لا تزال بلاد الشمس والنفط غير قادرة على الاستفادة القصوى من أهم مصدرين للطاقة في كرتنا الأرضية، وبدلا من أن تتكامل الطاقة الشمسية والطاقة الأحفورية لتعزيز قدرات السعودية من الطاقة، فإن الجزء الأكبر من الاستهلاك النفطي يستخدم لتخفيف حرارة الشمس فتصبح الخسارة مضاعفة. استهلاك مرتفع للوقود يهدد حجم الصادرات النفطية، وخسارة كميات هائلة من الطاقة تسقط على بلادنا على هيئة أشعة شمسية.
ومع حلول فصل الصيف وزيادة معدل الاستهلاك سيعود الحديث عن حجم استهلاك المملكة من النفط وتأثيره على حجم العرض في الأسواق العالمية وعلى قدراتها الإنتاجية. وعلى الرغم من تطمينات الجهات المسؤولة عن قطاع الطاقة، واستعراض استراتيجياتها ومساعيها في الاستفادة من جميع مصادر الطاقة سواء الأحفورية أو الشمسية، الرياح، حرارة الأرض، والطاقة النووية، إلا أن التقدم في تطبيق هذه الاستراتيجيات ما زال بطيئا وأقل من المأمول. وبحسب الدكتور عمرو القطب أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة الملك فهد فإن تراجع الاهتمام بالطاقة الشمسية في المملكة في التسعينيات كان لأسباب اقتصادية، وكان متزامنا مع نقص الاهتمام في جميع دول العالم حيث كانت الطاقة الأحفورية رخيصة جدا في الثمانينيات والتسعينيات، وفي بداية الألفية الثالثة، كما أن تقنيات الطاقة الشمسية كانت مكلفة جدا، وبذلك اختفت المحفزات الحقيقية لاستمرار الاستثمار في الطاقة الشمسية. وأضاف "مع ارتفاع أسعار النفط والغاز عاد الحديث عن الطاقة المتجددة عموما، وتفوقت طاقة الرياح اقتصاديا على الطاقة الشمسية في العالم الغربي، ولكن في المملكة والخليج تظل الطاقة الشمسية الخيار الأمثل. وكانت المملكة قد بدأت مبكرا في الاستثمار في الطاقة الشمسية من خلال قرية العيينة التي بدأت في عام 1980 إنتاج 350 كيلوواط من الطاقة الشمسية كأحد أكبر مشاريع الأنظمة الشمسية في العالم في ذلك الوقت، وكانت الطاقة الشمسية هي مصدر الكهرباء في بعض القرى المجاورة للرياض في أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، ولكن العوامل الاقتصادية وانخفاض أسعار مصادر الطاقة الأحفورية أوقف التقدم في هذا المجال وأصبحت قرية العيينة الشمسية مجرد أطلال. وتقع المملكة ضمن ما يسمى بالحزام الشمسي.
ويقدَّر متوسط طاقة أشعة الشمس الساقطة على أراضيها بنحو 2200 كيلوواط في الساعة لكل متر مربع وتبلغ متوسط مدة وفرة الإشعاع الشمسي على المملكة 8.89 ساعة في اليوم. وتمتد حدود المملكة لتشمل نطاقات واسعة من الأراضي الصحراوية الخالية من العمران والسكان، وتتميز غالبا بسماء صافية على مدار السنة، ما يجعلها من أكبر منتجي الطاقة الشمسية باستخدام الخلايا الكهروضوئية، وتُعد المنطقة الجنوبية غربية والمنطقة الوسطى، من أغنى المناطق في المملكة بالإشعاع الشمسي والخالية من الكثبان الرملية والرمال المتحركة الموجودة في صحارى النفود والدهناء والربع الخالي التي لا تصلح لإنشاء محطات الطاقة الشمسية.
إلى ذلك يوضح الدكتور قطب أن المنطقة الواقعة بين مدار الجدي ومدار السرطان تتميز بنسبة سطوع مرتفعة جدا وهي المنطقة التي يسكنها معظم سكان العالم لذلك فإن الفروقات بين الأقاليم في نسبة السطوع ليست كبيرة والعلاقة بين ارتفاع درجة الحرارة ونسبة السطوع ليست علاقة مباشرة، وقال: إن ذروة نسبة السطوع في المملكة تصل إلى 13 كيلوواط للمتر المربع في اليوم بينما يتجاوز المعدل العام سبعة كيلوواط للمتر المربع في اليوم. وأكد أن الطاقة الشمسية هي الخيار الاستراتيجي الأجدى في المملكة، كون اشتداد الطلب على الطاقة يتزامن مع شدة سطوع الشمس، ولأن أكثر من نصف استهلاك المملكة في التبريد، وتمتد ذروة الحمل من التاسعة صباحا إلى الثالثة ظهرا وهي فترة تكون غنية جدا بالطاقة الشمسية. وقد أطلقت المملكة في السنوات الأخيرة عدة مبادرات لتفعيل الطاقة الشمسية أهمها المبادرة الوطنية لإنتاج المياه والكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية التي تقوم بها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ومشروع الإنتاج الكهربائي بالطاقة الشمسية الخاص في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بسعة 2 ميجاواط، ومشروع "أرامكو" السعودية بتغطية مواقف سيارات بألواح الخلايا الضوئية لتزويد المجمع الشمالي بالظهران بـ 10 ميجاواط من الكهرباء، ومشروع مماثل في الرياض لمركز الملك عبد الله للبترول والعلوم والأبحاث التطبيقية ومشروع كهرباء جزيرة فرسان في منطقة جازان الذي تقوم به شركة الكهرباء السعودية، وبعد العيينة ستكون فرسان ثاني مدينة سعودية يصلها التيار الكهربائي عن طريق الطاقة الشمسية. كما أنشأت وزارة التعليم العالي مركز التميز البحثي في الطاقة المتجددة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران يتخصص المركز في المجالات البحثية للطاقة الشمسية، واقتصاد الطاقة المتجددة، وخلايا الوقود، والبنية التحتية للطاقة الكهربائية طاقة الرياح، وطاقة التخزين. ويهدف المركز إلى بناء بنية تحتية للأبحاث في مجال الطاقة المتجددة، وإجراء البحوث والتطوير في مجال الطاقة المتجددة، وإقامة تعاون مع الجهات المتخصصة محليا وإقليميا ودوليا التي تعمل في مجال الطاقة المتجددة، وتشجيع التنمية الاقتصادية من خلال التطوير والتسويق لتكنولوجيات الطاقة المتجددة، وتشجيع تطبيق تكنولوجيات الطاقة المتجددة في المملكة.
من جهتها نفذت جامعة الملك فهد مشاريع بحثية عديدة مع جامعة إم آي تي في الطاقة الشمسية نشر على أثرها العديد من الأوراق العلمية وحصدت العديد من براءات الاختراع. يقول الدكتور سيد سعيد أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن: إن المملكة دخلت بقوة في الأبحاث والتطبيقات الخاصة في الطاقة الشمسية، وأن هناك مشاريع تقوم بها عدد من الجهات بدعم من مدينة الملك عبد الله للطاقة المتجددة والطاقة الذرية مشيرا إلى أن التقنيات تقدمت كثيرا في هذا المجال وارتفعت كفاءة الخلايا الضوئية ووصلت إلى 25 في المائة، كما أن هناك تقدما مستمرا في كفاءة الألواح وتقليل تكلفتها. وقال: إن انخفاض أسعار أنظمة الطاقة الشمسية ووقوع المملكة ضمن الحزام الشمسي يجعل من الطاقة الشمسية خيارا مثاليا يمكن المملكة من توفير طاقتها الأحفورية لبيعها بقيمة مرتفعة وترشيد استهلاكها بشكل يضمن مستقبل الأجيال المقبلة، كما أن تخفيف استخدام المصادر الأحفورية أصبح التزاما أدبيا تفرضه معطيات بيئية. وأضاف أن النموذج الأمثل في المملكة استخدام نظام طاقة خليط يتكون من الطاقة الأحفورية والشمسية وطاقة الرياح وطاقة الحرارة الأرضية والطاقة النووية، كما يجب ترشيد الاستهلاك ورفع كفاءة الأنظمة المستهلكة للطاقة.
ويوضح الدكتور عمرو القطب طريقة عمل الأنظمة الشمسية قائلا: إنها تعمل بمبدأين الأول التركيز الحراري، حيث يتم تركيز حرارة الشمس لتسخين الماء وتشغيل المحركات البخارية والتوربينات الحرارية والمبدأ الثاني استخدام الخلايا الضوئية التي تحول الضوء إلى حرارة، وقد انخفضت تكلفة هذه التقنية بعد دخول الصين هذا المجال. وبين قطب أن التنبؤ بمستقبل الطاقة الشمسية صعب، لأن العامل الاقتصادي يبقى المحرك الأهم، ومع انخفاض سعر الغاز واحتمال انخفاض أسعار النفط مع ظهور مصادر الغاز والنفط غير التقليدية فإن الحافز الاقتصادي قد يتضاءل، ولكن يبقى هناك عوامل بيئية ستبقي الطاقة الشمسية محط اهتمام العالم. وقال: "في المملكة يظل استخدام الطاقة الشمسية استراتيجيا بغض النظر عن العوائد الاقتصادية، لأن استهلاكنا الطاقة الأحفورية في تزايد مستمر وإذا استمر بهذا المعدل فقد نضطر إلى استهلاك ما ننتجه بالكامل".