بات الهدوء يخيم على مدينة مكة المكرمة بعد قرار السعودية تعليق العمرة والسماح لعدد محدود من الحجاج بأداء المناسك هذا العام بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، مما أدى إلى حرمان المملكة من إيرادات ضخمة.
حيث كانت الأماكن الدينية في السعودية تعج بالحياة قبل تفشي فيروس كورونا، أما الآن أصبحت فارغة وخيم الحجاج فارغة والفنادق شاغرة.
وفي قرار نهائي أقرت السعودية السماح لحوالي ألف شخص من المقيمين فيها بأداء الفريضة في الأيام الاخيرة من تموز/يوليو، مقارنة بنحو 2.5 مليون شخص في 2019. وأكّدت السعودية أن الحجاج سيكونون من جنسيات مختلفة، لكنّ عملية الاختيار لن تكون مسألة سهلة فيما قد تكون الأولوية لسكان مكة المكرمة.
وهذه الإجراءات الهادفة للحماية من الفيروس ألحقت الخسائر في كثير من الشركات التي تعتمد على موسم الحج، من وكلاء السفر إلى الحلاقين في الشوارع ومحاجر بيع الهدايا والمطاعم وغيرها. فقد اضطرت العديد من هذه الشركات إلى تسريح الكثير من موظفيها، وتخفيض الرواتب أو تأخيرها.
ولم تكن هذه الإجراءات ضرراً بسكان مكة وحدهم. بل ألحقت الضرر أيضًا بالحجاج الذين أنفق بعضهم مدخراتهم للقيام بمناسك الحج، واضطروا لإلغاء رحلاتهم وهم الآن يعانون مع منظمي رحلات الحج والشركات لاسترداد أموالهم.
وجاء قرار تقليص أعداد الحجاج ضربة قاسية أخرى على السعودية حيث جاء متزامناً مع انخفاض أسعار النفط والخسائر الناجمة عن إجراءات الحماية من الفيروس وبينها إغلاق المطارات وفرض حظر تجوّل دام لأسابيع،مما عمق المصاعب الاقتصادية ، وأجبر المملكة لاتخاذ خطوات للتخفيف من هذه الآثار ومن أهمها اعتماد استراتيجية التقشف، وزيادة الضريبة على القيمة المضافة من 5 إلى 15 بالمئة وخفض مخصّصات موظّفي الخدمة المدنية.
ومن الجدير بالذكر بأن موسم الحج كان يدر سنوياً في السعودية نحو 12 مليار دولار في اقتصاد السعودية، حيث يرتكز ما بين 25% و30% من اقتصاد القطاع الخاص في مكة حول الحج. وتوقع أيضًا صندوق النقد الدولي أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي للسعودية بنسبة 6.8% هذا العام، في أسوأ أداء له منذ ثمانينات القرن الماضي.
وكان موسم الحج قد تم إلغاؤه 40 مرة في الماضي بسبب الأمراض والاضطرابات، ولكن لم يتم إلغاؤه منذ تأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة في عام 1932.
وتعتزم السعودية تدارك الخسائر بعد انحسار وباء كورونا وذلك عن طريق استخدام صندوق الاستثمارات العامة لتمويل مشروعات البنية التحتية السياحية التي من المقرر إطلاقها خلال العامين المقبلين، ومن أهم هذه المشروعات :
1. ضخ تمويل مستمر في مشروع البحر الأحمر، الذي يتضمن سلسلة من مناطق الجذب السياحي على طول الساحل السعودي والذي قد يتأخر افتتاحه بسبب كورونا لعام 2022
2. نيوم – المشروع الضخم الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار على الحدود السعودية الشمالية الغربية بالقرب من الأردن وإسرائيل ومصر – من المقرر أن يفتح أبوابه بعد الوباء.
3. تعتزم السعودية تقديم قروض أو حزم عبر الصندوق لإنقاذ للصناعات والشركات ذات الصلة بالسياحة التي تأثرت بشكل مباشر بأزمة كورونا وتقييد الحج.
4. تستعد المملكة لدعم شركة الطيران السعودية لمساعدتها في التعافي بعد الوباء. حيث أن المساعدات الحكومية لن تكون كافية لتعويض الخسائر بالكامل، ما يعني أن تسريح العمال وتخفيضات الميزانية لا تزال محتملة.
5. دعم السياحة وذلك عن طريق مساعدة الفنادق والمطاعم والشركات المحلية، خاصة في مكة والمدينة، عبر الإعفاء من الرسوم ومتطلبات الترخيص، والقروض المدعومة، وحزم التحفيز المباشرة. لكن قد لا تكون كافية لضمان استمرار جميع الشركات والوظائف، ما يعني انكماش نسبة قطاع السياحة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.
6. تتجه الحكومة عبر الصندوق دعم ميزانيات البلديات في المناطق التي تعتمد على إيرادات الحج من الخزانة الوطنية للمساعدة في استيعاب موجات جديدة محتملة من البطالة ودعم الأعمال التجارية المحلية. حيث يمكن استخدام مجموعة متنوعة من الحوافز المحلية، بما في ذلك القروض، وتوظيف عمال جدد في كشوف المرتبات في المدينة والمحافظة، والمدفوعات المباشرة للمواطنين.
يعتبر الحج من أكبر التجمعات البشرية سنويا في العالم. فقرار السعودية بتقليص أعداد الحجاج هذا العام يعتبر قرارا سليما حيث قد يشكّل أداء هذه الفريضة بؤرة رئيسية محتملة لانتشار العدوى مع تدفق ملايين الحجاج على المواقع الدينية المزدحمة. السياحة الدينية بشكل عام تعتبر من أهم الموارد الاقتصادية للمملكة العربية السعودية، والجميع يراهن على نجاح السعودية في تخطي المصاعب الاقتصادية الناتجة عن تقليص أعداد الحجاج وإلغاء العمرة، فهل ستتجاوز السعودية هذه الأزمة يا ترى؟