باحثون من وايل كورنيل للطب - قطر يستقصون الآثار العلاجية للموسيقى العربية

أطلق باحثون من وايل كورنيل للطب - قطر تجربة إكلينيكية غير مسبوقة لاستقصاء جدوى الموسيقى الشرق أوسطية في حال الاستعانة بها كوسيلة علاجية لعدد كبير من الأمراض.
فبينما حظيت الموسيقى الغربية باهتمام متنامٍ من باحثين استقصائيين درسوا آثارها العلاجية المحتملة، لم تحظَ موسيقى الشرق الأوسط أو الموسيقى العربية باهتمام يُذكر في ما يتعلق بمنفعتها العلاجية المحتملة. لذا، ومن أجل الإسهام في البحوث العالمية المنصبّة على علم الأعصاب الموسيقي وإثرائها، جمعت الدكتورة غزلان بن دريس، الباحثة في علم الأعصاب والمحاضرة في علم الأحياء في برنامج ما قبل الطب في وايل كورنيل للطب - قطر، فريق باحثين يتألف من علماء أعصاب وطلاب طب إلى جانب مختصة في مجال العلاج بالفن، لدراسة أثر وتأثير الاستمتاع إلى الموسيقى الشرق أوسطية في نشاط دماغ الإنسان وحالته المزاجية.
واستعان فريق الباحثين بأداتين تقييميّتين أساسيتين، أولاهما جهاز تخطيط كهربية الدماغ (EEG) لرصد نشاط الدماغ عند استجابته للموسيقى العربية، وثانيهما استبيانات نموذجية موحدة مصمّمة خصيصاً لتحديد الحالة العاطفية للمشاركين بالدراسة. واستعين بمقطوعات موسيقية تجريبية مسجلة ألَّفها لهذه الدراسة ياسين عياري أستاذ الموسيقى في مدارس تابعة لمؤسسة قطر، وعزفها على آلات موسيقية عربية تراثية، هي الناي والعود والقانون، فريق عمل قسم الموسيقى العربية في أكاديمية قطر للموسيقى.
ويُعتقد أن هذه الدراسة هي أول دراسة من نوعها في العالم توظّف أدوات تقييمية، فسيولوجية عصبية ونفسية عصبية على حدّ سواء، لاستقصاء جدوى الموسيقى الشرق أوسطية في نُهج العلاج بالموسيقى. ومن اللافت أن الدراسة البحثية نالت اعتراف ClinicalTrials.gov، وهو سجل تديره المكتبة الوطنية للطب (NLM) في المعهد الوطني للصحة (NIH) بالولايات المتحدة، ويرصد هذا السجل كل دراسة إكلينيكية معتمدة جارٍ تنفيذها حول العالم بتمويل عام أو خاص.
وأحد أبرز أهداف الدراسة البحثية التي يعكف عليها حالياً باحثو وايل كورنيل للطب – قطر، تحديد ما إذا كانت نُهج العلاج بالموسيقى القائمة على تراث موسيقى منطقة الشرق الأوسط أفضل في محصلتها عندما يتعلق الأمر بالسكان الذين ينتمون إلى تراث منطقة الشرق الأوسط ويفضلون موسيقاها.
وفي هذا الصدد، قالت الدكتورة بن دريس: "ثمة الكثير من البحوث الداعمة لمفهوم العلاج بالموسيقى بصفته وسيلة فعالة لعلاج أمراض عدة، غير أن المؤلفات والدراسات في هذا المجال تكاد تركز حصراً على الموسيقى الغربية. ولأن الموسيقى الغربية والموسيقى الشرق أوسطية تختلفان كثيراً على صعيد درجات السّلم الموسيقي والإيقاع والآلات الموسيقية، ارتأينا أن مثل هذه الفجوة المعرفية الشاسعة قد تحول دون استفادة سكان الشرق الأوسط من مفهوم العلاج بالموسيقى. ومن هذا المنطلق، شرعنا في تصميم تجربة إكلينيكية لا تقتصر الغاية منها على محاولة تحديد الآثار الفسيولوجية العصبية والنفسية العصبية للعلاج بالموسيقى باستخدام مقطوعات موسيقية شرق أوسطية فحسب، بل أيضاً دراية معرفة تأثير ثقافة المرء في تلقيه للموسيقى وفي عملياته العاطفية والإدراكية".
ولتحقيق الغاية المنشودة من الدراسة، أدار الباحثون 24 معزوفة مسجّلة مختلفة مدة الواحدة منها دقيقة واحدة ومن مقامات موسيقية عربية مختلفة، ومن ثم قاموا برصد وتحليل التغيّرات في نشاط أدمغة المستمعين المشاركين بالدراسة باستخدام جهاز تخطيط كهربية الدماغ. وإلى جانب ذلك، تم تقييم الحالة العاطفية للمشاركين قبل جلسة الاستمتاع إلى المعزوفات الموسيقية وبعدها، وكذلك بين كل معزوفة وأخرى، بالاعتماد على استبيان يتألف من 60 بنداً يُعرف باسم "الجدول الموسّع للتأثيرات الإيجابية والسلبية" (PANAS-X) وهو يرصد مجموعة متنوعة من الحالات الإيجابية والعاطفية. وتستلهم دراسة فريق الباحثين من وايل كورنيل للطب - قطر دراسات موسّعة عن تأثير المقامات الموسيقية العربية في الحالة الفسيولوجية والصحة العقلية أُجريت في القرن العاشر للميلاد على يد فلاسفة العصر الذهبي للإسلام من أمثال الفارابي وابن سينا.
وتعكف على إنجاز الدراسة المعنونة "دراسة المتغيرات التي تؤثر في استجابة المناطق القشرية من الدماغ للسُّلم الموسيقى العربي بالاستعانة بجهاز تخطيط كهربية الدماغ من أجل علاج مشخصن وفعال بالموسيقى في الشرق الأوسط: دراسة إكلينيكية" الدكتورة بن دريس في شراكة مع أخصائية التدريس في علم النفس سارة روتش ومنسقة مختبر الفيزياء والفزيولوجيا حنان سابا. ويُستخدم مشروع البحث أيضاً للإشراف على خمسة طلاب طب هم: شهد جاعوني، مريم القره داغي، محمد جنجوا، ريديما كول وشيهروز رانا.
وقال الدكتور ماركو أميدوري، الأستاذ المشارك للفيزياء والعميد المشارك الأول لبرنامج ما قبل الطب وشؤون المنهج المشترك في المدينة التعليمية: "يتيح هذا المشروع غير المسبوق فرصة مذهلة لطلابنا لاكتساب خبرة بحثية مباشرة، وتقديم إسهام مهم في الوقت نفسه في إثراء فهمنا لمفهوم العلاج بالموسيقى الذي من شأنه أن ينفع الكثيرين في التغلب على أمراضهم".
وبعد الانتهاء من جمع جميع البيانات اللازمة، من المقرر أن يستخدم الباحثون أدوات معلوماتية حيوية لإجراء دراسة ارتباطية بين نتائج جهاز تخطيط كهربية الدماغ والإجابات المدونة في استبيان الجدول الموسّع للتأثيرات الإيجابية والسلبية إلى جانب معلومات أخرى ذات صلة مثل عمر المشارك وجنسه وإثنيته، وفي ما إذا كان أعسراً أو أيمناً، وخياراته الموسيقية المفضلة، وأيضاً في ما إذا كان يعزف آلة موسيقية ما.
ومن المؤمل أن تفضي محصلة هذه الدراسة البحثية المهمة إلى تطبيقات عملية مباشرة في تطوير نُهج شخصية للعلاج بالموسيقى في المنطقة لعلاج وإدارة عدد من الأمراض العقلية، والأمراض التنكسية العصبية، وغيرها من الأمراض المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط.
خلفية عامة
وايل كورنيل للطب - قطر
تأسست وايل كورنيل للطب - قطر من خلال شراكة قائمة بين جامعة كورنيل ومؤسسة قطر، وتقدم برنامجاً تعليمياً متكاملاً مدته ست سنوات يحصل من بعدها الطالب على شهادة دكتور من جامعة كورنيل. يتمّ التدريس من قبل هيئة تدريسية تابعة لجامعة كورنيل ومن بينهم أطباء معتمدين من قبل كورنيل في كل من مؤسسة حمد الطبية، مستشفى سبيتار لجراحة العظام والطب الرياضي، مؤسسة الرعاية الصحية، مركز الأم والجنين وسدرة للطب. تسعى وايل كورنيل للطب - قطر إلى بناء الأسس المتينة والمستدامة في بحوث الطب الحيوي وذلك من خلال البحوث التي تقوم بها على صعيد العلوم الأساسية والبحوث الإكلينيكية. كذلك تسعى إلى تأمين أرفع مستوى من التعليم الطبي لطلابها، بهدف تحسين وتعزيز مستوى الرعاية الصحية للأجيال المقبلة وتقديم أرقى خدمات الرعاية الصحية للمواطنين للقطريين وللمقيمين في قطر على حدّ سواء.