دراسة شاملة تجريها بوز ألن هاملتون لتعزيز نمو قطاع التأمين وقدرته التنافسية في العالم العربي

تاريخ النشر: 03 يونيو 2007 - 08:15 GMT

أجرت بوز ألن هاملتون بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي دراسة عن قطاع التأمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهدف تعزيز نموّ هذا القطاع وقدرته التنافسية. وحدّدت الدراسة القضايا الحيوية التي يجب التطرق إليها بالنظر إلى خمس ركائز نمو رئيسية، وهي تحديداً: الإطار القانوني، والجهات المنظّمة والإجراءات التنظيمية، وطبيعة المنافسة، والمهارات والتدريب، والمبادرات على مستوى قطاع التأمين.
وقال بيتر فايانوس، نائب رئيس في بوز ألن هاملتون، شركة عالمية لاستشارات الإدارة بمكاتب في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "إن التوصية الرئيسية التي نقترحها موجّهة للجهات المنظمة، وذلك لتتخذ إجراءات فورية تجري من خلالها تقييماً لقطاع التأمين في بلدانهم مقابل ركائز النمو هذه، بما يسد الفجوات المحددة، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المحلية".
وأضاف: "يكمن هدفنا من هذه الدراسة في الترويج لنمو قطاع التأمين وما يتسم به من تنافسية في العالم العربي من خلال تحديد الركائز الرئيسية، وتقييمها ضمن الأوضاع الحالية في السوق، ومن ثم اقترح سياسات بديلة".

الإطار القانوني
أظهرت الدراسات التي أجرتها بوز ألن هاملتون تبايناً كبيراً على المستوى القانوني والتنظيمي في مدى تطوّر الأطر القانونية التي تحكم أسواق التأمين في المنطقة.  فحتى زمن قريب، كانت غالبية بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال تعمل بموجب قوانين وأنظمة قديمة لا تتماشى مع روح العصر والتطوّر في صناعة التأمين.  حتى إنّ قانون التأمين كان غائباً تماماً في بعض منها.  إلاّ أنّ السنوات القليلة الماضية شهدّت جهوداً حثيثة في عدد من البلدان لتحديث الأطر التنظيمية وسنّ قوانين جديدة في مجال التأمين، و تعزيز استقلالية الجهات المنظّمة وقدراتها الرقابية بما يتماشى مع المبادئ الأساسية للاتحاد الدولي لمراقبي التأمين (IAIS). هذا بالإضافة إلى إصدار توجيهات تتناول على سبيل المثال أسس تنظيم شركات التأمين وإدارتها (تطبيق مبادئ الحوكمة)، وأساليب مراقبة سلوكيات السوق وإدارة المخاطر.    
وعلى الرّغم من ذلك، لا يزال التفاوت كبير بين بلدان المنطقة لجهة شمولية الأطر القانونية ومدى تطبيقها، ممّا يحتّم على الجهات المنظّمة تحديث الأطر التنظيمية، حيث اقتضى الأمر، حتى تتناسب مع السياسات والمعايير الدولية، كالمعايير والمبادئ الأساسية للاتحاد الدولي لمراقبي التأمين،. هذا ويجب على صانعي السياسات إنشاء سلطة قضائية متخصّصة تتولّى تسوية نزاعات التأمين.   كذلك لا بدّ من إصدار القوانين والتشريعات الملائمة لتنظيم التأمين التكافلي في البلدان التي تشهد طلباً متنامياً على هذا النوع من الخدمات التأمينية.

الجهات المنظمة والإجراءات التنظيمية
ثمة تفاوت كبير بين بلدان المنطقة من حيث شمولية الإجراءات التنظيمية وفعاليتها، وبخاصة الإجراءات الرقابية. فبعض البلدان، مثل البحرين والأردن، حيث الأطر التنظيمية متطورة ، بدأ تطوير أو تطبيق إجراءات رقابية مبنية على المخاطر في السوق (risk-based supervision) وذلك تماشياً مع معايير الأجهزة والهيئات الرقابية الدولية، كالاتحاد الدولي لمراقبي التأمين.  وفي بلدان أخرى، مثل قطر والكويت والإمارات العربية المتحدة، لا تزال الإجراءات الرقابية أقل تطوراً ومحصورة بأعمال إدارية بشكل عام.
وقال ماهر حمّود، مدير مشاريع في بوز ألن هاملتون: "في موازاة تحديث الأطر التنظيمية، يجب على صانعي السياسات تفعيل دور الجهات المنظّمة عبر تضمين القوانين والأنظمة ذات الصلة الأحكام الخاصة بتحديد الشكل القانوني للهيئة، وضمان استقلاليتها، ومنحها الصلاحيات والاختصاصات اللازمة، وتوضيح أي تداخل في المسؤوليات مع الجهات الحكومية الأخرى".
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تسعى الجهات المنظمة من جانبها من أجل تعزيز قدراتها الرقابية ( بما يشمل قدرات الكوادر البشرية والتقنية)، على أن تراعي المعايير والمبادئ التوجيهية المندرجة في سياق المبادئ الأساسية للاتحاد الدولي لمراقبي التأمين.

طبيعة المنافسة
تعدّ أسواق التأمين في الشرق الأوسط تنافسيةً في شكل عام، وبرغم ما يؤدّيه القطاع الخاص من دور حيويّ في صناعة التأمين، فإنّ هذه الأسواق لا تزال مجزأة تتّسم بعدد كبير من مقدّمي الخدمة الصغار، قياساً إلى حجم رأس المال المستخدم. 
وهذا التدّني في مستوى رأس المال نسبةً إلى حجم المخاطر في السوق له انعكاسات وتشعّبات عدّة تترجم على مستوى صناعة التأمين عموماً، بتأمين المخاطر خارج المنطقة مباشرةً عبر وسطاء تأمين دوليّين، أو تحمّل شركات التأمين المحلية نسبةً ضئيلة من المخاطر وتحويل النسبة الأكبر إلى شركات إعادة تأمين دولية. 
وقال حمّود: "نتيجة هذا النقص في القدرة على تحمّل المخاطر، لا تزال المنطقة تفتقر إلى القدرات المتطوّرة في إدارة المخاطر وخبراء التأمين، ما ينتج منه اعتماد غير متوازن على شركات إعادة التأمين الدولية في تقييم المخاطر وتوفير آليات التسعير الملائمة".
وتقترح بوز ألن هاملتون أنه يجب على الجهات المنظمة رفع مستوى المنافسة من خلال زيادة الحدّ الأدنى لرأس المال المطلوب وتطبيق تقنيات الحوكمة وإدارة المخاطر.  ففي الأسواق "المجزأة" يجب بحث سبل رفع الحدّ الأدنى لرأس المال المطلوب، بهدف تشجيع اندماج الكيانات الصغيرة وزيادة القدرة على تحمّل المخاطر، ممّا يسهّل بدوره قيام شركات محلية أكبر حجماً تمتلك الموارد الكافية لتأمين القدرات الضرورية وخفض مستوى الاعتماد على شركات إعادة التأمين الدولية.
أمّا في ما يتعّلق بالحوكمة، فيجب أن تطبّق الجهات المنظّمة حداً أدنى من قواعد حوكمة الشركات، مثل إنشاء وحدات وظيفية داخلية (كالمراجعة الداخلية)، ووضع المعايير الملائمة المتعلقة بدور أعضاء مجلس الإدارة والإدارة العليا، وإعداد كتيّبات السياسات والإجراءات، وصياغة سياسة استثمارية خاضعة لمراجعة مجالس إدارة الشركات وموافقتها.
ويتعيّن على الجهات المنظمة في البلدان التي يزداد فيها الطلب على التأمين التكافلي اعتماد أساليب إدارة المخاطر المناسبة وتطبيقها أخذاًَ في الاعتبار العلاقات التعاقدية في منتجات التأمين الإسلامي. 

المهارات والتدريب
يفتقر قطاع التأمين في المنطقة إلى الاختصاصات والمهارات الضرورية، لا سيّما في مجال تصميم المنتجات التأمينية والاكتتاب وخبراء التأمين، ما يعوق التطوّر والتقدّم في قطاع التأمين، بخاصة لجهة ابتكار المنتجات الجديدة وتقييم المخاطر وتحديد الأسعار.  وممّا يزيد الوضع تعقيداً موجب التوطين المفروض في بعض البلدان وانعكاساته على المدّة المطلوبة لتدريب الموظّفين وتأهيلهم للمناصب الرئيسية، وعلى توفّر مناصب جاذبة في بعض مجالات أخرى في قطاع الخدمات المالية.
ولعلّ أحد الشروط اللازمة لتطوير قطاع التأمين العمل على تطوير مجموعة المهارات المحلية في الخدمات التأمينية في ظلّ النقص الحادّ في ذوي المقدرة والاختصاص في هذا الميدان.  من هنا يتوجّب على صانعي السياسات والجهات المنظمّة أداء دور المحفّز في تطوير المعارف المهنية بالطرق الثلاث التالية:  
• تحديد المؤهلات المهنية وشروط الاعتماد في مهنة التأمين. هناك حدّ أدنى متعارف عليه من المؤهلات المهنية للعاملين في الخدمات التأمينية تستوجب إلى جانب التحصيل العلمي العام امتلاك مؤهلات متخصصة في قطاع التأمين.  يمكن للجهات المنظمة التأثير في السوق ورفع مستوى معايير البرامج التدريبية باعتماد برامج معترف بها دولياً وبرامج محلية  تلبيّ الحدّ الأدنى من المعايير المطلوبة.
• تنظيم برامج تدريبية متخصصة.  يمكن أن يتولى مهمة تنظيم البرامج التدريبية الجهة المنظمة، أو الأطراف المعنيّون بصناعة التأمين (كاتحادات شركات التأمين والشركات نفسها)، أو القطاع الخاص مع ازدياد الطلب على هذا النوع من التدريب.  ويجب على الجهات المنظمة في البلدان التي تشهد طلباً متسارعاً على التأمين التكافلي الحرص على توفّر البرامج التدريبية لتثقيف السوق وتزويده بالمعارف اللازمة لاستخدام هذه المنتجات الجديدة نسبياً.   
• تشجيع الشركات على إنماء معارف موظفيها.  تستطيع الجهات المنظّمة أن تفرض على الشركات المساهمة بفعالية أكبر في إنماء خبرات موظفيها من خلال رصد ميزانيات خاصة للتدريب وإعداد برامج تدريبية للموظفين.    

المبادرات على مستوى قطاع التأمين
إنّ تشجيع مشاركة الهيئات والأجهزة المختلفة في صناعة التأمين، على المستوى المحلي أو الإقليمي، هو إحدى الركائز الأساسية لتطوير سوق التأمين، كونه يسهّل توحيد المعايير والنشاطات وتبادل الخبرات وأساليب العمل الناجحة.  وتؤدّي الجهات المنظّمة وواضعو السياسات دوراً حيوياً في تعزيز مشاركة الجمعيات والاتحادات التأمينية، وتشجيع اعتماد المعايير القياسية، وتوفّر الإحصاءات المفصّلة، وتزويد المستهلكين بالمعلومات اللازمة عن الخدمات والمنتجات التأمينية، والارتقاء بمستوى صناعة التأمين بما يمكّنها من اجتذاب المواهب الجديدة.
نذكر على سبيل المثال ما أحرزته ماليزيا من نجاح في تسويق منتجات التأمين على الحياة بين المستهلكين.  ففي عام 2003، أطلق بنك نيغارا (البنك المركزي ومنظّم قطاع التأمين في ماليزيا) بالتعاون مع جهات معنية أخرى في صناعة التأمين، مبادرة مشتركة أطلق عليها اسم "InsuranceInfo" تناولت مواضيع مختلفة، كخدمة التأمين على الحياة ومعاشات التأمين وخطط التأمين المرتبطة بالاستثمار وخطط تعليم الأطفال.  وتمّ تعميم هذه المعلومات عبر موقع إلكتروني خاص وكتيبات وزّعت في فروع بعض شركات التأمين، وعبر مقالات خاصة نشرت في أبرز الصحف المحلية.  وقد ساهم هذا البرنامج في تطوير سوق خدمات التأمين على الحياة، إذ بلغت قيمة أقساط التأمين 4.8 مليار دولار أميركي في عام 2005، أي ما يوازي ثلاثة أضعاف قيمة أقساط التأمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكملها.

© 2007 تقرير مينا(www.menareport.com)