يرفض المفكر الفلسطيني سلامة كيلة وضع ثورات العالم العربي الحالية في سياق الثورات البرتقالية, لاختلاف الأساس الذي قامت عليه كل ثورة, مبيناً أن الهدف من تشبيه ثورات الشعوب العربية بالبرتقالية هو التشكيك بها ومحاولة لتوصيف الحالة الحالية بأنها مؤامرة أمريكية.
وأشار كيلة في الندوة التي عقدتها جمعية الثقافة البديلة في رابطة الكتاب يوم الأربعاء (9 آذار) بعنوان "الثورات في العالم العربي: كيف وإلى أين؟" إلى أن ما حصل هو أمر مرعب لأمريكا.
ومن هذه الجزئية بدأ بالتوصل للنقاط الموضوعية التي يرى أنها أفضت إلى هذا الحراك, وأبرزها الخصخصة التي لم تتمثل بنقل الخدمات أو الصناعات من القطاع العام إلى الخاص وحسب بل إنها قامت بتدمير القطاع العام, وانسل كل شيء من أيدي الدولة إلا الأمن.
يضاف إلى ذلك التحولات التي جرت منذ مطلع التسعينات والتي أدت لوجود طبقة وصفها كيلة بـ "المافيوية" نسبة لعصابات المافيا, والتي ركزت جهودها على بناء المدن الحديثة والتركيز على قطاع السياحة, فتحول الاقتصاد من منتج إلى اقتصاد ريعي.
وتلك الأجواء ما كانت لتفرز إلا البطالة والفقر, التي أسست بدورها لحراكات عديدة في المجتمعات وصلت للثورات التي شهدتها تونس ومصر وغيرها من الدول العربية.
هذا دون أن يغفل دور الأزمة العالمية التي بدأت عام 2008 في احتقان الشارع العربي, كونها انعكست بصورة سلبية على الواقع العربي, وتحديداً عندما لم تتردد أمريكا في سحق الشعوب العربية بتبعات هذه الأزمة.
مشدداً على أن جوهر الثورات في العالم العربي ارتباطها بنظام اقتصادي أفقر الشعوب, ورغم حماسته للديمقراطية, فإنه لا يرى أنها الجوهر الذي قامت عليه الثورات العربية, ليؤكد أنه ما لم تتغير الظروف الاقتصادية فإن الأزمات ستبقى قائمة.
هذا التوصيف للثورات كان المدخل للحديث عن خصوصية كل من ثورة تونس ومصر, فيرى كيلة أن أحداً لم يتوقع الانفجار في تونس التي جاء في أعقاب حرق "بو عزيزي" لنفسه, وكأن تونس كانت تنتظر حدثاً ما لتنفجر.
بينما قامت ثورة مصر بناء على موعد تم عقده على الفيس بوك, مما أدى لاستهتار النظام بهذه الثورة, بل إن النتائج كانت تفوق تصور المنظمين للثورة, فبدل أن يخرج عشرات الآلاف خرج الملايين مطالبين بإسقاط النظام.
ويؤكد على أنه لا خصوصية لدولة عربية دون أخرى, فالطابع "المافيوي" موجود في كل الدول العربية بلا استثناء, مضيفاً أن هذه الثورات ستنتشر في كل أنحاء الوطن العربي وقد تتمدد لدول أخرى في العالم, وهذه التغيرات بدورها ستضعف الرأسماليات المتضخمة غير القادرة على حماية حلفائها.
إضافة لذلك تم عرض فيلم أعده أحد الشبان الباحثين في الأردن شاكر جرار يتحدث فيه عما أسماه "مجتمع ميدان التحرير".
ولا يمكن وصف ما تضمنه الفيلم بأنه شهادات حية لـ "أبناء التحرير" في الشقيقة مصر وحسب, بل كانت فرصة جمعت الحضور ليقتربوا من واقع ميدان التحرير بتفاصيله التي جعلت منه - كما ورد في الفيلم - جمهورية داخل الجمهورية.
هل حان الوقت لنهدأ إلى إخواننا المصريين ونسمع حكاياتهم في ميدان التحرير؟ يبدو أنه قد حان فانشغالهم هذه الأيام في فكفكة أعمدة النظام البائد, لا يمنعهم من الحديث عن ثورتهم التي دخلت التاريخ لإخوانهم.
لم تدخل ثورة مصر التاريخ لمجرد نجاحها في إسقاط النظام, بل لأن المصريين في لحظة واحدة تجاوزوا كل السلبيات الاجتماعية التي تقف حاجزاً بينهم وبين "أم الدنيا", في تلك اللحظة بدأ كل مصري يبوح لوطنه بحبه بطريقته الخاصة.
ليجتمعوا في ميدان التحرير ويترجموا بالرقي - الذي افتقدته الشعوب العربية والشعب المصري في ظل الدكتاتوريات - قصيدة أبو القاسم الشابي, لقد ترجم إخواننا في مصر "إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر" لكن على الطريقة المصرية.