في السنة الماضية أو نحوها، بدأ صانعو القرار الأساسيين ومحللو الصناعة في قطاع النفط في التفكير، فيما لم يكن من قبل وارداً على الإطلاق، ألا وهو أن الطلب المتزايد على النفط السعودي محليا قد يجبر البلد قريباً على تخفيض الصادرات. وقد جذبت بعض التعليقات التي وردت حديثاً على لسان إحدى الشخصيات الرائدة في قطاع النفط السعودي الانتباه إلى حقيقة لم تكن معلنة من قبل: فلم تعد منطقة الخليج العربي مجرد منطقة مصدرة للنفط، وإنما أصبحت أيضاً مركزاً عالميا أستهلاكيا للنفط.
ويعكس تحليل بدر جعفر، المدير التنفيذي لمجموعة شركات نفط الهلال، تحليل الخبراء الآخرين. ووفقاً لما ذكره، يعتبر الطلب المتزايد على الطاقة من منطقة الخليج مجالاً لفرص عمل كبيرة؛ حيث ستلبي الشركات القوية المرنة التي تتمتع بتاريخ وسجل نجاح مشرف هذا الطلب الإقليمي المتنامي.
وقد كانت هذه التطورات قادمة منذ وقت طويل. ففي معظم حقبة ازدهار النفط، ومنذ بدايتها في أواخر القرن التاسع عشر، كان نمو النفط كوقود مدفوعاً بالطلب الغربي عليه، ولاسيما في الولايات المتحدة وأوروبا. وينعكس الانحياز الغربي في صناعة النفط العالمية في المؤسسة نفسها التي تهتم بمصالح مستهلكي النفط: وكالة الطاقة الدولية، وهي منظمة عالمية من الناحية النظرية ولكنها من الناحية العملية مؤسسة غربية. ولكن في السنوات الأخيرة، ركد الطلب على النفط من قبل منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إلى حد بعيد. وفي الواقع، عبر أحد المستشارين الكبار لأرامكو السعودية، من بين العديد من الأطراف المطلعة، عن مخاوفه من أن الطلب على النفط في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي قد وصل بالفعل إلى "ذروته".
وفي حين انخفض الطلب على النفط الغربي، كان الطلب من شتى بقاع العالم أكثر من قادر على تعويض الركود ودفع إجمالي الطلب العالمي إلى أعلى. ويعتبر صعود الصين كأحد المراكز الكبرى الحديثة للطلب مثبتاً وموثقاً، أما ما لم نوفّه بعد حق قدره بالمقارنة فهو مساهمة الاستهلاك المتزايد للنفط في منطقة الخليج العربي في النمو العالمي للطلب على النفط.
وقد ذكر العديد من خبراء الصناعة مراراً وتكراراً أن التغيرات في سوق النفط العالمي تعد تحدياً لأفكار ورؤى الكثيرين من مسؤولي الحكومة والصناعة، سواء داخل أو خارج الشرق الأوسط. فالخليج العربي، وفقاً لأرامكو وغيرها من الشركات المهمة الأساسية مثل نفط الهلال، لا يتحول فقط إلى مستخدم أكبر للطاقة، وإنما أيضاً إلى مستهلك أكثر تعقيداً لها. ولا بد لصانعي السياسات والمشاركين في السوق من إدراك هذه الحقيقة.
وتتجاوز المخاوف المتعلقة بالقدرة على مواصلة تصدير النفط نتيجة الضغوط الناتجة عن تزايد الطلب المحلي حدود المملكة العربية السعودية. حيث ارتفع متوسط الطلب على النفط عبر منطقة الشرق الأوسط من 6.3 إلى 7.5 مليون برميل تقريباً في اليوم بين عامي 2006 و2010؛ وهو ما يعادل زيادة بنسبة %19. ويتكرر نمط تزايد الطلب المحلي على النفط عبر منطقة الخليج العربي، ومن ثم يجبر الناس على تقبل حقيقة أن الخليج العربي تزداد أهميته كمستهلك للطاقة بقدر أهميته كمنتج لها.
ونتيجة لهذه التغييرات، يبدو أن الطلب على النفط من خارج منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي من المرجح أن يصبح نداً للطلب الإجمالي على النفط من داخل منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في غضون السنوات القليلة التالية، نظراً لركود الطلب في الغرب وازدهاره في آسيا والشرق الأوسط.