سارع وزير الخارجية عدنان منصور فور عودته من قطر الى تكثيف اتصالاته لتطويق ذيول تحذيرات عدد من دول الخليج لرعاياها من المجيء الى لبنان، وآخرها الكويت التي انضمت، أمس، الى قطر والامارات والبحرين فدعت وزارة الخارجية الكويتية المواطنين الكويتيين «إلى عدم السفر للبنان نظرًا للأوضاع الأمنية»، كما طلبت من الموجودين على أراضي لبنان المغادرة «حفاظًا على سلامتهم». ومن المقرر أن يجتمع منصور، بعد ظهر اليوم بالدبلوماسيين الممثلين للدول المعنية في بيروت وسيؤكد لهم «ان مسألة التوتر الامني السائدة حاليا في لبنان هي مرحلية ولا تستدعي قرارات مماثلة»، وسيتمنى «على الدول الاربع اعادة النظر بقراراتها لان سلامة الاخوة العرب عزيزة كما سلامة اللبنانيين».
وفيما التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أمس، سفير الكويت عبد العال القناعي، أجرى منصور اتصالا هاتفيا بنظيره الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح مستفسرا منه عن دعوة الكويت رعاياها الموجودين حاليا في لبنان الى مغادرته حفاظا على سلامتهم، والى عدم السفر الى لبنان في ظل الظروف الراهنة، فأشار الوزير الكويتي الى «أن هذا القرار جاء نتيجة للاحداث التي شهدتها بعض المناطق اللبنانية»، واعدا بإعادة النظر في القرار فور زوال الاسباب التي أدت الى اتخاذه.
وأطلع منصور الرؤساء الثلاثة على أجواء زيارته الى قطر وخلفيات القرار القطري، وأنه نقل الى أمير قطر تمنيات الرئيس سليمان بإعادة النظر بالقرار وخصوصا ان القطريين وجميع الاشقاء في الخليج هم اشقاء للبنان الذي يعتبر بلدهم الثاني.
ونقل منصور جوا مطمئنا عن اتصالاته مع القطريين قائلا: «لمسنا من الاشقاء في قطر كل تفهم وقد «تتحلحل» المسألة لكن الامر مرهون بالتطورات الامنية، وقد نقلنا للاخوة في قطر رسالة مفادها أن لبنان هو «بيتكم الثاني» وانه يقدّر ما بذلته قطر من جهود في اعادة الاعمار بعد حرب ٢٠٠٦». وأوضح منصور لـ«السفير» ان الاتصالات ستتكثف في الأيام المقبلة لحل هذه المشكلة «والاهم هو ان يثبت اللبناني استقرار بلده وامنه»، وعن خلفيات القرار الخليجي الرباعي وامكانية اتصاله بالضغط على لبنان لثنيه عن موقف «النأي بالنفس» حيال سوريا قال منصور: «لا البتة، فالدول الخليجية متفهمة للموقف اللبناني ولم يطلب منا احد ان نغير موقفنا في الموضوع السوري».
هواجس على مصير/ المغتربين اللبنانيين
من جهة ثانية، حظي القرار الخليجي الرباعي، امس، باهتمام ملموس من قبل الدوائر الدبلوماسية العربية والغربية. وتشير أوساط دبلوماسية متابعة لهذا الملف الضاغط على لبنان الى ان «الخوف الخليجي ليس امنيا اذ حصلت حوادث أمنية اخطر منذ العام ٢٠٠٥ ولم يسبق لاي دولة خليجية ان قامت بتحذير مواطنيها من زيارة لبنان». وتضع أوساط دبلوماسية عربية ما يحدث في سياق الضغط على لبنان عبر «خاصرتيه الرخوتين» اللتين رصدتهما الدول الغربية أخيرا وهما السياحة والاغتراب، وقبلهما المصارف. وتلفت الأوساط الدبلوماسية ذاتها الى ان هذا القرار «كان معدا في الأروقة الدبلوماسية الغربية وبعض الدول الخليجية منذ فترة وهدفه الضغط على الحكومة اللبنانية لثنيها عن موقف «النأي بالنفس» الذي تتسلح به تارة ولمنع تسلل المواقف المؤيدة لسوريا في المحافل الدولية». تضيف: «وجد تنفيذ هذا القرار سياقه الطبيعي بعد توقيف باخرة الاسلحة «لطف الله 2» وبعد اندلاع اشتباكات طرابلس، المدينة التي يطمح البعض لتحويلها مع مينائها إلى «كوريدور» امني لنقل أسلحة للمعارضة السورية، وما ان تحرك الوضع الأمني حتى سلك القرار طريقه الى الضوء دفعة واحدة وبلا مقدمات».
في المحصلة، فان قرارات الدول الخليجية الاربع ذو تأثير مزدوج على لبنان فبالاضافة الى التأثير المعنوي «حيث تراجعت معنويات البلد واللبنانيين بشكل ملحوظ»، هنالك التأثير المزدوج على السياحة اولا، «عبر ضرب موسم سياحي قصير اصلا بسبب بدء شهر رمضان المبارك في ٢٠ تموز المقبل، والضربة الثانية الموجعة والتي تبقى حاليا رهن التوجس تتمثل من تحول الضغط الخليجي الى الجاليات اللبنانية، حيث بدأت تسري شائعات غير مطمئنة يخشى ان تتحول فجأة الى قرارات ترحيل للبنانيين تمهيدا لجولة ضغوط جديدة، وخصوصا أن دولة الإمارات رحّلت منذ بضعة ايام 3 لبنانيين بحجة «الحفاظ على السلامة العامة».
وليس تحرك الوزير منصور السريع الا محاولة لتطويق ذيول هكذا قرارات، وتحركه معطوف مع تحرك دبلوماسي كثيف يتم في الكواليس ويصارح المسؤولين اللبنانيين بما «يزعج» الدول المعنية وخصوصا قطر التي تفيد بعض الأوساط العليمة أن « المسؤولين فيها ممتعضون منذ مدة من بعض التصرفات اللبنانية ومنها نزع لافتات تشكر قطر على مساعدتها في إعمار الجنوب، ومنها أيضا توقيف الشاب عبد العزيز خليفة العطية وهو قريب رئيس هيئة الرقابة والشفافية عبد الله العطية الذي نصحه بأن يقصد لبنان للاستشفاء عوضا عن المانيا فإذا بالشاب يلقى القبض عليه ويتم التحقيق معه في ملف لا علاقة له فيه لا من قريب ولا من بعيد» بحسب هذه الاوساط التي تشير الى ان «تراكمات عدة دفعت قطر الى اتخاذ قرارها لكن السبب المباشر سياسي تتم معالجته عبر القنوات السرية ويتم التكتم حوله وهو يتعدى موقف لبنان من «النأي بالنفس».
في أي حال فإن «كرة» التحذير المتدحرجة تثير مخاوف حقيقية من وصول تداعياتها الى لبنانيي الاغتراب، علما بأن عدد اللبنانيين العاملين في قطر يبلغ ٤٥ الفا، وفي الكويت ٣٠ الفا، وفي البحرين ٥ الاف وفي الامارات ١٠٠ الف لبناني. ويقول دبلوماسي لبناني «ما تزال جرعة الضغوط الخليجية صغيرة قياسا بالمنتظر، واي «دعسة» ناقصة قد ينزلق بسببها لبنان واللبنانيون في الداخل والخارج نحو المجهول».