شهد سوق النفط تطورات كبرى خلال العام الماضي أو نحو ذلك. حيث قفزت الأسعار لترتفع بصورة ملحوظة، مما كان له أثرا كبيرا على اقتصاديات العديد من البلاد، ففي الحين الذي أصاب بعضها الضرر، قام البعض الآخر بجني عائدات خيالية لم تكن في الحسبان منذ أقل من عامين. ونحن نتوقع استمرار تلك الاتجاهات خلال الفترة المتبقية من العام الحالي وفي العام 2006، طالما استمرت العوامل التي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط في المقام الأول متواجدة، وما دامت أسواق النفط العالمية تشهد ضيقا. لذا لا يتوقع حدوث تغييرات جوهرية في الاتجاهات في العام 2005 أو 2006. وقد يحدث انخفاضا طفيفا في الأسعار خلال تلك الفترة، إلا أن العوامل سالفة الذكر ستدفعها إلى الارتفاع مرة أخرى. وقد شهدنا مثالا على ذلك في مايو من العام 2005، عندما انخفض سعر نفط غرب تكساس المتوسط (WTI) إلى 47 دولار أمريكي للبرميل قرابة التاسع عشر من شهر مايو، إلا انه عاود ارتفاعاته مرة أخرى وصولا إلى 60 دولار أمريكي في شهر يونيو. وبالتالي يعقل أن نتوقع استمرار ارتفاع أسعار النفط فوق مستويات 50 دولار أمريكي للبرميل خلال الفترة المتبقية من العام 2005 والعام 2006. إلا إننا نتوقع أن تبدأ الأسعار في الانفراج ابتداء من العام 2006 والأعوام التالية، كنتيجة لرفع الطاقة الإنتاجية للنفط وتدفق الإنتاج النفطي واستمرار تباطؤ وتيرة الطلب عليه.
أهم دواعي توقع ارتفاع أسعار النفط
• من المتوقع أن يستمر نمو الطلب العالمي على النفط قويا خلال عامي 2005 و2006، وإن كان ليس بنفس القوة التي شهدها في العام 2004، على الرغم من الارتفاع المتوقع لأسعار النفط. حيث أن الدوافع الثلاث الرئيسية خلف استهلاك النفط متمثلة في الطاقة، المواصلات والبتروكيماويات تستمر في النمو نموا سريعا. ومن المتوقع أن يزداد الطلب العالمي على النفط بمعدل نمو سنوي يبلغ ما نسبته 2.5 في المائة في المتوسط خلال العامين 2005 و2006. أَو بعبارة أخرى، سوف يرتفع ليصل إلى 2.1 مليون برميل يوميا. وعلى الرغم من أن معدل النمو المتوقع أدني من ذلك الذي شهدناه في العام 2004 البالغ 3.4 في المائة، إلا أنه ما زال يعد معدلا سريعا مقارنة بمتوسط معدل النمو السنوي منذ العام 1990 والبالغ 1.5 في المائة. وتعتبر الصين في الوقت الحاضر ومستقبليا، العامل الوحيد الأكبر خلف ارتفاع الطلب على النفط. ويتوقع استمرار نمو الطلب الصيني على النفط قويا بمعدل سنوي مقداره 600,000 برميل يوميا خلال العامين 2005 و2006، فيما يعد أقل إلى حد ما من المعدل الذي شهدته الصين في العام 2004 عندما بلغ معدل نمو الطلب الصيني على النفط حوالي 1 مليون برميل يوميا. ومن المتوقع أيضا أن تقوم الصين ببناء احتياطي نفطي إستراتيجي كبير في وقت لاحق من هذا العام، حيث سرت شائعات حول استمرار النقص في الطاقة مما يشير ضمنا إلى استمرار الحاجة من جديد إلى مولدات وقود الديزل من أجل تلبِية الحاجة من الكهرباء. وسوف تتطلب هذه المولدات بدورها استيراد الوقود بكميات كبرى. علاوة على ذلك، سيظل نمو الطلب الأمريكي على النفط قويا خلال العامين 2005 و2006 حيث يتوقع أن يصل إلى 300,000 برميل يوميا، أَو 1.5 في المائة سنويا. ويعد هذا النمو كذلك أقل من المعدل الذي شهدناه في العام 2004 والبالغ 480,000 برميل يوميا، أَو يمثل ارتفاعا بنسبة 2.4 في المائة خلال العام 2004.
• لا يتوقع أن يسد نمو إمداد الدول غير الأعضاء بمنظمة الأوبك زيادة الطلب العالمي على النفط. هذا و يتوقع لإمداد الدول غير الأعضاء بمنظمة الأوبك النمو بمعدل سنوي مقداره 0.8 مليون برميل يوميا في المتوسط خلال العامين 2005 و2006، وهو معدل أدني من متوسط النمو السنوي خلال الأعوام 2002 إلى 2004.
وبالتالي، فإن الدلائل المستقبلية المتعلقة بإنتاج النفط تبدو غير مشجعة. وبالنسبة للنفط الروسي، وهو المحرك الرئيس لإمداد النفط من قبل الدول غير الأعضاء بمنظمة الأوبك، فقد شهد انخفاضا حادا في معدلات النمو في الأشهر الأخيرة. حيث وصل نمو الإنتاج إلى 12 في المائة في منتصف العام 2003، ثم انخفض إلى 10 في المائة في أوائل العام 2004. إلا أن النمو السنوي خلال الربع الأول من العام 2005 شهد تباطؤا ليصل إلى 4.6 في المائة.
• شهد احتياطي الطاقة الإنتاجية العالمية للنفط الخام انخفاضا، ففي الوقت الحاضر، حيث تعتبر المملكة العربية السعودية الوحيدة التي تمتلك طاقة احتياطية متوفرة لإنتاج النفط. وتجدر الإشارة إلى انه بانخفاض احتياطي الطاقة الإنتاجية للنفط السعودي في الوقت الحاضر، حيث تبلغ على وجه التحديد 0.9 - 1.4 مليون برميل يوميا، الأمر الذي يدع المجال ضئيل جدا أمام زيادة الانتاج السعودي إذا ما اقتضت الحاجة. وبالرغم من توقع زيادة الطاقة الإنتاجية في الملكة العربية السعودية والدول الأخرى في الخليج العربي في العامين 2005 و2006، إلا أنه ليس من المتوقع أن يزداد احتياطي الطاقة الإنتاجية زيادة ملحوظة على مدى العامين المقبلين.
• ومن المتوقع أن تظل القطاعات الثانوية مثل التكرير والشحن ضيقة النطاق. وتؤكد وحدة الدراسات الاقتصادية (EIU) إلى أن هناك ما يشير إلى استثمارات إضافية في تحديث مصافي النفط أو التوسع فيها. وحيث أنه من المحتمل أن يبقى الطلب على منتجات النفط قويا، سوف تعمل مصافي النفط بكامل طاقتها. وفي العام 2004، بلغ معدل استغلال مصافي النفط الأمريكية ما نسبته 93 في المائة. وبالتالي، أي توقف في نشاط المصافي سوف يكون ملموسا في الحال وربما لفترة زمنية طويلة.
• إن المخاطر الجغرافية السياسية، كما شاهدنا في أحداث العنف في العراق، الهجمات الإرهابية في المملكة العربية السعودية والاضطرابات في نيجيريا ستعمل جميعها على استمرار التوتر في أسواق النفط العالمية.
• ولقد ساهمت مستويات الإنتاج المرتفعة للنفط من قبل الدول الأعضاء بمنظمة الأوبك في بناء مخزون في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بدءا من شهر فبراير وحتى نهاية شهر نوفمبر من العام 2004. وبالرغم من ذلك، تشير وكالة معلومات الطاقة (EIA) إلى أن حصص دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لم تحقق نموا من ناحية أيام الإمداد (عدد الأيام التي يلبي فيها المخزون الطلب على النفط) نظرا لأن الطلب على النفط أرتفع هو الآخر بوتيرة سريعة. ومن المتوقع أن يحقق مخزون النفط التجاري في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية نموا ضئيلا على مدى العامين المقبلين. وعلى الرغم من تحسن مخزون النفط الخام الأمريكي بشكل كبير مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، إلا أن وكالة معلومات الطاقة (EIA) تتوقع أن يتبدد هذا التحسن على مدار الفترة المذكورة.
النتائج المترتبة
مع تباطؤ إنتاج الدول غير الأعضاء بمنظمة الأوبك، سوف يتجه السوق العالمي على نحو متزايد نحو إتحاد الدول المنتجة للنفط من أجل تلبية حاجاته المتزايدة. وبالفعل شهد العام 2004 ارتفاعا في الطلب على إمدادات الدول الأعضاء بالأوبك. وقد ترتب على ذلك الطلب ارتفاع تدريجي في حصص الإنتاج الرسمية والذي استمر حتى العام 2005، حيث استمر الارتفاع على الطلب. وتعد نتائج هذا الارتفاع بالنسبة لأعضاء الأوبك وسوق النفط العالمي ذات مغزى كبير. حيث أنه مع الزيادة الضئيلة في الطاقة الإنتاجية والتي من المتوقع حاليا أن تتدفق على المدى القصير، فإن رفع إنتاج دول الأوبك يعني أن إتحاد الدول المنتجة للنفط تقوم بإنتاج قريب من طاقتها الكاملة. ومن ثم، فإن الزيادة المتوقعة في الطلب ستولد ضغطا أكبر على الطلب على نفط الدول الأعضاء في الأوبك، كما أنها من المحتمل أن تؤدي إلى زيادة الأسعار في حال لم تستطع أوبك الاستجابة لهذا المطلب نظرا لمحدودية احتياطي الطاقة الإنتاجية للنفط.
وبغض النظر عن نتائج نمو الطلب العالمي على النفط، من المرجح أن يظل احتياطي المخزون من النفط منخفضا، معرضا بذلك الاقتصاد العالمي لمخاطر الارتفاع الكبير في أسعار النفط، والتي ترجع إلى العرقلة الغير متوقعة للإمدادات النفطية. الأمر الذي يوحي بأن الأسعار سوف تواصل تأثرها بالتوترات الجغرافية والسياسية المستمرة. لذا تبرز الأهمية القصوى لمشروعات زيادة الطاقة الإنتاجية التي تقوم بها أوبك، والتي على الأرجح سوف يتم تنفيذها بخلاف مشاريع زيادة الإنتاج الخاصة بالدول غير الأعضاء، حيث أن الطبيعة التنافسية للدول غير الأعضاء بمنظمة أوبك توحي بأنه من غير المحتمل أن تلعب الأخيرة دورا إستراتيجيا في المحافظة على احتياطي الطاقة النفطية .وفي الواقع، إن تأثير الزيادة في إنتاج الدول المنتجة للنفط مثل الدول الأعضاء في أوبك والواقعة في منطقة الشرق الأوسط والدول الأفريقية قد أصبح محددا بالانخفاض في المناطق المنتجة للنفط والتي لا تحظى بعضوية في منظمة الأوبك مثل الدول الشرق أوسطية من غير الأعضاء في منظمة الأوبك، أستراليا، وبحر الشمال.
وكما تشير وحدة الدراسات الاقتصادية (EIU)، أنه مع تباطؤ الزيادة في إنتاج روسيا من النفط، فإن المكاسب التي ستجنيها روسيا من مشاريع المياه العميقة والعمليات الخارجية الجديدة سوف تحسم استمرار زيادة الإمدادات النفطية من الدول غير الأعضاء بمنظمة الأوبك قرب معدلات السنوات القليلة الماضية. إلا انه بالرغم من ذلك فإن العائدات الضخمة التي حققتها مؤخرا لم تؤدي إلى زيادة الإنفاق على عمليات الاستكشاف والإنتاج، كما أن غالبية شركات النفط الدولية الرئيسية فضلت الاستثمار في إعادة شراء أسهمها بالإضافة إلى الاستثمار في مشاريع الأخرى.
© 2005 تقرير مينا(www.menareport.com)