ما علاقة الدينار الأردني بأزمة تراكم الشيكل في المصارف الفلسطينية؟
البوابة - عقب إصدار سلطة النقد الفلسطينية بيانًا توضح فيه أن المصارف الفلسطينية أصبحت غير قادرة على استقبال مزيد من النقد بعملة الشيكل بسبب عدم قدرتها على شحن فائض الشيكل التي لديها إلى البنوك الإسرائيلية بسبب سقوف الشحن التي يضعها الجانب الإسرائيلي، والذي أدى بدوره إلى تكدس نحو 4 مليارات شيكل في البنوك الفلسطينية.
هذا الوضع تسبب في أزمة سيولة حادة للبنوك وأثر سلبًا على تمويل التجارة ودفع الالتزامات، علاوة على عدم قدرة المصارف الفلسطينية من استبدال الشيكل بالعملات الأجنبية وتسديد فواتير التجارة الخارجية وتحفيز النشاط الاقتصادي.
هذه الأزمة الاقتصادية الفلسطينية تدفع بنا للتساؤل عن مدى تأثيرها على الدينار والاقتصاد الأردني، وخاصة وأن الدينار الأردني يُستخدم إلى جانب الشيكل والدولار الأمريكي في الضفة الغربية:
بموجب الاتفاق الإسرائيلي الذي تم توقيعه بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1994، والمعروف باسم "بروتوكول باريس"، يُسمح للبنوك الفلسطينية وسلطة النقد الفلسطينية بتحويل الفائض من عملة الشيكل الذي يتجاوز حاجة السوق المحلي الفلسطيني إلى بنك إسرائيل. ويتم ذلك لاستبدال هذا الفائض بعملات أجنبية، بهدف تمكين السلطة الفلسطينية من تسديد التزاماتها المالية الخارجية.
بروتوكول باريس
خبراء اقتصاديون يحذرون من التداعيات المحتملة للأزمة على الأردن.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي منير دية إن هذه الخطوة الإسرائيلية تعمل على محاصرة الاقتصاد الفلسطيني ليس فقط من حيث نقص العملات الأجنبية، بل أيضًا من خلال السياسات الاقتصادية الخانقة، عبر تعطيل آليات التحويل المالي ومنع رفع سقوف الاستبدال السنوية، رغم نمو الاقتصاد الفلسطيني المتواضع واتساع حاجته للعملات الصعبة.
ونظرًا للترابط الكبير بين السوقين، أشار دية إلى جملة من التأثيرات المحتملة التي قد تطرأ على الاقتصاد الأردني، وأوجز بعضها كما يلي:
تهديد التبادل التجاري بين الجانبين: فالصادرات الأردنية إلى فلسطين تُقدَّر بحوالي 300 مليون دولار سنويًا، وكانت تُدفع بالدولار أو الدينار. ومع شُح العملات الأجنبية في السوق الفلسطينية، ستتراجع قدرة التجار الفلسطينيين على استيراد البضائع من الأردن بنفس الكميات.
خلق سوق سوداء: وذلك بفعل تعذّر تصريف عملة الشيكل عبر القنوات الرسمية، مما سيجبر العديد من المواطنين والتجار على اللجوء إلى السوق السوداء لتحويل الشيكل إلى دينار أردني أو دولار أمريكي.
- الحاجة لطباعة المزيد من الدينار وتضخم: فبفضل الطلب المتزايد على الدينار في السوق الفلسطينية، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الحاجة لطباعة المزيد من الدينار لتغطية هذا الفائض، مما يفتح الباب أمام مخاطر التضخم، لا سيما إذا تم توجيه هذه الأموال نحو شراء الأصول العقارية أو المضاربة في السوق السوداء.

الشوبكي: أزمة تراكم الشيكل قد تكون بوابة لسياسة التهجير إلى الأردن
من جهته، ربط الباحث الاقتصادي عامر الشوبكي أزمة تراكم الشيكل في البنوك الفلسطينية بالمساعي الإسرائيلية لبدء التهجير الطوعي لسكان الضفة الغربية إلى الأردن، من خلال إضعاف الاقتصاد الفلسطيني والضغط عليه، مشددًا على ضرورة أن تتخذ الدولتان الإجراءات المشتركة للتخفيف من حدة الآثار المحتملة وضمان استقرار النظامين الماليين.
ويرى الشوبكي أن توجه البنوك الإسرائيلية لتحديد سقف شهري على كميات الشيكل التي يمكن تحويلها من البنوك الفلسطينية إلى الداخل الإسرائيلي سيؤدي إلى امتلاء خزائن البنوك الفلسطينية بالنقد، وهذا يعيق قدرتها على استقبال المزيد من الودائع أو تقديم القروض، مما قد يؤثر سلبًا على حركة النشاط الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية.
وتطرق الشوبكي بالحديث عن المظاهر المحتملة لتفاقم الأوضاع الاقتصادية في فلسطين، والتي تتلخص في:
ارتفاع معدلات البطالة في الضفة الغربية نتيجة الوضع الاقتصادي المدمر في الضفة وغزة.
- انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد في الضفة الغربية؛ مما قد يولد حالات للهجرة بحثًا عن فرص معيشية أفضل، ومن هنا تبدأ المشكلة بالنسبة للأردن، على حد تعبيره.
اقرأ أيضا: تداعيات رسوم ترامب على الدول العربية؟
الشوبكي: تأثيرات غير مباشرة على الدينار الأردني – "التهجير"
وفي ذات السياق، وفيما يتعلق بالتأثير المحتمل على الأردن، أوضح الشوبكي أنه لا توجد حتى الآن تقارير رسمية أو مؤشرات على وجود تأثير مباشر وفوري على الاقتصاد الأردني أو على استقرار الدينار. ومع ذلك، فإن استمرار الأزمة في الضفة الغربية قد يفضي إلى تداعيات غير مباشرة، من أبرزها:
احتمالية ارتفاع معدلات الهجرة إلى الأردن، مما قد يزيد من الضغط على سوق العمل الأردني.
زيادة الضغط على الاقتصاد الأردني نتيجة العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين الأردن وفلسطين، وبالتالي فإن أي تراجع اقتصادي في فلسطين سيؤثر على الأردن أيضًا.
انخفاض حجم التبادل التجاري والاقتصادي والسياحي بين الجانبين.
- طبيعة التأثيرات على الاستقرار الإقليمي، مما قد يؤدي إلى توترات اقتصادية واجتماعية وسياسية تؤثر على استقرار المنطقة، والأردن ليس بمنأى عنها.
فرغم أن زيادة الطلب على الدينار الأردني قد تُوحي بثقة خارجية به، إلا أن استمرار هذا الطلب بشكل غير متوازن ومن سوق يعاني من اختلالات (مثل فلسطين حاليًا) يشكل عبئًا ماليًا ونقديًا على الأردن. وإذا لم تُراقب هذه التدفقات وتُضبط، فقد تؤدي إلى تضخم، وضغط على الاحتياطيات الأجنبية، وزيادة في الأسواق غير الرسمية.