ألقى الخبير الاقتصادي العالمي الدكتور محمد العريان، عضو المجلس الاستشاري الدولي لمجموعة بنك الكويت الوطني والرئيس التنفيذي لشركة بيمكو العالمية، مساء امس محاضرة خاصة أمام نخبة مختارة من كبار عملاء وضيوف بنك الكويت الوطني حول تداعيات وتحديات الأزمة المالية العالمية و سبل معالجتها وذلك في مقر الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.
وفي محاضرته التي حملت عنوان "تأملات في الأزمة المالية العالمية وعالم مابعد الأزمة" و استعرض الدكتورالعريان،الذي كان يتحدث أمام حشد من كبار المسؤولين في بنك الكويت الوطني وجمهور يضم نخبة من المصرفيين والخبراء الماليين والاقتصاديين، بتسليط الضوء على أسباب الأزمة المالية وتداعياتها علاوة على السيناريوهات الأمثل لما أسماه "الإبحار" في خضم مرحلة مابعد الأزمة، داعياً الكويت بصورة خاصة وبلدان مجلس التعاون الخليجي بصورة عامة إلى زيادة الإنفاق الحكومي إذا ما أرادت تفادي التداعيات الكارثية المباشرة للأزمة.
وأوضح العريان أن بلدان مجلس التعاون الخليجي ستبقى في وضع أفضل نسبياً على صعيد معاناة آثار الأزمة وتداعياتها طالما أنها تنتهج سياسات تقوم على ضبط ظاهرة التراجع الاقتصادي وإدارتها بصورة صحيحة، مضيفاً أنه لابد من زيادة الإنفاق الحكومي في هذه البلدان خاصة في البنية التحتية و المشاريع الكبرى إذا ما أرادت تفادي الوقوع في براثن التداعيات المتصاعدة للأزمة.
وأشار العريان إلى أن تقاعس القوى الدافعة الأضخم للاقتصاد العالمي وانكماشها هو الذي أفضى لما نشهده الآن من إجراءات وسياسات تصحيحية غير مسبوقة، موضحاً أن الأزمة المالية العالمية الراهنة ستفضي إلى تبدلات جوهرية تشتمل على تغيير جذري في الأدوار، ولاسيما لجهة ممارسة المزيد من الضبط والمراقبة من جانب الحكومات التي سيتحول دورها من متفرج ومشجع للفريق إلى لاعب أساسي وسط الملعب، علاوة على التبدل الجذري في دور البنوك التي ستتحول لمجرد أدوات وذلك بالتزامن مع التوجه نحو ادارة المخاطر بصورة افضل لتفادي المخاطر.
وخلص العريان إلى القول: " إن ما نحتاجه جميعاً هو أن تكون لدينا إستراتيجيات واضحة سواء للإبحار في خضم هذه الأزمة أو لجهة الوصول التي نقصدها وليس أمامنا من سبيل للعودة إلى العالم القديم، وينبغي علينا مواجهة المسؤوليات الملقاة على عاتقنا للإبحار برؤية واضحة للوصول إلى بر الأمان وهو أمر ليس باليسير، ولهذا يتوجب علينا بداية أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي: هل لدينا بالفعل إستراتيجيات واضحة لمسار الرحلة والمآل الذي نتطلع لبلوغه؟ ".
وأعرب الدكتور العريان في مستهل محاضرته عن اعتزازه البالغ لتمتعه بعضوية المجلس الاستشاري العالمي لمجموعة بنك الكويت الوطني قبل أن يشير إلى جسامة الأزمة الاقتصادية العالمية التي تشكل الموضوع الرئيس لمحاضرته بقوله " إن ما نشهده ونعيشه الآن ليس مجرد أزمة في النظام العالمي وإنما هي أزمة في بنية النظام العالمي بحد ذاته".
وأوضح العريان أن ثمة ثلاثة نتائج رئيسية يمكن استخلاصها من مجريات الأزمة المالية العالمية حتى الآن، أولها يتمثل في أن انعدام آليات التحكم والضبط قد دفع باتجاه تفاقم الأزمة بصورة أشد وأكبر، وثانيها أن فشل النظام المالي العالمي على إعادة التصحيح ستفضي إلى عملية تحول هذا النظام بالذات، مضيفاً أنه يمكن تلخيص الاستنتاج الثالث الذي تم استخلاصه من هذه الأزمة بتعبير دأبنا على استخدامه على مدى الشهور العشرة التي أنقضت منذ اندلاع الأزمة ويتمثل في "توقع كل ما هو غير متوقع".
وعرض العريان بشيء من التفصيل للتفاقم المضطرد الذي تشهده الأزمة، مرجعاً الأمر إلى ثلاثة أسباب رئيسية تتمثل في: الضعف البنيوي للنظام وكيفية إدارة المخاطر، وعجز التطور التقني الهائل على صعيد البنية المالية التحتية عن تلبية احتياجات القاعدة المتنامية للنظام المالي العالمي، مشيراً إلى أن هذه الأسباب الثلاثة "قد أفضت بنا إلى مواجهة هذا الوضع غير المستقر".
وأضاف الدكتور العريان أن تفاقم الأزمة بهذا القدر من الزخم المتزايد أدى إلى تراجع و انكماش واضح في عدد من القطاعات الرئيسية للاقتصاد الأمريكي كالإسكان، والصناعة المصرفية والقدرة الشرائية للمستهلك. وأوضح أن بداية الأزمة في الاقتصاد الأمريكي تعود إلى عام 2006 مع اندلاع أزمة الرهن العقاري التي أعقبتها الأزمة المالية في النظام المصرفي عام 2007وصولاً إلى صيف عام 2008 الذي شهد تراجع القوة الشرائية للمستهلك. وقال أنه كان من الممكن أن تقتصر حدود هذه الأزمة وامتداداتها على الولايات المتحدة الأمريكية لو أن ماحدث في الخامس عشر من سبتمبر2008 لم يحدث، مشيراً بذلك إلى أنه " اليوم الذي أعلن فيه انهيار بنك ليمان برذرز Lehman Brothers" وهو " اليوم الذي أصيب فيه النظام المالي العالمي بسكتة قلبية".
وكانت الندوة قد انطلقت بكلمة موجزة ألقاها الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني ، إبراهيم شكري دبدوب، رحب فيها بالحضور وبضيف الوطني والمتحدث في الندوة الدكتور محمد العريان، معرباً عن اعتزازه باستضافة الوطني لأحد أبرز الكفاءات العربية القليلة التي نجحت في تبؤ مكانة مرموقة على الصعيد العالمي، واستعرض دبدوب بإيجاز السيرة اللافتة للدكتور العريان الذي حصل على شهادته الجامعية العليا في الاقتصاد من جامعة كامبريدج قبل نيله شهادتي الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، ومن ثم عمله لمدة 15 عاماً لدى صندوق النقد الدولي في واشنطن قبل تحوله للعمل في القطاع الخاص وتوليه للعديد من المناصب التنفيذية في كبريات المؤسسات المالية في العالم.وأكد دبدوب في كلمته على حرص الوطني على تعريف عملائه بأهم ما يدور من تطورات وتغيرات حول العالم.
© 2009 تقرير مينا(www.menareport.com)