حال من التقشُّف وتضييق النفقات يعيشها سكان سوريا هذه الأيام، بما تبقّى من طبقة وسطى وفقيرة. أما مَن هم في حال مادية جيدة أو أفضل، فيبذلون قُصارى جهدهم لمنع تدهور أوضاعهم وتبدُّل موقعهم في سلّم الطبقات الاجتماعية في البلاد. في الوقت نفسه، بات من الواضح أن نقصاً في الموارد تشهده سوريا مع تزايد الشكاوى من نقص في مادة المازوت التي ازداد الطلب عليها مع قدوم فصل الشتاء، ما دفع البعض للتوجه إلى خيارات أخرى طلباً للتدفئة، كما ارتفع سعر أنبوبة البوتاجاز إلى الضعف.
أما المواد الغذائية، فتشهد بدورها ارتفاعاً متدرجاً في الأسعار ينذر بأزمة كبرى، مترافقاً مع جمود في حركة الأسواق بما أن الجميع يقبض بيديه على ما بقي من مال لديه، مترقّباً تطورات المشهد السياسي ومستقبله. رامي (25 سنة) شاب يعمل في شركة لتنظيم المعارض والمؤتمرات، يقول إن مؤسسته اتخذت إجراءات للحدّ من خسائرها مع تطور الأزمة في البلاد، وإلغاء عشرات المعارض التي كان متوقعاً تنظيمها في دمشق والمدن السورية.
إجراءات بدأت بتقليص فترات الدوام اليومي مروراً بخفض رواتب الأجراء، وتجميد النفقات «غير الضرورية»، لتصل في النهاية إلى تسريح الموظفين بدفعات جماعية، مع دفع جزء من التعويضات لهم. ويقول الشاب إن حالته كانت أفضل بكثير ممّن جرى تسريحهم في شركات أخرى، حيث أُرغموا على التعهد خطياً بعدم المطالبة بأي تعويض أو حتى اللجوء إلى القضاء، وهؤلاء بحسب قوله هم العاملون في القطاع السياحي خصوصاً، إضافة إلى عشرات العمال في مصانع القطاع الخاص. في المقابل، فإنّ المحامية ندى (55 عاماً)، تشير إلى أنها سعت إلى تأمين المازوت للتدفئة، غير أنّ جميع المزوِّدين أبلغوها عدم توافر المادة، في ظلّ طلب الشركة الحكومية للتوزيع مهلة شهر.
وتتحدث السيدة الدمشقية عن بيع المادة بسعر أعلى من السعر النظامي المحدَّد الذي خفضته الحكومة وفق قرار صدر مع بداية الاحتجاجات. وهذا الارتفاع الغريب في سعر المازوت هو ما دفع السوريين إلى البحث عن خيارات أخرى للتدفئة، كالغاز الذي تضاعف سعره أيضاً بسبب كثرة الطلب عليه، وكذلك الكهرباء التي بدأت تنقطع يومياً مع إشارات بدء تطبيق نظام التقنين (انظر الكادر). و«إذا كان هذا هو الوضع في العاصمة دمشق، فما بالك في حمص وحماة والمدن التي تعيش تحت خط النار؟»، وفق تعابير ندى التي تعرب عن تخوُّفها من حديث المسؤولين الأتراك عن حزمة عقوبات يعدّونها ضد سوريا، وأبرزها إيقاف إمداد سوريا بالكهرباء، ما سيعني ازدياداً في انقطاع التيار الكهربائي عن المدن السورية.
أما عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فتشير المحامية إلى غلاء متدرج في السعر، لكنه لم يصل بعد إلى حدود قصوى، بسبب إنتاج معظم المواد داخل سوريا، بحسب ندى التي تستدرك بتشاؤم في توقّعها أن تتّسع أزمة الأسعار إن استمر الوضع على ما هو عليه، «وخصوصاً إن كانت كمية الأمطار التي ستهطل غير كافية»، في إشارة إلى الموسم الزراعي. وفي الحديث عن أزمة الكهرباء، يشير أحد الموظفين في مؤسسة الطاقة الكهربائية إلى أن برنامجاً للتقنين قد اعتُمد ليشمل كافة المناطق، ويستمر ساعة يومياً «قد تطول أكثر مع تقدم أيام الشتاء».
وقد دفعت أزمة المازوت تحديداً وزير النفط السوري سفيان العلاو إلى اتخاذ إجراءات لعلّها تسهم في الحد من الأزمة، من خلال «زيادة الاعتماد على سيارات التوزيع المباشر في دمشق وريفها، وإعادة النظر في الكميات المخصصة لمحطات الوقود التي لا تقوم بدورها في توزيع مادة المازوت، وإضافة الكميات التي يجري خفضها من هذه المحطات إلى الكميات المخصصة للتوزيع المباشر، إلى جانب التنسيق مع المحافظين لتأليف لجان وتكليف مجالس القرى والفرق الحزبية للمساعدة في عمليات التوزيع»، علماً بأن سوريا تستورد سنوياً مليوني متر مكعب من المازوت (المتر المكعب يساوي ألف ليتر)، وهي تحتاج إلى 70 باخرة، أي ما يقدر بباخرة كل أسبوع.