوسطة بسبب اهتمام الشركات العاملة بتلك الأسواق بشكل اكبر باعتبارات التكلفة . ويعتبر التواجد بأسواق المنطقة مغرياً بالنسبة للشركات في المرحلة الحالية لانخفاضه من حيث التكلفة مقارنة بالمراحل الأولى لتقديم الخدمات والتي ترتبط بمعدلات عالية للإنفاق والاستثمار والمردود الأقل على ضوء تراجع عدد المشتركين في تلك الأوقات . وتعتبر شروط منح الرخصة الثانية لخدمات الموبايل في السعودية الأصعب من نوعها على مستوى دول المنطقة حيث يشترط أن تقبل الشركة بقائمة شروط طويلة تتضمن طرح أسهمها للاكتتاب العام على أن تدرج بالبورصة في إطار جدول زمني ضيق للغاية، وان تفوق القيمة السوقية للشركة مليار دولار وان تقبل الشركة بدخول السوق من خلال اتفاقية متوسطة المدى للإدارة لمدة خمس سنوات على أن تدير شبكة أو شبكتين للمحمول يصل إجمالي عدد مشتركيها إلى 5.1 مليون مشترك على الأقل، وذلك إضافة إلى قبول الشركة بالمساهمة بنسبة 15 بالمائة من رأس مال الشركة التي ستؤسس بهذا الغرض .
وبين تقرير ميد أن الشروط المعقدة لرخصة المحمول السعودية الثانية لا تنطبق إقليمياً إلا على أربع شركات وهي ايجيبت أوراسكوم المصرية، وأم تي سي والوطنية للاتصالات وكلاهما من الكويت، واتصالات الإمارات إلا انه بالطبع قد لا تتحمس الشركات الأربع لمثل هذه الرخصة، وعلى الصعيد العالمي قد تجتذب هذه الرخصة شركات عالمية أخرى إلا أن عدم وضوح وتعقيد عملية الطرح قد يُثنياها عن المضي قدماً في المنافسة مع الشركات الإقليمية.
ويقول التقرير إن هناك العديد من التساؤلات تثار بهذا الصدد أهمها هل ستحل الشركة الجديدة محل سعودي تليكوم الشركة القائمة والتي تقوم بتحويل 20 بالمائة من إيراداتها للحكومة؟ وذلك إلى جانب تساؤلات أخرى بصدد رسوم الاتصال والمشاركة في الشبكات، وحدود التزام الشركة فيما يتعلق بخدمات الاتصال العالمية، ومما يزيد من صعوبة الأمر بالنسبة للشركات إعلان الهيئة المستقلة المنظمة للاتصالات في السعودية عزمها طرح رخصة ثالثة للموبايل بحلول عام 2006 . ويشير بعض المحللين في سياق التقرير إلى تنافسية سوق الموبايل السعودي على ضوء سيطرة شريحة الشباب ذوي القدرات الشرائية المرتفعة التي تصل إلى 9 آلاف دولار أميركي سنوياً على هيكل السكان بنسبة تقدر بنحو 30 بالمائة، ويلفتون إلى أن أي مشغل لخدمات الموبايل بمنطقة الخليج يحصل على عائد عن كل فرد مستخدم للموبايل يقدر بـ 61 دولاراً في المتوسط وهو معدل مرتفع للعائد مقارنة بالمعدلات المثيلة في أماكن أخرى من العالم. ( البوابة)
