تراجع حماسة اللبنانيين لدعم نازحين سوريين تحولوا إلى «شريك مضارب»

تاريخ النشر: 30 يناير 2013 - 09:17 GMT
لا إحصاءات رسمية عن عدد النازحين في طرابلس
لا إحصاءات رسمية عن عدد النازحين في طرابلس

خرجت قضية النازحين السوريين إلى طرابلس، أو تكاد، من إطارها الإنساني الذي لم يكن يوماً بعيداً عن الاستغلال السياسي. وبدأت تتحول إلى أزمة خانقة ترخي بظلالها القاتمة على أبناء المدينة على الصعد الاجتماعية والمعيشية والأمنية، خصوصاً في ظل عدم ظهور أي مؤشرات عن قرب انتهاء أزمة النازحين وعودتهم إلى ديارهم. 

مؤخراً احتل الحديث عن معاناة النازحين السوريين حيزا واسعا من الاهتمامات في ظل تقلص حجم المساعدات والتقديمات التي كانت تصلهم من جمعيات ومؤسسات خيرية محلية وإقليمية، ومعه كثرت المخاوف من انعكاسات تلك الأزمة على المدينة الذي بدأ نعيم النزوح «السياسي» في البداية لدى البعض يتحول إلى جحيم على الغالبية، بعدما راحت «السكرة السياسية» وجاءت فكرة واقع النزوح وأزماته المتلاحقة.

في طرابلس لا إحصاءات رسمية عن عدد النازحين الذين تتضارب المعلومات حول تعدادهم وفق تقديرات كل مصدر، إلا أن المؤكد أن العدد المتواجد يفوق قدرة المدينة على استيعابه وقدرات المؤسسات المعنية على توفير احتياجاته التي تبدأ بأماكن الإقامة ولا تنتهي عند المستلزمات المعيشية وما بينهما من تفاصيل لا تقل شأناً، بينتها وقائع ميدانية على الأرض لحالات اجتماعية دفعتها الحاجة إلى سؤال الناس للحصول على أبسط المساعدات لسدّ رمقها.

لم يكن وصول النازحين إلى طرابلس بداية أمراً مستغرباً، انطلاقا من عوامل سياسية وجغرافية وديموغرافية. كما لم تكن الحفاوة في الاستضافة من قبل سكان المدينة وبعض التيارات السياسية بالأمر المستغرب أيضاً، وكذلك التقديمات والتسهيلات التي حظيت بها تلك العائلات من قبل جمعيات كثيرة شرعت أبوابها للنازحين وأفرغت خزائنها المالية لتلبية احتياجاتهم من مواد غذائية وأدوية واستشفاء وتعليم ومساعدات مالية نقدية بدل إيجار المسكن. ويمكن القول إن ذلك الاهتمام اللافت كان سببا في تحول وجهة العديد من العائلات السورية من عكار وبقية أقضية الشمال إلى طرابلس للاستفادة من وفرة المساعدات، التي كانت غالبيتها تصل عبر قنوات تمولها دول خليجية. إلا أن الأمور لم تبق على حالها مع مرور الزمن، حيث بدأت تلك المساعدات تخضع لبرنامج تقنين، وصولاً إلى الانقطاع التام لدى بعض تلك الجمعيات «بسبب شحّ التمويل»، والذي عزاه البعض لأسباب سياسية و«سلوكية» في أحيان أخرى على خلفية عمليات اختلاس مالية يتم الحديث عنها في أروقة المعنيين وحتى النازحين.

في أحياء طرابلس الشعبية والمهمشة، لا حاجة إلى دليل للوصول إلى أماكن إقامة النازحين السوريين، ولا حتى إلى الكثير من الاستفسار عن وضع سكان تلك المناطق وما يعانونه أصلا من مشاكل زادت مع وجود مئات العائلات السورية، والتي بدأ بعضها مشاركة هؤلاء لقمة خبزهم من مصدر رزقهم المتواضع.

ولعل ما يدور من أحاديث في أوساط فقراء المدينة عن الامتيازات والرعاية التي يحظى بها النازحون السوريون، يعطي فكرة عن حالة الملل والاستياء من طول أمد الإقامة وما يمكن ان تتسبب به من مضاعفات اجتماعية على هذه الشريحة التي تعاني الأمرين، لتوفير قوت أولادها وتأمين احتياجاتهم وتحديداً الاستشفائية والتعليمية منها. وهي إلى يومنا هذا ما تزال متوفرة للنازح السوري على رغم تقلص المساعدات الأخرى.

ويمكن لأي شخص في المدينة ان يلحظ تراجع الحماسة تجاه النازحين السوريين، إن كان على صعيد عامة المواطنين أو السياسيين والجهات التي كانت تعنى بشؤونهم بداية. وهو ما يتجلى على الأرض بانحسار التظاهرات المتضامنة معهم وعدم الاندفاع لمؤازرتهم في نشاطاتهم السياسية وتحركاتهم المطلبية، والتي كان آخرها قبل أيام أمام مركز الأمم المتحدة حيث لم يتجاوز عدد المشاركين المئة شخص من السوريين، على الرغم من التحضيرات المسبقة والدعوات التي وزعت عليهم وعلى جهات حزبية لبنانية، كانت تبادر سابقاً إلى تنظيم ودعم تحركات كهذه، وهو ما وضعه البعض في خانة التخلي غير المعلن عنهم لمواجهة مصيرهم، أو لانتظار الظرف السياسي المناسب الذي يستدعي دعمهم. لكن من بين المؤشرات السلبية لواقع النزوح على المدينة هو في تزايد عدد المتسولين والباعة المتجولين والمنافسة على وضع البسطات في الأحياء الشعبية. وهي أمور كفيلة مستقبلا بتفجير مزيد من الأزمات الاجتماعية تطال النازحين وأبناء المدينة على حد سواء، الذين باتوا يشعرون بوجود شريك مضارب لهم بدأ يغمس يداه في صحنهم.