لقد أقر مجلس النواب، كما هو معلوم، في الجلسة التي عقدها بتاريخ 2/7/2012، عدداً من المشاريع واقتراحات القوانين ومن ضمنها اقتراح القانون المتعلق بتثبيت المياومين لدى مؤسسة كهرباء لبنان. وقد أدى هذا الإقرار إلى تعذر انعقاد الجلسة الاستكمالية التي كانت مقررة في اليوم التالي، وأيضاً إلى عدم انعقاد مجلس النواب مجدداً حتى الآن، وبقي بالتالي محضر الجلسة بدون تصديق، ومصير القوانين التي أقرّت "معلقاً"؟؟. وبسبب إقرار هذا القانون وربما لأسباب أخرى، طالب البعض من النواب، إعلامياً، "بانتظام العمل البرلماني وبتعديل النظام الداخلي للمجلس النيابي وصلاحية المجلس".
وإزاء هذا الوضع، قد يكون من المفيد، إلقاء الضوء، من النواحي الدستورية والقانونية على المسائل التالية:
1- طريقة التصويت.
2- التصديق على المحضر.
3- المطالبة الإعلامية بتعديل النظام الداخلي للمجلس النيابي وصلاحية مجلس النواب.
4- المقارنة بين النظام الداخلي للمجلس النيابي والنظام الداخلي لمجلس الوزراء.
أولاً، طريقة التصويت في مجلس النواب:
يجري التصويت، حسب المادة 36 من الدستور على الوجه التالي:
" تعطى الآراء بالتصويت الشفوي أو بطريقة القيام والجلوس، إلا في الحالة التي يراد فيها الانتخاب فتعطى بطريقة الاقتراع السري. أما فيما يختص بالقوانين عموماً أو بالاقتراع على مسألة الثقة، فإن الآراء تعطى دائماً بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم وبصوت عال".
إن النظام الداخلي للمجلس النيابي، أوضح في المادة81 أن التصويت يجري على مشاريع القوانين مادة مادة بطريقة رفع الأيدي. وبعد التصويت على المواد يطرح الموضوع بمجمله على التصويت بطريقة المناداة بالأسماء. وإذا حصلت شبهة حول أي تصويت جرى بطريقة رفع الأيدي وطلب خمسة نواب على الأقل إعادة التصويت، وجبت إعادته وإجراؤه بطريقة القيام والقعود أو بطريقة المناداة بالأسماء (المادة 88 من النظام الداخلي).
أن إعادة التصويت تتطلب، حسب المادة 88، توافر الشروط التالية:
أ- حصول شبهة حول طريقة التصويت برفع الأيدي.
ب- طلب خمسة نواب على الأقل إعادة التصويت، في الجلسة ذاتها، مباشرة وفوراً بعد حصول التصويت الذي رافقه الالتباس أو الشبهة.
وبالعودة إلى طريقة التصويت على اقتراح القانون المتعلق بالمياومين، فإنه يتبين أنه حصل عن طريقة رفع الأيدي، وانه لم تحصل أي شبهة أو التباس بحساب الأصوات، حيث كانت الأكثرية لمصلحة إقراره، في حين أن البعض اعتبر أنه حصلت شبهة، وفي حال افتراض حصولها فعلياً، فانه لم يطلب خمسة نواب إعادة التصويت في الجلسة ذاتها، كما تقضي بذلك المادة 88 المتقدم ذكرها، فيكون الإقرار قد تم والحالة هذه بصورة صحيحة. إن إجراء التصويت عن طريق رفع الأيدي، وإن أتى مخالفاً لأحكام المادة 36 من الدستور، لا يشكل سبباً لإعادة التصويت، باعتبار أن هذه الإعادة تتطلب حسب المادة 88 حصول شبهة أو التباس. وفي مطلق الأحوال، فإن إعادة النظر بالقانون المتعلق بالمياومين بمجمله، من قبل رئيس الجمهورية، تبقى جائزة استناداً إلى المادة 57 من الدستور، كما أنه يمكن الطعن به أمام المجلس الدستوري.
ثانياً، التصديق على المحضر:
يوضع لكل جلسة حسب المادة 58 من النظام الداخلي، محضر تفصيلي وخلاصة محضر ما عدا الجلسات السرية التي تخضع لإجراءات خاصة، وتدوّن في المحضر التفصيلي جميع الوقائع والقرارات التي تحصل أثناء الجلسة. كما يذكر في خلاصة المحضر:
أ- أسماء النواب الغائبين بعذر وبدون عذر.
ب - الوزراء الذين مثلوا الحكومة في الجلسة.
ت - المواضيع التي طرحت وأسماء النواب الذين اشتركوا في المناقشة.
ج - المقررات التي صدرت عن المجلس.
وتصدق خلاصة محضر كل جلسة، حسب المادة 59 من النظام الداخلي، في مستهل الجلسة التي تلي، إلا إذا رأت الرئاسة أن المقررات التي اتخذت تستوجب التصديق، في نهاية الجلسة، حيث يصدق المحضر في ختام الجلسة. ويجري التصديق على ملخص محضر كل جلسة على الشكل التالي:
بعد إعلان الرئاسة افتتاح الجلسة يتلى محضر الجلسة السابقة. ويعتبر محضر الجلسة، حسب المادة 56 من النظام الداخلي، مصدقاً بمجرد تلاوته أو بعد إجراء التصحيح التي تجريه الرئاسة، إما عفواً أو بناء على طلب أحد النواب. إلا أنه إذا وقع خلاف على ملخص المحضر، ففي هذه الحالة تنظر هيئة مكتب المجلس فيه بعد الرجوع إلى المحضر التفصيلي وتضع تقريراً بذلك، يعرض على المجلس للبت به. ويتبين أن محضر جلسة 2/7/2012، لم تتم تلاوته بعد، لعدم انعقاد الجلسة التالية حتى الآن، وبالتالي لم يصدق. وفي هذا المجال يمكن أن يطرح السؤال التالي:
ما هو مصير القوانين التي أقرها المجلس، في حال افتراض عدم حصول التصديق على المحضر لسبب أو لآخر؟
عملاً بالقواعد المعمول بها في النظام البرلماني، فإن أي قانون أو توصية لا يأخذ الطابع النهائي ما دام أن محضر الجلسة لم يوضع ويصدق عليه من قبل الهيئة العامة.
بالنظر لما تقدم، فإن القوانين التي اقرها المجلس في جلسته 2/7/2012، تكون غير نهائية ما دام أن محضر الجلسة لم يتم التصديق عليه ولا يجوز بالتالي إحالتها إلى المراجع المختصة لإصدارها ونشرها.
ثالثاً، المطالبة الإعلامية بتعديل النظام الداخلي للمجلس النيابي وصلاحية مجلس النواب:
طالب البعض من النواب بـ"تنظيم" عمل هيئة مكتب المجلس وجدول أعمال المجلس"، وذلك حسب ما ورد في جريدة "السفير" الصادرة بتاريخ 12/7/2012، بحجة وجود أخطاء على صعيد الأداء الإداري والبرلماني.
من الواضح أن هذه المطالبة الإعلامية ترمي، بصورة غير مباشرة إلى تعديل النظام الداخلي. وفي هذه المجال نتساءل، هل الأخطاء على صعيد الأداء، في حال افتراض حصولها، تبرر المطالبة بالتعديل؟
إن النظام الداخلي، كأي نص قانوني آخر، يمكن تعديله في أي وقت. ومطالبة البعض بتعديله جائزة ومشروعة شرط أن تكون هناك أسباب موجبة لذلك وان توافق عليه الأكثرية النيابية المطلوبة. وطالب أيضاً، ودوماً حسب جريدة السفير، بأن تقتصر "التشريعات المتعلقة بالتوظيفات، على مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة، وليس عبر اقتراح قوانين من النواب".
إن هذا الطلب، في حال صحته، يرمي إلى تقويض أركان النظام البرلماني، والقائمة على إناطة سلطة التشريع بمجلس النواب. ومن المتفق عليه، أن هذه السلطة هي مطلقة في لبنان ليس لها أية قيود أو حدود، بحيث يمكن لمجلس النواب أن يشرع في أي موضوع يراه مناسباً بمبادرة منه أي عبر اقتراح قانون من أحد النواب. ويتعارض أيضاً مع المادة 18 من الدستور التي أناطت بمجلس النواب وبمجلس الوزراء حق اقتراح القوانين.
وهذا الطلب، يعتبر في أحسن الحالات، أمراً غير مألوف في النظام البرلماني الصحيح.
رابعاً، المقارنة بين النظام الداخلي لمجلس النواب والنظام الداخلي لمجلس الوزراء:
يتبين من خلال المقارنة بين النظام الداخلي للمجلس النيابي والنظام الداخلي لمجلس الوزراء "الفروق" الهامة التالية:
1- وضع النظام الداخلي للمجلس النيابي بصورة صحيحة استناداً إلى أن المادة 43 من الدستور، في حين أن النظام الداخلي لمجلس الوزراء صدر بمرسوم دون الاستناد إلى أي نص دستوري أو قانوني يجيز ذلك. وهذا النظام هو مخالف للقانون، لكونه صادراً عن سلطة غير مختصة، فضلاً عن أنه يتضمن العديد من العيوب والشوائب القانونية.
2- يلحظ النظام الداخلي للمجلس النيابي مركزاً لنائب رئيس المجلس، وهيئة لمكتب المجلس، ومنحهما بعض الصلاحيات. في حين أن النظام الداخلي لمجلس الوزراء لم يلحظ أي وجود لمركز نائب رئيس الحكومة أو هيئة لمكتب مجلس الوزراء.
3- أن هيئة مكتب مجلس النواب هي صاحبة الصلاحية في تقرير جدول الأعمال لكل جلسة، في حين أن رئيس الحكومة وحده فقط من يضع جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء.
4- أن محضر جلسة مجلس النواب، يتلى أمام المجلس للتصديق عليه، في حين أن محضر جلسة مجلس الوزراء، لا يُعرض على مجلس الوزراء للتصديق ويوقع عليه رئيس الحكومة "والأمين العام لمجلس الوزراء".
5- أن القوانين لا تعتبر نهائية الا بعد التصديق على المحضر، في حين أن قرارات مجلس الوزراء تعتبر نهائية بدون أي تصديق على المحضر.
6- أن محضر جلسة مجلس النواب، يطبع ويوزع على النواب خلال مهلة خمسة عشر يوماً، في حين أن محضر جلسة مجلس الوزراء لا يوزع على الوزراء. فالنائب باستطاعته الحصول على نسخة عن المحضر، في حين أن الوزير لا يستطيع الحصول على نسخة عن محضر جلسة مجلس الوزراء، وباستطاعته فقط الإطلاع على المحضر.
7- أن النظام الداخلي للمجلس النيابي نظم بصورة شاملة ودقيقة مختلف المواضيع المتعلقة بعمل المجلس، وبوضعية النواب في حين أن النظام الداخلي لمجلس الوزراء، لم ينظم عمل المجلس إلا بصورة جزئية، كما أنه لم ينظم وضعية الوزراء وبقيت بالتالي، بدون تنظيم، المسائل الهامة التالية:
أ- الصيغة الواجب اعتمادها لقرارات مجلس الوزراء الإلزامية والنافذة.
ب - استقالة الوزير وامتناعه عن حضور جلسات مجلس الوزراء.
ت - تعيين الوزراء بالوكالة وتغيير أو استبدال الحقائب الوزارية.
ج - وضعية نائب رئيس الحكومة ووزراء الدولة.
د- تحديد المدة الزمنية اللازمة لنشر مختلف النصوص التنظيمية في الجريدة الرسمية.
8- أن النظام الداخلي للمجلس النيابي يسمح للنائب، بأن يمارس مهامه النيابية بصورة كاملة وفاعلة، في حين أن النظام الداخلي لمجلس الوزراء يحول دون ممارسة الوزير لكامل مهامه الحكومية.
وعلى ضوء هذه المقارنة، تصبح المطالبة بإعادة النظر بمجمل النظام الداخلي لمجلس الوزراء عن طريق قانون، هي الأكثر ضرورة وإلحاحاً من أية مطالبة أخرى.
الخلاصة:
1- لا تجوز إعادة التصويت على اقتراح القانون المتعلق بتثبيت المياومين لدى مؤسسة كهرباء لبنان بعد إقراره في جلسة 02/07/2012.
2- يمكن إعادة النظر بالقانون المتعلق بتثبيت المياومين من قبل رئيس الجمهورية، كما يمكن الطعن به أمام المجلس الدستوري.
3- أن التصديق على محضر جلسة 2/7/2012 يشكل عنصراً لازماً ومكملاً لإقرار القوانين بصورة نهائية.
4- أن حرمان مجلس النواب من التشريع، عن طريق اقتراح قانون من أحد النواب، في موضوع التوظيفات، يتعارض مع النظام البرلماني وأيضاً مع الدستور.