أشار بنك الكويت الوطني في موجزه الاقتصادي الأخير حول المالية العامة للكويت إلى أن البيانات الصادرة عن وزارة المالية حول أداء الميزانية خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة المالية الحالية 2008/2009 تظهر أن المصروفات التي من شأنها أن تحفز الطلب الكلي للاقتصاد قد ارتفعت بواقع 20% لتبلغ 4.7 مليار دينار، إلا أنها جاءت أقل بنحو 38% عن مستواها المقدر في الميزانية لهذه الفترة. وفي المقابل، فقد ارتفع إجمالي المصروفات بنحو 81% خلال الفترة ذاتها. ويعزى هذا التباين في معدل النمو ما بين المصروفات الإجمالية والمصروفات المحفزة للنشاط الاقتصادي إلى التحويلات الاستثنائية المدفوعة إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية وتكلفة الوقود المستخدم في توليد الطاقة الكهربائية لدى وزارة الكهرباء والماء، بالإضافة إلى مصروفات وتحويلات أخرى.
وبالنظر إلى بنود المصروفات، لحظ الوطني أن وزارة الكهرباء والماء استحوذت على معظم المصروفات على المشاريع الإنشائية والصيانة والاستملاكات العامة المدرجة ضمن الباب الرابع. وكانت مصروفات هذا الباب قد ارتفعت بواقع 44% مقارنة مع الأشهر العشرة الأولى من السنة المالية الماضية. وفي هذا الإطار، يلاحظ أن الإنفاق الرأسمالي نما بوتيرة سريعة نسبيا خلال العامين 2007 و2008، الأمر الذي أسهم بلا شك في دعم النمو الاقتصادي في البلاد وعزز بنيتها التحتية.
أما من ناحية الإيرادات، فأشار الوطني إلى أن الإيرادات النفطية ارتفعت بوقع 26% خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة المالية الحالية، وذلك بفضل أسعار النفط المرتفعة في وقت سابق من السنة. فمتوسط سعر برميل النفط الخام الكويتي بلغ 86.2 دولار خلال هذه الفترة، لتصل الإيرادات النفطية إلى 18.1 مليار دينار، متجاوزة بشكل ملحوظ مستواها المقدر في الميزانية لكامل السنة المالية. ومع أن تراجع سعر برميل الخام الكويتي دون مستوى الـ50 دولارا منذ أوائل شهر نوفمبر الماضي قد قلص الفارق بين الإيرادات النفطية المحققة وتلك المقدرة في الميزانية، إلا أن ميزانية الكويت ما زالت في طريقها لتسجيل موقف مالي قوي بنهاية السنة المالية الحالية. وفي حال استقرت أسعار النفط دون الـ50 دولارا خلال الفترة المتبقية من السنة المالية الحالية، نتوقع أن تحقق ميزانية الكويت فائضا يتراوح بين 1.8 مليار دينار و3 مليارات دينار. وبالطبع، فإن هذا الفائض سيبلغ حوالي 7 مليارات دينار في حال تم استثناء التحويلات الاستثنائية المدفوعة إلى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية البالغة 5.5 مليار دينار.
وفي الوقت نفسه، نمت الإيرادات غير النفطية بواقع 14%، مدفوعة بشكل رئيسي من إيرادات "الضرائب على الدخل والأرباح" و"الإيرادات والرسوم المتنوعة"، في حين تراجعت الإيرادات المتحصلة من بقية مصادرها، حيث انخفضت "إيرادات الخدمات" بأكثر من 10 ملايين دينار مع تراجع إيرادات "خدمات المساكن والمرافق" و"خدمات الكهرباء والماء". كذلك، جاء تباطؤ نشاط السوق العقاري ليؤثر سلبا على إيرادات "رسوم نقل الملكية" التي انخفضت بنحو 45%.
وفي المحصلة، حققت الكويت في الأشهر العشرة الأولى من السنة المالية الحالية فائضا أوليا بلغ 8.7 مليار دينار استقطاع مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة و6.8 مليار دينار بعد هذا الاستقطاع.
وكانت الحكومة قد أعلنت عن نيتها خفض المصروفات في السنة المالية المقبلة في ظل تراجع الإيرادات النفطية في الأشهر الأخيرة، وتظهر الأرقام الأولية لمسودة ميزانية السنة المقبلة هذا التوجه. ويشار هنا إلى أن الحكومة قد اعتمدت 35 دولاراً كسعر لبرميل النفط الخام الكويتي في تلك الميزانية.
لكن الوطني رأى أنه في وقت يواجه الاقتصاد تحديات بقطاعيه العام والخاص، فقد يكون من الضروري أن تظهر الحكومة بعض الحذر في سياساتها المالية بينما تحافظ في الوقت ذاته على دورها الإيجابي في الحد من حالة الضعف التي تعتري الاقتصاد. إلا أن الأرقام الرسمية تظهر خفضا في المصروفات بنحو 36% في السنة المالية المقبلة 2009/2010. وكانت الحكومة قد أعلنت أن الخفض لن يأتي من باب "المرتبات" ولن يطال المشاريع القائمة، بل سيأتي بشكل رئيسي من خفض المصروفات المتنوعة والتحويلات بنحو 56%، في حين أن تراجع أسعار النفط سيخفض من تكلفة توليد الطاقة، لتنخفض المصروفات المدرجة ضمن الباب الثاني تبعاً لذلك بنحو 24%.
ويبدو أن الحكومة تلجأ إلى خفض المصروفات في محاولة منها لموازاة التراجع المتوقع في الإيرادات، وهو خيار قد يكون سليما، لكن ليس من الضرورة تبنيه بشكل سنوي، لاسيما عندما يكون الأداء الاقتصادي ضعيفا والتحديات في تصاعد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكويت استطاعت أن تحقق فوائض مالية خلال السنوات المالية العشر السابقة بلغت 30 مليار دينار، حتى مع احتساب التحويلات إلى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، أو ما قدره 20 مليار دينار بعد استقطاع مخصصات احتياطي الأجيال القادمة.
وأكد الوطني أن المصروفات المدرجة ضمن الباب الأول "المرتبات" والباب الرابع "المشاريع الإنشائية والصيانة والاستملاكات العامة" لها تأثير مباشر على النشاط الاقتصادي أكثر من الأبواب الأخرى. ووفقا لمسودة الميزانية المقبلة، سترتفع المصروفات على المرتبات بواقع 8%. أما بالنسبة للباب الرابع، فتقول الحكومة أن الخفض لن يطال المشاريع الرأسمالية، بل أن المصروفات المدرجة ضمن هذا الباب ستنخفض جراء الانتهاء من تنفيذ بعض المشاريع في السنة المالية الحالية. قد يكون ذلك صحيحا، لكنه يبقى انخفاضا في المصروفات. وعلى الرغم من التخطيط لإطلاق بعض المشاريع في المستقبل القريب، إلا أن جزءا صغيرا لا يتعدى الـ1% من إجمالي مصروفات الباب الرابع فقط سيصرف في السنة المالية المقبلة، وسيتركز هذا الصرف بشكل أساسي على إعداد الدراسات الأولية لهذه المشاريع، قبل دخولها حيز التنفيذ في السنوات اللاحقة.
وبالنتيجة، فإن الأرقام الأولية للميزانية تشير إلى أن المصروفات المدرجة ضمن الباب الرابع لميزانية السنة المقبلة ستتراجع بنحو 445 مليار دينار، وبما نسبته 27%، في وقت يحتاج الاقتصاد إلى كافة وسائل الدعم. فأداء القطاع النفطي سيكون ضعيفا في العام الحالي، وذلك بسبب انخفاض الإنتاج وتراجع أسعار النفط. كما سيكون القطاع غير النفطي بحاجة أيضاً إلى كافة أشكال المساعدة المتاحة، لكن من الواضح أنها لن تكون من الباب الرابع في حال اعتمدت المصروفات المقدرة في الميزانية المقبلة بصورتها الحالية. وبينما يجري البحث في مساعدة القطاع المالي، إلى حد ما، عبر قانون الاستقرار المالي قيد النقاش حاليا، إلإ أن كافة الدعوات المحلية والعالمية لدعم الاقتصاد بسياسات مالية تحفيزية لا تلقى اهتماما كبيرا، على الأقل ليس إذا اعتمدت امسودة الميزانية بصيغتها الحالية.
© 2009 تقرير مينا(www.menareport.com)