دراسة لوايل كورنيل للطب قطر تكشف تفاصيل الآلية الكامنة وراء سرطانات الثدي الشرسة

كشف باحثون من وايل كورنيل للطب – قطر عن الدور الرئيس لبروتين محدّد في نمو أنواع سرطان الثدي الأكثر شراسة والأكثر مقاومة للعلاج. وتوصلت دراسة عالمية أسهمت بها مؤسسات علمية عدة وقادها الدكتور لطفي شوشان، أستاذ الطب الوراثي وعلم الأحياء الدقيقة وعلم المناعة في وايل كورنيل للطب - قطر، إلى أن تأثير البروتين المسمى STXBP6 يظلّ مكبوتاً بعمق في سرطانات الثدي الثلاثية السلبية. وتُحدث هذه السرطانات انتكاسة مبكرة ومن ثم انتشارها نحو أعضاء الجسم الأخرى على الرغم من العلاجات المكثفة المقترنة بالجراحة بالإضافة إلى العلاجين الكيميائي والإشعاعي.
وأُجريت الدراسة المعنونة "البروتين STXBP6، المنظَّم بطريقة تبادلية مع عملية الالتهام الذاتي للخلايا، يقلل شراسة سرطانات الثدي الثلاثية السلبية" بمشاركة باحثين من وايل كورنيل للطب – قطر ونيويورك وسدرة للطب ومؤسسة حمد الطبية في قطر وجامعة خرونينغن في هولندا، ونُشرت في الدورية الطبية العالمية المرموقة Clinical and Translational Medicine. وموّلت من برنامج بحوث الطب الحيوي في وايل كورنيل للطب - قطر وأيضاً من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي (المنحة رقم NPRP9-459-3-090).
وتمثّل سرطانات الثدي الثلاثية السلبية قرابة 15-20 من مجمل سرطانات الثدي وهي مرتبطة بأسوأ حصيلة علاجية على الإطلاق. وفي حين تعالج أنواع عدة من سرطان الثدي بنجاح وبدرجات متفاوتة، لم يتوصل العلم بعد إلى علاج فعال يستهدف سرطانات الثدي الثلاثية السلبية على وجه التحديد.
وتبيّن لفريق الباحثين أن البروتين STXBP6 يساعد على تنظيم عملية خلوية طبيعية تعرف باسم الالتهام الذاتي للخلايا، ويقصد بها استقلاب الخلايا القديمة والتالفة أو القضاء عليها، وهو ما يسمح لخلايا جديدة سليمة بالنمو. وفي الخلايا السرطانية، تعوق عملية الالتهام الذاتي للخلايا نمو الأورام عبر تثبيط بقاء الخلايا السرطانية على قيد الحياة واستحثاث موتها. وعندما تعطَّل عملية الالتهام الذاتي للخلايا في ظروف معينة تغدو الخلايا السرطانية أكثر قدرة على النمو والتكاثر.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور شوشان: "ثمة حاجة حقيقية إلى تطوير علاجات جديدة تستهدف سرطانات الثدي الثلاثية السلبية على وجه التحديد لأنها لا تستجيب كما يجب للعلاجات الحالية. وقد استطعنا في هذه الدراسة أن نعمّق فهمنا كثيراً للآليات التي تقف وراء شراسة سرطانات الثدي الثلاثية السلبية ومقاوَمتها للعلاج، ونأمل أن توفر نتائجها أهدافاً لتطوير علاجات جديدة فعالة لسرطانات الثدي الثلاثية السلبية بما يحسّن بشكل ملموس حصيلتها العلاجية".
يُطلق على سرطانات الثدي الثلاثية السلبية هذا الاسم لأن الخلايا السرطانية لا تحتوي على هرمون الاستروجين أو مستقبلات البروجسترون (وهي أهداف للعلاجات القائمة على الهرمونات) ولأنها لا تقوم بتصنيع البروتين المسمى HER2 (وهو هدف للعلاجات القائمة على الأجسام المضادة) مثل بعض أشكال سرطان الثدي الأخرى.
وشرح الدكتور شوشان قائلاً إن تحليلات مخبرية أظهرت أن البروتين STXBP6 يتفاعل مع بروتين آخر هو SNX27، ومن المعروف عن البروتين الأخير دوره المؤثر في عملية الالتهام الذاتي للخلايا. وعلاوة على ذلك، تبيّن للباحثين، من خلال تجارب مختبرية تستند إلى الخلايا وأيضاً من خلال انحسار انبثاث الأورام في تجارب أُجريت داخل أجسام الفئران الحية، أن البروتين STXBP6 يقلل إلى حد كبير قدرة خلايا سرطانات الثدي على الانبثاث والانتقال نحو أعضاء الجسم الأخرى. ومع ذلك، وفي حين أن لعملية الالتهام الذاتي للخلايا دوراً كبيراً، كما يبدو، في الحفاظ على صحة الخلايا والحؤول دون استهلال الأورام في الجسم، تضطلع هذه العملية ذاتها بدور مزدوج متناقض، إذ يمكنها في حالات أخرى أن تسهّل بقاء الأورام على قيد الحياة، ويعتمد ذلك على مجموعة متنوعة من العوامل مثل نوع السرطان ومرحلته.
وأضاف الدكتور شوشان قائلاً: "تجسّد هذه الدراسة التي شاركت فيها عدة مؤسسات طبية وعلمية نموذجاً جديداً في فهمنا لدور الالتهام الذاتي للخلايا في سرطانات الثدي، وهذه عملية بالغة التعقيد ومتعددة الأوجه. ونعتقد أن ثمة حاجة إلى مزيد من البحث لفهم دور الالتهام الذاتي للخلايا بالتفصيل خلال المراحل المختلفة من تطور السرطان من أجل إنشاء فئة جديدة من الاستراتيجيات العلاجية تكون فعالة وآمنة بحق".
وقال الدكتور خالد مشاقة، أستاذ الفسيولوجيا والفيزياء الحيوية والعميد المشارك الأول للبحوث والابتكارات والتداول التجاري في وايل كورنيل للطب - قطر: "ستمهّد هذه الدراسة البحثية الريادية الطريق أمام المزيد من الدراسات الاستقصائية عن العمليات الخلوية التي تسمح لسرطانات الثدي الثلاثية السلبية بمقاومة الاستراتيجيات العلاجية الحالية. وتتيح الدراسة أيضاً أهدافاً مفيدة إلى أبعد حد ستسهم في تصميم عقاقير سرطان جديدة أكثر فاعلية في المستقبل. وتقود هذه التطورات الإيجابية للغاية نحو تطبيق النتائج البحثية في تحسين معايير تقديم خدمات الرعاية الصحية في قطر في الأجل الطويل".
خلفية عامة
وايل كورنيل للطب - قطر
تأسست وايل كورنيل للطب - قطر من خلال شراكة قائمة بين جامعة كورنيل ومؤسسة قطر، وتقدم برنامجاً تعليمياً متكاملاً مدته ست سنوات يحصل من بعدها الطالب على شهادة دكتور من جامعة كورنيل. يتمّ التدريس من قبل هيئة تدريسية تابعة لجامعة كورنيل ومن بينهم أطباء معتمدين من قبل كورنيل في كل من مؤسسة حمد الطبية، مستشفى سبيتار لجراحة العظام والطب الرياضي، مؤسسة الرعاية الصحية، مركز الأم والجنين وسدرة للطب. تسعى وايل كورنيل للطب - قطر إلى بناء الأسس المتينة والمستدامة في بحوث الطب الحيوي وذلك من خلال البحوث التي تقوم بها على صعيد العلوم الأساسية والبحوث الإكلينيكية. كذلك تسعى إلى تأمين أرفع مستوى من التعليم الطبي لطلابها، بهدف تحسين وتعزيز مستوى الرعاية الصحية للأجيال المقبلة وتقديم أرقى خدمات الرعاية الصحية للمواطنين للقطريين وللمقيمين في قطر على حدّ سواء.