لبنان: حسابات انتخابية تعطل حلول المياومين

تاريخ النشر: 26 يوليو 2012 - 10:53 GMT
الكل يتحدث عن حل قضية المياومين.. والحل لا يأتي
الكل يتحدث عن حل قضية المياومين.. والحل لا يأتي

الكل يتحدث عن حل قضية المياومين.. والحل لا يأتي. بعد عشرين يوماً على رفع الرئيس نبيه بري جلسة مجلس النواب، لا يزال الخلاف على حاله. كل طرف يحمّل المسؤولية للآخر. بري يرفض التخلي عن «حقوق المياومين في التثبيت في المؤسسة التي عمل بعضهم فيها لفترة تزيد عن 15 عاماً»، والعماد ميشال عون يؤكد أن «بداية الحل تكمن في إزالة الاحتلال لمؤسسة الكهرباء».

بين هذين السقفين، حُكي الكثير عن قرب التوصل إلى إقفال الملف، الذي يُجمع الطرفان أنه لم يكن إلا رأس جبل الجليد المليء بتراكمات لم تنفع في تغطيتها كل المسكنات التي كان يبثها «حزب الله». بعد «المياومين»، كانت المرة الأولى التي يعلن «التيار الوطني الحر» علناً أن الطبيب المفترض، أي «حزب الله»، ليس إلا شريكاً في المسؤولية، بعد تخليه عن دوره الوسطي لصالح دعم وجهة نظر بري.

بالرغم من تحديد عون لسقف الخلاف منذ البداية، من خلال تأكيده على التحالف الاستراتيجي مع المقاومة، من دون أن يعني ذلك عدم الاختلاف مع الحزب في ما يتعلق بالأداء في الداخل، إلا أن عدداً من كوادر «التيار الحر» سرعان ما وجد الفرصة سانحة لـ«هز العصا» في وجه التفاهم القائم منذ العام 2006، لأسباب انتخابية بحتة.

تلك المحاولات، التي كان الوزير جبران باسيل أبرز وجوهها، أحدثت تململاً عبّر عنه أكثر من مشارك في اجتماعات «التيار الوطني الحر»، التي تعقد دورياً في دارة العماد عون وبمشاركة وزراء ونواب وقياديين في «التيار». سريعاً انضبط إيقاع الجميع تحت سقف «التحالف الاستراتيجي»، الذي لا مانع من هوامش حركة تتظلل به، في ما أصرت قلة على إعطاء الحلفاء رسالة واضحة تؤكد أن لـ«التيار» خصوصيته التي يجب الحفاظ عليها، مذكرين أن أي خطوة تؤدي لإضعاف «التيار» ترتد عليهم حكماً.

كان يمكن للقاء الذي جمع باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» الحاج وفيق صفا أن يكون البداية الفعلية للحل. اتفق الطرفان حينها على ثلاث نقاط: إنهاء اعتصام المياومين أولاً، تقديم اقتراح قانون جديد من «تكتل التغيير» ثانياً، على أن يعلن رئيس المجلس بعد ذلك عن جلسة للهيئة العامة يتم خلالها تصديق محضر الجلسة السابقة، ثم مناقشة الاقتراح المقدم.

وبالرغم من الموافقة المبدئية لـ«تكتل التغيير» على الصيغة، إلا أنه استمهل الحل لأخذ موافقة الكتل الأخرى، التي وقفت إلى جانبه في رفض القانون الذي أقر («الكتائب» و«القوات»). كما تم الاتفاق على أن يتضمن الحل طرح اقتراح القانون الذي تقدم به النائب سامي الجميل حول التصويت الالكتروني.

كانت المفاجأة بالنسبة الى «التيار» أن يوم الاثنين الماضي وبدل أن يكون عنواناً لتعزيز الثقة، كانت النتيجة إصراراً من المياومين على الاستمرار في «احتلال المؤسسة» إضافة إلى قطع الطريق وانتقال الاعتصام إلى بكفيا. عند هذه النقطة توقفت عجلة الحل، وبالرغم من أن المبادرة لم تنته إلا أنها لم تتقدم أي خطوة إلى الأمام منذ الاثنين الماضي، باستثناء المشاركة الرمزية لـ«التكتل» في الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري لهيئة المكتب ورؤساء اللجان والمقررين. أعلن رئيس لجنة الشباب والرياضة سيمون أبي رميا خلال الاجتماع أنه يمثل «التكتل» (كان النائب غسان مخيبر حاضراً). 

أراد أبي رميا أن يوصل رسالة مزدوجة مفادها أن «التكتل» ما يزال معترضاً على أداء رئيس المجلس في موضوع المياومين، لكنه يرفض مقاطعة المؤسسات الدستورية. في موازاة ذلك، كان باسيل يقوم بزيارة دعم لمديرة الشؤون المالية في كهرباء لبنان منى عيسى، استنكاراً لتعرضها للتهديد المباشر في مكتبها ومغادرتها المركز.

تلك الخطوة لم يجد فيها مصدر مواكب إلا استمراراً للحرب الدائرة على خلفية قضية المياومين، الذين أعلنوا أنهم يملكون شريط فيديو للقاء يؤكد أنهم لم يتعرضوا لها بالتهديد بل جل ما في الأمر أن بعض المياومين العاملين في إدارتها قصدها للاعتراض على قيمة الحسم الكبيرة على الراتب (600 ألف من 800 ألف).

يخشى مصدر داعم لقضية المياومين من افتعال الوزير لمسألة التهديد بهدف إيجاد مبرر لإبقاء عيسى في منزلها، تمهيداً لوقف الدفع كلياً وشل المؤسسة، بما يؤدي إلى تأليب الرأي العام على المياومين. ويلمح بأن محاولة كهذه كان قد قام بها باسيل قبل أيام «بعدما فصلت محطة دير عمار عن الشبكة، لتحميل مسؤولية قطع الكهرباء للمياومين».

لم يعد مصدر عوني يفهم سبب إصرار بري على محاربة «التيار» على أبواب الانتخابات النيابية المقبلة. وهو يسأل: هل حقاً لا يعرف رئيس المجلس حساسية منطقة الأشرفية وأهلها الذين لم يعودوا قادرين على تحمل تلك الحالة النافرة التي يشكلها اعتصام المياومين في المنطقة؟ وفي هذا السياق يشير إلى أن مسيرة اليوم التي تنطلق من ساحة ساسين باتجاه درج غلام المحاذي لمؤسسة كهرباء لبنان، ليست إلا تعبيراً عن الواقع المتشنج الذي أفرزته تلك التحركات. وأن يصر المصدر على أن المسيرة هي مسيرة سلمية سيتسلح المشاركون فيها بمصابيح كهربائية، ويعبرون خلالها عن رفضهم احتلال مبان حكومية في الاشرفية ورفضهم الأمر الواقع القائم على تعطيل المؤسسات والمرافق الرسمية وترهل الخدمة العامة، ودفاعاً عن منطق المؤسسات».

يذهب المصدر بعيداً عندما يحلل «تصرف بري»، وإن يأمل أن لا يكون هدفه فرط التحالف الأكثري من أساسه. في المقابل، يستغرب مصدر معارض لأداء باسيل في وزارة الطاقة تحويل الموضوع الإنساني الى قضية طائفية. كما يسأل: لماذا لا يرى التحركات التي قام بها المياومون في جونيه وبكفيا، ولماذا يصر أن كل هؤلاء من لون طائفي معين؟

وإذ يدعو المصدر إلى حل قضية المياومين، بوصفهم أصحاب حقوق على الدولة التي لم تعطهم حقهم في كل الفترة الماضية، بدل ضربها، بعيداً عن كل لغة التمييز. فإنه يسأل: إذا كان الوزير باسيل مهتم بالمساواة بين الطوائف، فلماذا لا يعترض على الخلل القائم في المراكز الأساسية في كهرباء لبنان (فئة ثالثة وما فوق) والبالغ عددهم 182 موظفاً، يشكل المسيحيون 60 في المئة منهم.  يبدو المصدر واثقاً أن باسيل «يفتعل من المياومين قضية للتغطية على فشله في الوزارة، بعد أربع سنوات من استلامها، من دون ان ينجح في تحويل كل الدراسات التي كان يزين بها مؤتمراته الصحافية أو الإعلانات التي كان يزين بها الطرقات، الى خطة عمل حقيقية لتطوير قطاع الكهرباء بما يوصل التوزيع إلى 24 ساعة يومياً.

«الحل عند بري»، يقول نائب في «تكتل التغيير»، مؤكداً أنه وحده القادر على إنهاء الأزمة، «وهو وحده الذي يصر على إعاقة كل الحلول المطروحة، علماً أنه لو أراد ذلك لكان يكفي انطلاقاً من دوره المفترض إلى الدعوة إلى جلسة نيابية عامة وإعادة التصويت أو على الأقل السعي الفعلي لإيجاد حل ينهي الأزمة، لا انتظار الحلول التي لن تأتي بطريقة المعالجات الحالية».

يوافق مصدر أكثري بأن بري هو المرجع الوحيد للحل، مذكراً في الوقت نفسه أنه أخذ بمعظم الملاحظات التي قدمها باسيل على القانون، ويضيف: المشكلة في أن باسيل إما يريد كل شيء أو يعتبر أنه يُحارب ولا أحد يعرف من هو عدوه، سوى أنه يريد أن يراكم انتخابياً ولو ادى ذلك الى الإضرار بتفاهمات إستراتيجية.

ويستغرب مصدر متابع للأزمة كيف نجح باسيل في إبعاد كل الأطراف عن أساس المشكلة، التي بدأت مع إقحام الشركات المقدمة للخدمات إلى القطاع، والتي كانت أولى نتائجها شعور معظم المياومين أن الهدف من خلالها هو طردهم من عملهم. كما يذكر أن المشروع الذي قدمه باسيل كان يتضمن مباراة مفتوحة يشارك فيها المياومون غير العاملين في قطاعات التوزيع والجباية، مع إعطائهم علامات إضافية، إضافة إلى إمكان اشتراك أي كان من المواطنين. ويرى المصدر أن ذلك كان كافياً للربط بين هذه الخطوة وبين الشركات التي لا يمكن أن تعمل من دون الاستعانة بعمال المؤسسة.

يرفض المصدر الحديث عن خلاف يتعلق بعدم تحديد سقف للعدد المطلوب من الموظفين، مشيراً إلى أن القانون الذي أقر والذي تطرق إلى مباراة محصورة يشارك فيها كل المياومين لا يمنع أن تقوم الحكومة، بعد أن تتبين الحاجة الفعلية للمؤسسة، بتحديد العدد المطلوب توظيفه.