التنقيب عن الغاز يضع إسرائيل أمام تعقيدات عزلتها الإقليمية

تاريخ النشر: 19 يونيو 2012 - 10:00 GMT
ان إلغاء مصر لعقد إمداد الغاز في شهر نيسان الماضي يترك اسرائيل في نقص في مجال الطاقة حتى اواسط العام 2013
ان إلغاء مصر لعقد إمداد الغاز في شهر نيسان الماضي يترك اسرائيل في نقص في مجال الطاقة حتى اواسط العام 2013

تتحول حماسة إسرائيل نتيجة اكتشاف احتياطات الغاز الطبيعي في البحر الابيض المتوسط الى صداع حول كيفية حماية هذه المرافق أمنياً وقيود التعاون التجاري مع دول جوار تزداد عدائية لها ورسم طريق خط الأنابيب الافضل وصولاً الى الاسواق الاوروبية والآسيوية.

يتساءل تقرير أعده الباحث سيمون هيندرسون لـ«صندوق مارشال الالماني» في الولايات المتحدة هل أعمال التنقيب عن الغاز الطبيعي ستكون بالنسبة لإسرائيل «مصدر تعاون او وقوداً للتوتر»؟

تتوقع الحكومة الإسرائيلية بدء تدفق الغاز الطبيعي في حقل «تامار» العام المقبل، اضافة الى مخزون الطاقة في حقل «ليفياتان» الذي فيه «امكانية جعل اسرائيل مصدراً هاماً للطاقة مع بدء الانتاج في العام 2017»، لكن إلغاء مصر لعقد إمداد الغاز في شهر نيسان الماضي يترك اسرائيل في نقص في مجال الطاقة حتى اواسط العام 2013.

في البعد اللبناني لهذا الملف، يقول التقرير إنه على الرغم من ان احتمال اقامة علاقات ديبلوماسية بين اسرائيل ولبنان يبدو «غير محتمل»، فإن «الترتيب المؤقت» الذي يسمح لشركات التنقيب ان تقوم بعملها هو «المرجح». ويذكر ان «اسرائيل تأمل معالجة هذا الاشكال قريباً، لكن الحل من دون ان يقوم جانب او كلا الجانبين بتسوية حدودية يبدو مستحيلاً».

ويرى التقرير أن عدم نجاح إسرائيل في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية يعود الى ان هذه الشركات تعمل في الوقت نفسه في أماكن اخرى في المنطقة «في حين ما يزال النزاع الفلسطيني من دون حل. مثل هذه الشركات لا تريد على الارجح ان تعرّض عملياتها للخطر السياسي من خلال نشاط فعّال مع إسرائيل. إضافة الى ذلك، الشركات التي تعمل في تركيا ولبنان ربما لن ترغب ان تكون منخرطة في إسرائيل حتى تتم تسوية قضايا الحدود البحرية مع قبرص واسرائيل».

ويذكر التقرير أنه في ظل مشاركة شركة «نوبل» للطاقة في اعمال التنقيب في كل من اسرائيل وقبرص هناك «حافز اضافي للولايات المتحدة لتصبح منخرطة ديبلوماسياً وعسكرياً في تطوير الغاز الطبيعي في شرق البحر الابيض المتوسط»، مشيراً الى ان الولايات المتحدة شاركت في بداية هذا العام مع إسرائيل واليونان وقبرص (برغم انعدام قوتها البحرية) في مناورة بحرية، لكن «مشاركة القوات الاميركية في المنطقة يسبب صعوبات مع لبنان ومصر وتركيا الذين قد ينظرون الى مثل هذا النشاط بأنه غير ودي ديبلوماسياً. عضوية تركيا في الحلف الاطلسي يمكن ان تؤدي الى تعقيد إضافي».

ثمانية خيارات للتصدير

ويسرد التقرير ثمانية خيارات لتصدير الطاقة تنظر فيها الحكومة الاسرائيلية:

الخيار الاول، يتضمن انشاء مصنع اسرائيلي لتسييل الغاز الطبيعي على البحر المتوسط، بحيث يتمتع هذا المرفق بميزة امنية لحمايته، لكن هذه الفكرة يعترض عليها نشطاء البيئة. العقبة الاضافية لهذا الخيار انه قد لا تسمح السلطات المصرية بأن تمر ناقلات الغاز الطبيعي عبر قناة السويس.

الخيار الثاني، هو مصنع اسرائيلي لتسييل الغاز الطبيعي على ساحل البحر الأحمر قرب ميناء ايلات، وهذا يكون قريباً ايضاً من الأسواق الآسيوية لا سيما الهند، لكن يعترض عليه ايضاً نشطاء البيئة. ويذكر التقرير انه من الممكن ان يكون هذا المصنع «عرضة لاعتداء ارهابي او هجوم صاروخي من مصر والأردن والسعودية».

الخيار الثالث، هو مصنع على الشاطئ الجنوبي لقبرص، حيث يتم تشغيله بشكل مشترك، لكن هذا الامر «يعطي سيطرة اسرائيل على تصدير الغاز لبلد آخر»، كما يمكن أن «يتأثر بأي قيود تضعها السلطات المصرية» على عبور قناة السويس باتجاه الاسواق الآسيوية.

الخيار الرابع، هو محطة عائمة لتسييل الغاز الطبيعي فوق أو قرب حقل «ليفياتان»، لكن هذه الخطوة تتطلب كلفة كبيرة وسيكون «من الصعب حمايتها من اعتداء إرهابي او عسكري». مع أن هذا الخيار مقبول بيئياً، لكن المحطة العائمة فيها تكنولوجيا لم يتم اختبارها، كما مشكلة مرور البضائع عبر قناة السويس لا تزال قائمة.

الخيار الخامس، هو الاستفادة من قدرات تسييل الغاز الطبيعي في المرافق المصرية، ويقول التقرير في هذا السياق إنه «على الرغم أن المنطق التجاري جذاب فالعقبات السياسية لا يمكن تجاوزها على الأرجح، خصوصاً منذ سقوط نظام حسني مبارك سنة 2011».

الخيار السادس، هو خط أنابيب يعبر شمالي قبرص ثم البحر نحو تركيا، حيث يمكنه الانضمام الى خطوط الأنابيب التي تصبّ في الأسواق الاوروبية. يعتبر التقرير أن هذا الخيار هو الأكثر منطقياً من الناحية التجارية في حال لم يكن هناك قيود سياسية، لكن مرة أخرى يعطي سيطرة اسرائيل على التصدير الى قبرص وتركيا، واضافة الى ذلك هناك علاقة تاريخية معقدة بين تركيا وقبرص، وبين اسرائيل وتركيا نتيجة الاعتداء الاسرائيلي على سفينة مرمرة. ويذكر التقرير أن التعاون الاسرائيلي مع قبرص واليونان في مجال الطاقة «يزعج تركيا»، واحتمال تأثير الازمة الاقتصادية في اليونان على قبرص «قد يحد من ثقة المستثمر في المستقبل».

اما الخيار السابع، فهو خط طاقة كهربائي بحري من قبرص الى اليونان لربط الشبكة الاسرائيلية بالشبكة الاوروبية، وقد جرى الاتفاق بين قبرص واسرائيل على هذا الامر في آذار الماضي، ويمتد هذا الكابل البحري على 540 ميلاً وعمق 6,000 قدم.

الخيار الثامن والأخير، هو خط أنابيب غاز إلى الضفة الغربية أو الأردن، لكن هذا الأمر موضع شك بعد إلغاء القاهرة لعقود إمداد الغاز لإسرائيل، ويعتبر التقرير أن من وجهة النظر الأردنية او الفلسطينية هذا عقد يحتاج ان يترافق مع «ضمانة أميركية».

الضفة والقطاع والأردن: الاحتمالات

بالنسبة إلى الأراضي الفلسطينية، يذكر التقرير انه تم في العام 2000 اكتشاف الغاز الطبيعي في البحر المتوسط قبالة قطاع غزة لكن لم يتم استغلاله حتى الآن، وإسرائيل منعت تطوير التنقيب عن الغاز في هذا الجزء من الحقل معتبرة انه يمكن جره إلى أراضيها، وليس هناك اي محادثات حول هذه القضية منذ سيطرة حركة «حماس» على القطاع في العام 2006.

وفي الضفة الغربية، هناك احتمالات للتنقيب على النفط، لكن الأحقية في التنقيب قد يكون متنازع عليها، بحسب التقرير الذي يذكر ان طاقة الكهرباء في الضفة الغربية توفرها إسرائيل، لكن «إذا تأكدت السلطة الفلسطينية من ضمان إمدادات الغاز من إسرائيل يمكنها أن تبني محطاتها الخاصة لتوليد الطاقة».

كما يشير التقرير إلى أن الاردن يبحث عن مصادر للطاقة بعد عرقلة إمدادات الغاز الطبيعي من مصر منذ العام 2011 و«الخطوة المنطقية» ان يكون البديل الاسرائيلي من حقل «تامار» ابتداء من العام المقبل، لكن «مثل هذا الترتيب لن يكون مستساغاً سياسياً بالنسبة للرأي العام الاردني، لهذا تنظر عمان حالياً في استيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر. ايران عرضت ايضاً الإمدادات، لكنها لا تنتج الغاز الطبيعي المسال وليس هناك احتمال لإنشاء خط انابيب الى الاردن عبر العراق».

الاتجاه الاسرائيلي هو لبناء مصنع لتسييل الغاز الطبيعي بدل خط الأنابيب، لكن هذا الاستثمار الذي قد يصل الى 10 مليارات دولار او أكثر يحتاج الى «مشاركة مباشرة من شركة طاقة رئيسية مستعدة للمخاطرة بعلاقاتها مع شركاء تجاريين آخرين في الشرق الاوسط». ويتابع التقرير أن «سياسة الحكومة الاسرائيلية حول تطوير موارد جديدة للغاز الطبيعي كانت السماح للشركات التجارية باتخاذ زمام المبادرة فيما تعمل ضمن معالم وجهة نظر إسرائيل لاحتياجاتها الاستراتيجية».

ويقول التقرير إنه «على الرغم من عدم وجود اختلافات واضحة في الاهداف بين الحكومة الاسرائيلية و«نوبل» للطاقة وشركائها التجاريين الاسرائيليين، هناك توتر في هذه العلاقة. «نوبل» للطاقة تريد تسويق الاحتياطات التي اكتشفت مؤخراً باسرع وقت ممكن، فيما الحكومة الاسرائيلية تريد ان تتخذ نهجاً اكثر حذراً ومقاربة اكثر بطئاً».

البعد الأمني.. وكلفته

ومن الناحية الأمنية، يذكر التقرير أن مرافق الطاقة على الساحل معرضة لخطر الهجوم، وحتى السفن والقوارب والهيليكوبترات التي تتولى حمايتها، بينما عملية الإنتاج نفسها للغاز الطبيعي قد تكون آمنة، بما أنها تجري في عمق المياه. لكن موقع تسييل الغاز في حقل «تامار» في ميناء اشدود قد يكون «هدفاً جذاباً لأعداء اسرائيل»، بما ان كلفته تصل الى مليار دولار مع ارتفاع يصل الى 250 متراً. كما تفكر الحكومة الاسرائيلية بنشر صواريخ مضادة للطائرات على هذه المرافق لحمايتها «على الرغم من ان استخدام مثل هذه الاسلحة يتعارض مع معايير السلامة المفروضة بسبب خطر اشعال الغاز الطبيعي القابل للاشتعال بدرجة عالية». ويذكر التقرير أن هذه الصواريخ قد لا تكون كافية في حال تطور الهجوم الى نزاع على نطاق واسع.

أما إقامة محطة تسييل عائمة قرب حقل «ليفياتان» على بعد 100 ميل من الشاطئ «فستكون عرضة لاعتداء ارهابي من لبنان او سوريا»، وستكون قريبة من الحدود البحرية الاسرائيلية القبرصية التي لا تعترف بها أنقرة، لا سيما ان البحرية التركية جالت في هذه المنطقة البحرية وقامت فيها بمناورات بالذخيرة الحية لتأكيد وجهة نظرها. بينما المرافق في أشدود وعسقلان، بحسب التقرير، فهي ضمن مجال صواريخ حركة «حماس» في قطاع غزة وأن لدى «حزب الله» صواريخ يمكنها ان تصل الى تل ابيب وحيفا. ومن الجهة الأخرى ايلات عرضة لصواريخ من الاردن ومصر كما حصل مع صواريخ «كاتيوشا» من سيناء.