ما هي البلدان الأرخص سعراً للبنزين في الشرق الأوسط؟

تاريخ النشر: 20 مايو 2013 - 08:47 GMT
انّ قياس السعر بمعايير مطلقة ليس منطقياً للمقارنة بين البلدان
انّ قياس السعر بمعايير مطلقة ليس منطقياً للمقارنة بين البلدان

تُمثّل الإعانات النفطية التي توفرها حكومات كثيرة _ تحديداً في منطقة الشرق الأوسط _ مادّة دسمة للنقاش حول السياسات المالية وكيفية دعم الفقراء، وخصوصاً من منظور صندوق النقد الدولي. فأسعار المحروقات إجمالاً، تماماً كأسعار الغذاء، تُطلق مع ارتفاعها إلى مستويات عليا، شرارة اضطرابات اجتماعيّة نظراً إلى حيوية هذه السلعة في الحياة اليومية، من التدفئة وصولاً إلى النقل. في المقابل يؤدّي دعمها إلى «استنزاف» موارد من المالية العامّة (برأي الصندوق في الحدّ الأدنى).

هكذا تختلف سياسات الدعم أو عدمه بين بلد وآخر، ومعها الأسعار التي تتوافر للمستهلكين أو تُفرض عليهم. إجمالاً تتحدّد السياسات في هذا الإطار طبقاً لمعطيات عديدة منها: مدى غنى البلد المعني بالموارد البترولية؛ مستوى الفائض أو العجز في المالية العامّة؛ السياسة العامّة التي تعتمدها الحكومة لمعالجة ملفّاتها الاجتماعيّة.

يعدّ لبنان من البلدان المرهونة للخارج لتأمين حاجاتها النفطية. أسعار المحروقات التي تسود هذه السوق ترتبط مباشرة بالسعر العالمي للنفط الخام، وبين الفينة والأخرى يجري تعديل الإجراءات المتخذة على هذا الصعيد. وفي جميع الأوقات يئنّ المستهلكون من الأسعار المرتفعة رغم أنّهم يعتادونها في كثير من الأوقات بحكم الواقع، حيث يعدّلون ميزانيّاتهم لمواكبتها نظراً إلى عدم وجود بديل.

انطلاقاً من هذه المعطيات تُعدّ منظّمة «GTZ» مسحاً سنوياً لقياس أسعار المحروقات عالمياً. تقول إنّ الهدف من المسح، ومن جهودها إجمالاً، هو رسم لوحة تؤدّي إلى اعتماد سياسات تروّج للتنمية الاقتصادية ولتطبيق الإصلاحات المالية والاجتماعية.

بحسب المسح الأخير الذي أعدّته المنظمة وشمل 167 بلداً، وهو نسخة عام 2013، يحلّ لبنان في المرتبة 42 عالمياً وفقاً لمؤشّر «أرخص سعر بنزين». هذا يعني أن لبنان هو في مجموعة الثلث الأوّل من حيث الأسعار الأرخص.

أمّا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيقع لبنان في المرتبة 15 بين 22 اقتصاداً، حيث يفوق سعر البنزين السائد فيه ذلك المسجّل في تونس، سوريا والسودان، ويُعدّ أدنى من أسعار المغرب، موريتانيا والأردن.

بحسب البيانات، يبلغ سعر الليتر الواحد من البنزين في لبنان 1.11 دولار، وهو المستوى الذي كان سائداً في منتصف تشرين الثاني 2012؛ حينها كان سعر برميل النفط الذي يُتداول في لندن _ والذي يُعدّ المعيار العالمي لتسعير المشتقات النفطية _ عند 110 دولارات. اليوم السعر هو أدنى بنسبة 5.6% حيث أغلق في الجلسة الأخيرة عند 103.8 دولارات. كذلك فإنّ سعر صفيحة البنزين الذي سُجّل لدى إجراء المسح كان عند 33 ألف ليرة لنوع «95 أوكتان» و33700 ليرة لنوع «98 أوكتان». ووفقاً لجدول تركيب أسعار المحروقات الذي أصدرته وزارة الطاقة الأسبوع الماضي، فالسعر اليوم هو 32200 ليرة و32900 ليرة على التوالي.

غير أنّ اختلاف الأسعار خلال الفترة المذكورة لا يُلغي أهمية المؤشّر ودلالاته عن وضعية البلدان في مجال أسعار المحروقات.

بحسب المسح، يُصنّف لبنان في مجموعة البلدان التي تفرض ضرائب على البنزين. ويراوح سعر ليتر البنزين في البلدان التي تنتمي إلى هذه المجموعة بين 0.97 دولار _ كما هي الحال عليه في الولايات المتّحدة _ وبين 1.63 دولار وهو السعر المسجّل في لوكسمبورغ. ولكن هناك أيضاً مجموعة البلدان التي تفرض «ضرائب مرتفعة جداً». هنا تُصبح أسعار البنزين الأغلى عالمياً. في المنطقة التي ينتمي إليها لبنان تُصنّف أربعة بلدان في هذه المجموعة هي جيبوتي، فلسطين، إسرائيل إضافة إلى تركيا التي تفرض أعلى سعر بنزين بين البلدان الـ167.

في الضفّة المقابلة، هناك البلدان التي تؤمّن فيها الحكومات «إعانات عالية جداً» لأسعار المحروقات. وتتصدّر هذه المجموعة _ وبالتالي الترتيب في المنطقة _ ليبيا تليها السعودية ثمّ الكويت. وهي بلدان نفطيّة لها ثقل في الإنتاج العالمي، وبالتالي تؤمّن لمستهلكيها أسعاراً منخفضة جداً، تُثير غيرة الشعوب في البلدان المستهلكة للنفط مثل لبنان.

وبمستوى أدنى يرصد المسح أيضاً مجموعة من البلدان تفرض «إعانات» معتدلة لخفض أسعار المحروقات، وتحديداً البنزين. في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هناك ثلاثة بلدان تعتمد هذا الإجراء، هي السودان، سوريا وتونس.

وقد شهد لبنان خلال الأعوام الخمسة الماضية لحظات دراميّة حقيقيّة في قطاع المحروقات. وصلت الأمور بوزير الطاقة والمياه إلى الامتناع عن توقيع جدول أسعار المحروقات لارتفاع الأسعار عالمياً إلى مستويات عالية جداً، وعدم صياغة سياسة مدمجة محلياً في مجلس الوزراء لتخفيف وطأة الأسعار العالمية على المستهلك اللبناني.

يُشار هنا إلى أنّ قياس السعر بمعايير مطلقة ليس منطقياً للمقارنة بين البلدان. فلبنان لا يزال بين البلدان القليلة التي تفتقر إلى شبكة نقل عام محترمة، كما يفتقر إلى سياسة عامّة مدمجة لتحقيق فاعلية اقتصادية اجتماعية على هذا الصعيد.

ويُمكن العودة إلى عام 2004، لملاحظة كيفية تعاطي السلطة مع هذا الملفّ الذي يحمل مقوّمات شرارة الاضطرابات الاجتماعية، نظراً إلى أنّ لبنان بلد مستورد صاف للمحروقات، وهو يفتقر إلى شبكة نقل محترمة، ما يؤدّي إلى اعتماد الناس على سياراتهم الخاصة للتنقّل. حينها عمدت الحكومة إلى وضع سقف للأسعار التجارية، على اعتبار أن الأسعار عالمياً ستعود إلى الانخفاض. غير أنّ ذلك لم يحدث، كما يُلاحظ قسم الأبحاث في بنك «بيبلوس» في استعادته للمسار الذي مضى عليه هذا القطاع. استمرّ سعر الخام بالارتفاع إلى أنّ سجّل مستوى قياسياً تاريخياً في صيف عام 2008. ومع بداية 2009 قرّرت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة فرض رسم ثابت على الصفيحة (9520 ليرة) إضافة إلى وجود الضريبة على القيمة المضافة.

غير أنّ هذا الإجراء سقط بعدما عادت الأسعار إلى الارتفاع مجدداً. وبحلول شباط 2012، قرّرت الحكومة خفض الرسم المفروض بنسبة تفوق 50%. ولكن ليس البنزين المنتج النفطي الوحيد الذي يُعدّ حيوياً وتنعكس أسعاره على المؤشرات الاجتماعية المختلفة. هناك أيضاً المازوت الذي تعتمد عليه فئة كبيرة من المقيمين في لبنان للتدفئة والنقل وصولاً إلى الصناعة.

وبحسب مسح «GTZ»، يحلّ لبنان في المرتبة 34 عالمياً والمرتبة 15 إقليمياً لناحية «أرخص سعر ليتر مازوت»، مع العلم بأنّ المسح السابق صنّفه في المرتبة 30 عالمياً و16 إقليمياً.

يُشار إلى أنّه خلال الأعوام الماضية، تحوّلت سياسة دعم المازوت إلى فرصة لقلّة من التجّار لتحقيق أرباح غير اعتياديّة عبر حجز المخزونات وفرض أسعار مرتفعة في أوقات الدعم.