كيف تحقق دول الخليج الفائدة القصوى من استثماراتها في تكنولوجيا المعلومات؟

تاريخ النشر: 11 يوليو 2010 - 09:41 GMT
البوابة
البوابة

استثمرت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة بشكل كبير لتحديث الطرق التي تقدّم بها الخدمات الحكومية لمواطنيها. وبغية تنفيذ مبادرات كهذه على نحو ناجح، اتّخذت هذه الحكومات خطوات لتحسين بناها التحتية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كون هذه الاخيرة تعتبر عنصرا حيويا للاقتصادات المبنية على المعرفة وللنمو المستدام. بل أن بعض حكومات المنطقة ذهبت أبعد من ذلك ووضعت بنجاح ملحوظ برامج تعاونية واسعة للتحول إلى نموذج الحكومة الإلكترونية.
غير أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال تواجه تحديات أساسية في سعيها إلى تبني تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتفعيلها، مع العلم أن المشكلة تكمن في نقص موارد التمكين، وفي البنية التحتية غير الملائمة، وأحيانا في التمويل العابر والاخطاء غير المتعمّدة، وفق دراسة جديدة لبوز أند كومباني.

إطار العمل: البيئة، الجهوزية، والاستخدام
وضعت بوز أند كومباني إطار عمل شاملا يفصّل الأبعاد الأساسية التي ينبغي معالجتها من أجل تحقيق تغيير دائم في القطاع العام من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويتشكّل هذا الإطار من ثلاثة أبعاد: البيئة، الجهوزية، والاستخدام. ويشمل بُعد البيئة الجو المساعد الذي توفره البيئة الناظمة وبيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتقديم خدمات الحكومة الإلكترونية. أما بُعد الجهوزية فيركز على قدرة الحكومات على الاستفادة من الفرص التي يتيحها برنامج حكومة إلكترونية، خصوصا من حيث الموارد أو المنصات المشتركة. وأما بُعد الاستخدام فيتعلق بتحديد أي الخدمات الحكومية ستقدَّم. وتشكل هذه الابعاد الثلاثة مجتمعةً ما يمكن اختصاره بالإنكليزية بـ ERU.
يقول رامز شحادة الشريك في بوز أند كومباني: "ينبغي لبرنامج عمل متين خاص بحكومة إلكترونية أن يغطي بشكل ملائم الأبعاد الثلاثة، عبر تحديد الخدمات التي تريد الحكومة أن تقدّمها بغية دفع التحسينات في عاملي البيئة الداعمة والجهوزية". ولأن تلك الخدمات هي عموما محددة أو معروفة، فإن معظم المشاريع الحكومية للتغيير التكنولوجي تعطي الأولوية لبعدَي البيئة والجهوزية، اللذين يعتبران أساسيتين في تحسين الوصول إلى الخدمات الحكومية، كلفتها، فعاليتها، ملاءمتها، وتصميمها.

معالجة بُعد البيئة
يقيّد دول مجلس التعاون الخليجي حالياً عدد من المسائل التي تعرقل الوصول إلى الخدمات الحكومية، وترفع تكاليف تقديم الخدمات، وتقلص رضى المواطنين، وتعيق جهود التحديث. وللتغلب على هذه التحديات، على الحكومات أن تضع خططا شاملة ممولة جيدا وممتدة سنوات عدة، هدفها ضمان المعالجة الصحيحة للعوامل الأربعة المتصلة بالبيئة:


إرساء القيادة السياسية
تتفهم حكومات دول مجلس التعاون الخليجي أكثر فأكثر إمكانات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال تقديم الخدمات بفاعلية اكبر. وهنا يقول ريمون خوري المدير في بوز أن كومباني: "في السنوات الخمس الماضية، أنشات الغالبية العظمى من الحكومات أجهزة مركزية متخصصة للإشراف على الاستثمارات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عبر وكالات حكومية متعددة. وتحتاج هذه الرعاية السياسية الرفيعة المستوى، الجوهرية لنجاح أي برنامج لتحديث تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، إلى مزيد من التطوير". ويجب أن تدعم الأجهزة المركزية المعنية  بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات صلاحيات واضحة متوافقة مع تطلعات البلاد ورؤاها، يساندها نصير معلًن بوضوح. ويجب تمكين هذه الأجهزة من حل أي إشكالات أو نزاعات قد تنشأ، ووضع برنامج عمل تتشاطره مختلف الوكالات الحكومية. ويجب التصريح لها أيضاً بتأمين الموارد البشرية والمالية اللازمة لدعم المبادرات المختلفة التي تكلّف بتنفيذها.
تمتين البيئة الناظمة
أنشأت دول عدة في منطقة مجلس التعاون الخليجي قاعدة أساسية قانونية وتنظيمية لتسهيل اعتماد تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في القطاعين الخاص والعام. والمجال الذي يحتاج إلى جهد تنظيمي هو الاستخدام الناقص للتشفير وغيره من الآليات الأمنية المتقدمة الضرورية لكسب ثقة الجمهور في مجال الخدمات المرتكزة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وفيما تسير الحكومات في اتجاه المعاملات القائمة على  تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، يجب أن يكون المستخدمون واثقين من أن معاملاتهم قانونية، وأن المعلومات الحساسة الخاصة بهم لن تكون عرضة للخطر أو للاستيلاء عليها.
يقول جاد بيطار المدير في بوز أند كومباني: "تحتاج الوكالات الحكومية أيضا إلى مبادئ توجيهية واضحة ومعايير لتمكينها من التعاون وتبادل المعلومات في بيئة شبكية آمنة". و في غياب تنظيمات كهذه، لن تتشجع الوكالات حكومية على التعاون في داخلها ولا على تبادل المعلومات مع وكالات أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، يؤدي عدم وجود إطار تنظيمي واضح لإرساء السرية وحقوق الحصول على معلومات إلى انخفاض الاعتماد على أجهزة الكمبيوتر والإنترنت عن المعدلات القائمة في البلدان المتقدمة.

تشجيع التعاون الحكومي
يعتبر تعزيز ثقافة التعاون بين الوكالات الحكومية جزءا حيويا من استراتيجية حكومية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويمكن أن يكون للتنظيمات والسياسات التنفيذية الخاصة بتبادل المعلومات داخل الحكومة تأثير كبير على طريقة تعاون الوكالات الحكومية وتلبيتها بشكل جماعي الخدمات للناس. ويمكن للحكومات ايضا أن تعزز التعاون المثمر والثقة بين مسؤولي أقسام تكنولوجيا المعلومات ومسؤولي الخدمة العامة عموماً عبر منتديات للتبادل المنتظم على غرار مجلس مدراء المعلوماتية والجماعات الممارِسة للمهن المختلفة، وعبر جهود التدريب والتواصل المتكررة. وعندما تتحقق الثقة، يمكن للمسؤولين العمل على ضمان توافق الأهداف والاستراتيجيات عبر الوكالات الحكومية.
ويمكن لتوحيد الأدوات والعمليات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن يدعم بدوره التعاون المثمر. وتشمل العمليات المألوفة التي يمكن توحيدها عبر الوكالات: مقاييس الأداء وأنظمته، آليات وضع الموازنة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وحتى البنية التحتية المألوفة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل الشبكات العالية السرعة ومراكز البيانات ومراكز الاتصال. يلاحظ شحادة: " تطوير الأطر الحكومية القابلة للتشغيل المتبادل ونشرها يجعلان توحيد منصات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتبادل البيانات أسهل وذلك داخل الوكالات الحكومية وبينها بعضها البعض، وكذلك بين الحكومة والشركات".

تحسين بيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
من منظور الطلب، من الحيوي تحسين انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإنترنت واستخدامهما من جانب المواطنين والشركات والوكالات الحكومية، وذلك من اجل الاستفادة القصوى من خدمات الحكومة الإلكترونية. وعلى الحكومات أن تشجع جميع السكان على الاتصال بالبرودباند من خلال خفض التكاليف عن طريق تحسين التنافس، وتقديم الدعم المالي لمؤسسات معينة كالمدارس، والقيام بحملات إعلامية وتوعوية. ومن الخيارات الاخرى، تبني منصات تقديم الخدمة عبر الخلوي بما أن انتشار الخلوي في منطقة مجلس التعاون الخليجي كبير جدا.

تحسين بُعد الجهوزية
يقول خوري: "في موازاة تطوير العوامل المساعدة للبيئة، على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي أن تضمن توافر الموارد الرئيسية للمساعدة في تنفيذ استراتيجياتها التغييرية". وتواجه الحكومات عبر منطقة مجلس التعاون الخليجي تحديات صعبة في بناء قدراتها في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ودعمها، وذلك اساسا بسبب النقص في الموظفين المهرة والعمليات الضرورية للتخطيط لخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وإدارتها، فضلا عن عدم وجود تنسيق عندما يتعلق الأمر باستثمارات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

تنمية العنصر البشري
للمنافسة على المستوى العالمي، على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي أن تحسّن نوعية وفعالية خدماتها في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويجب على الوكالات الحكومية بادئ ذي بدء أن توثّق بوضوح حاجاتها في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتحدد المهارات والخبرات الضرورية لدعم مهمات التخطيط والإدارة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وينبغي على الوكالات الحكومية بعد ذلك أن تضع هيكل تعويضات مالية للنجاح في جذب الأفراد الموهوبين الذين يملكون المهارات والخبرات المطلوبة والاحتفاظ بهم. وعلى الوكالات الحكومية أخيرا أن تضع برامج تدريب منظمة وفق إطار عمل شامل خاص بالكفاءة. ويجب أن يحدد هذا الإطار مجال المعرفة والقدرات والخبرات التقنية المطلوبة لشَغل أدوار معينة.

توحيد العمليات
إن تطوير وتوثيق عمليات تخطيط، إدارة، تشغيل، وتقديم خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أمران أساسيان لضمان فاعلية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بالإضافة إلى القدرة على توقع النتائج. ومع أن الحكومات أجادت تطوير مؤشرات أداء اساسية وسياسات لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات محددة ومنشورة على نطاق واسع، فإن آليات الإبلاغ الرسمي حول قياس الاداء في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات غير موجودة. علاوة على ذلك، لا تطبَق قواعد مراجعة السياسات بطريقة استباقية لضمان الامتثال.
يعلّق بيطار: "لتحسين فاعلية استثمارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وبرامجها، على أقسام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الوكالات الحكومية أن تضمن أفضل العمليات الخاصة بهذا المجال وتطوّر قدراتها خصوصا في ما يخص التخطيط لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وإدارتها، وهو ما تفتقده المنطقة بشكل كبير". وينبغي القيام بتحديد واضح وتوثيق للعمليات، ومواءمتها حيث أمكن مع المعايير المعروفة لضمان توقع النتائج وتعزيز توحيد العمليات عبر الوكالات الحكومية. ويجب ايضا استخدام آليات رصد لقياس أي خلل بغية القيام بخطوات لإصلاحه.

تمكين التكنولوجيا
تستطيع حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تعزيز فاعلية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وموثوقيتها باعتماد نظرة تجارية واستثمارية إلى أنظمتها التكنولوجية وتوحيد البنية التحتية والتطبيقات قدر الإمكان، ليكون ذلك نقطة انطلاق نحو اعتماد نموذج الخدمات المشتركة. لتمكين هذا المسعى ، يتعين على الحكومات الانخراط في مشروع تصميم هيكلية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ينجم عنه مخطط حكومي عام.
لتعزيز إجراءاتها الأمنية، تحتاج حكومات المنطقة إلى وضع استراتيجيات أمنية شاملة على مستوى الحكومة تحدد خطوات لمنع الخروقات الأمنية، وحماية البيانات الحساسة، والرد بسرعة عند تعرّض بيانات أو أنظمة للخطر. وبما أن خطط استمرارية الأعمال هي جزء أساسي من هذا الجهد، يجب تنسيقها وتحقيق التناغم بينها في كل الوكالات الحكومية.

تعزيز الحوكمة
إن أقسام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في حاجة إلى أن تصبح أكثر مشاركة في عملية وضع استراتيجية الوكالة الحكومية المعنية. يقول شحادة: "من دون التعاون بين قسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأقسام الأخرى، يتراجع الأول إلى دور رد الفعل، ويضطر للرد على المشاكل التي نشأت بالفعل بدل أن يتمكن من الاضطلاع بدور استباقي لمنع مشاكل كهذه من الحصول في المقام الأول".
داخليا ، ينبغي للكيانات المعنية بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن تركز على تحسين كفاءة العمليات ومكوناتها التكنولوجية الأساسية وفعاليتها. وهذا يتطلب إنشاء مؤشرات أداء رئيسية وإضفاء طابع رسمي عليها إلى جانب آليات رصد لتخفيف مشاكل الأداء الصعبة. وينبغي أن تكون هيكليات الحوكمة الفعالة موجهة لتسهيل التواصل بين الوكالات الحكومية وأقسامها المعنية بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. في كثير من الأحيان ، تستطيع لجنة توجيهية تضم كبار المديرين من  الوكالة المعنية وقسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فيها تنسيق المشاريع والتوفيق بين حاجات الوكالة وقدرات قسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بفاعلية. وتستطيع هذه اللجان مساعدة مديري تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الحصول على دور أكبر في وضع استراتيجية أوسع نطاقا للوكالة.

خاتمة
على مدراء المعلوماتية وقادة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الآخرين إعادة توجيه جهودهم للتصدي للتحديات المذكورة أعلاه، ووضع استراتيجيات تركز على دعم عاملَي البيئة والجهوزية، ووضع خطط عمل شاملة لتعزيز بيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتحسين قدراتهم الداخلية. وهذا سيجعلهم شركاء استراتيجيين حيويين في عملية التغيير الشامل، وتكون مشاركاتهم حاسمة في أي جهود تحديث في المستقبل. وبإجراء هذه التحسينات، سوف تغيّر دول مجلس التعاون الخليجي طريقة تقديمها الخدمات لمواطنيها.

 بقلم رامز شحادة وريمون خوري وجاد بيطار