تكنولوجيا الإصلاح المالي مُلزِمات لوزراء المالية

تاريخ النشر: 22 أغسطس 2010 - 09:15 GMT
atalla
atalla

تمر الحكومات في جميع أنحاء العالم حاليا بمراحل مختلفة من الإصلاح المالي، مع اتخاذ العديد منها الخطوات اللازمة لتقليل حجم الإنفاق والموائمة بشكل أفضل بين النفقات والإيرادات. في منطقة الشرق الأوسط، تعد مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة من بين الدول الريادية في تطبيق النظم الجديدة وذلك بهدف اإكتساب مزيدً من الشفافية في عمليات إدارة المحاسبة الحكومية.

فيما يسعى وزراء المال في منطقة الشرق الأوسط إلى تحسين الرقابة المالية لديهم، يكتسب نظام ميكنة إدارة المحاسبة الحكومية المزيد من التأييد والرواج. يوفر هذا النظام الموحّد والدقيق والمميكن لإدارة إيرادات الحكومة ونفقاتها الأدوات التي يحتاج إليها وزراء المال وسواهم من صانعي القرار لتحسين الخدمات الحكومية وتقليص التكاليف وتأمين شروط أفضل للاقتراض.

علاوة على ذلك، يجب توجيه عناية خاصة لوضع إستراتيجية واضحة للنظام وتحديد التوقعات الفعلية المرتقبة. وهنا يقول رامز شحادة الشريك في بوز أند كومباني: "إن تصميم نظام ميكنة إدارة المحاسبة الحكومية برؤية واضحة حول كيفية دعم كافة شروط العمليات الضرورية لإدارة المحاسبة الحكومية واعتماد النظام بطريقة منهجية من خلال البرامج، من شأنهما زيادة فعالية التطبيق ومساعدة المعنيين على الاستفادة من مزايا النظام".

مشاكل الموازنات الحكومية في الشرق الأوسط

بصفة عامة، تعاني الهيئات الحكومية في منطقة الشرق الأوسط من غياب النظم الواضحة والمتسقة لتوقّع ورصد حجم الأموال التي تحتاج إليها لأداء واجباتها بشكل صحيح. فمن دون تقديرات واقعية للنفقات المستقبلية، تدخل الحكومات في دوامة من الإنفاق الزائد في بعض المجالات ونقص في الإنفاق في مجالات أخرى، وتعمد إلى الاقتراض المكلف من أجل التغلب على النقص في السيولة النقدية الذي سيحصل لا محالة.

يعلّق شحادة: "بعد اعتماد الموازنة ورصدها، تواجه دول الشرق الأوسط في كثير من الأحيان صعوبة في إدارة الإيرادات والنفقات الفعلية، حيث يجبر نقص السيولة الحكومات على تحمل ديون إضافية وغير ضرورية لتمويل العجز النقدي".

كما تواجه إدارة المحاسبة الحكومية في الشرق الأوسط مشكلةً أخرى تتمثل في إعداد تقارير الموازنة، والتي غالبا ما تفتقر إلى الشفافية في الخطوط الأساسية للموازنة على مستوى الأجهزة الحكومية. يفرض هذا الأمر تعقيدات على عملية تجميع النشاطات المالية وتحليلها، مما يؤدي إلى التأخر في إعداد تقارير الموازنة فضلاً عن إفتقار هذه التقارير إلى الدقة في المعلومات.

إصلاحات إدارة المحاسبة الحكومية

تبدأ دورة إدارة المحاسبة الحكومية بإعداد موازنات الأجهزة الحكومية واعتمادها قبل بداية السنة المالية الجديدة، وتخصيص هذه الأموال المعتمدة وفقا للنفقات المقررة. وبما أن الأجهزة الحكومية تشتري السلع والخدمات، يتم صرف الأموال لسداد مستحقات الموردين. كما تُراقَب التدفقات النقدية الواردة والخارجة عن كثب لضمان توفر السيولة الكافية لتلبية الاحتياجات قصيرة الأجل، في حين أن الأموال اللازمة لتلبية احتياجات الموازنة على المدى الطويل تؤمَّن من خلال الإيرادات والديون. ويجري إعداد تقارير حول المعاملات المالية (عمليات الصرف والتحصيل) ويتم قياس أدائها والتزامها مقابل الموازنة المعتمدة. وأخيرا، يجري التدقيق في العمليات المالية لضمان الامتثال للمعايير الوطنية والدولية.

هنا يقول جورج عطالله الشريك في بوز أند كومباني: "تتيح دورة إدارة المحاسبة الحكومية الصحية إجراء العديد من التحسينات المهمة في الأداء، بما فيها زيادة الشفافية والمساءلة، وتشديد الرقابة المالية، وتحسين المحاسبة وإعداد التقارير، وخفض عجز التدفق النقدي، وتحسين التصنيف الائتماني وتخفيض التكاليف".

يسعى المسؤولون الحكوميون في جميع أنحاء العالم للقيام ببرامج إصلاح طموحة لإدارة المحاسبة الحكومية، وتحذو البلدان النامية حذوهم، وبتمويل ودعم من الهيئات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بدأت هذه البلدان في التوجه نحو إصلاح إدارة المحاسبة الحكومية كوسيلة لخفض الدين العام، وزيادة الشفافية المالية وتحسين إدارة المحاسبة عموماً.

تعتمد قدرات البلاد في إدارة المحاسبة الحكومية عادةً على مستوى تنميتها الاقتصادية:

النامية: تستخدم الحكومات نظم ورقية لإدارة المحاسبة الحكومية، والمحاسبة على أساس نقدي، وتخطيط المصروفات الزائدة عن الموازنة وغير المرتبطة بالأداء. ونتيجة لذلك، فإنها تجد صعوبة في الحصول على القروض اللازمة لتمويل العجز، وتواجه مشاكل في السيولة نتيجة لعدم الموائمة بين الإيرادات والمدفوعات، ولا يمكنها الحصول على شروط اقتراض جذابة نظرا لارتفاع المخاطر المحتملة. وتشمل هذه الفئة بلداناً مثل غانا وبوليفيا وسوريا.الناشئة: تتبع الدول الناشئة عادة مناهج تدريجية ومرحلية في ميكنة عمليات إدارة المحاسبة الحكومية التي لا تزال مرتبطة بالإجراءات المحاسبية النقدية. وقد تحولت بعض البلدان إلى أساليب إعداد الموازنة على أساس الأداء، غير أن مخاطرها العالية تؤدي إلى شروط اقتراض غير جذابة، ويندرج في هذه الفئة المكسيك وكولومبيا والمملكة العربية السعودية والكويت وقطر.الانتقالية: الحكومات في هذه الفئة في خضم تحديث عمليات إدارة المحاسبة الحكومية، مع بعض العمليات المميكنة والمرتبطة بالقطاع المصرفي. نفذت هذه الحكومات مزيجا من المحاسبة النقدية والمحاسبة على أساس الاستحقاق، وتقوم بتخطيط موازناتها على أساس مقاييس الأداء، ولديها بعض التدابير لإدارة التدفقات النقدية. وقد ساهمت هذه التطورات في تحسين التصنيف الائتماني وقدرات الاقتراض بها، ومن الأمثلة هنا سلوفينيا والهند والصين والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن ولبنان.المتقدّمة: قامت الدول المتقدمة بميكنة عمليات إدارة المحاسبة الحكومية المدمجة مع القطاع المصرفي، والمحاسبة على أساس الاستحقاق، ووضع الميزانية على أساس الأداء. تسمح هذه المزايا للحكومات بإدارة تدفقاتها النقدية على نحو استباقي وكذلك على نحو أمثل، والمحافظة على توازن موازناتها، والاستفادة من تصنيفات ائتمانية أعلى وشروط اقتراض مُثلى. تتمتع أستراليا ونيوزيلندا وسنغافورة والولايات المتحدة بأنظمة متكاملة لإدارة المحاسبة الحكومية.

توضيح الحاجة لتطبيق نظام ميكنة إدارة المحاسبة الحكومية

فيما يسعى وزراء المالية في منطقة الشرق الأوسط إلى تحسين الرقابة المالية لديهم،قليلة جدا الخيارات المتاحة التي تحقق الأثر نفسه الذي يحققه نظام ميكنة إدارة المحاسبة الحكومية.

يقول عطالله: "يتيح وجود نظام سليم لإدارة المحاسبة الحكومية الاتصال المميكن بين وزارة المالية وجميع الجهات الحكومية ووحدات الإنفاق، ويساعد على توحيد العمليات عبر دورة المحاسبة الحكومية، ويسمح بالإطلاع على الوضع الراهن للنفقات والإيرادات الحكومية، ويجعل وظائف إعداد التقارير مركزية ومميكنة".

وضعت بوز أند كومباني إطار عمل يهدف إلى تطوير عناصر تصميم نظام ميكنة إدارة المحاسبة الحكومية على ثلاثة مستويات محددة تتمثل في العناصر الشاملة والمتخصصة والمساندة.

العناصر الشاملة: تتناول هذه العناصر تبسيط الحسابات الحكومية المصرفية، توحيد قائمة الحسابات، واعتماد أسس محاسبة أكثر تطورا. · العناصر المتخصصة: تشمل الأمثلة على هذه العناصر توحيد تخطيط التدفقات النقدية ومتابعتها على مستوى الأجهزة الحكومية، و اعتماد نظام مركزي لإتمام عمليات الصرف والتحصيل نيابةً عن الهيئات الحكومية.· العناصر المساندة: عادة ما تشمل العناصر المساندة البنية التحتية اللازمة من تقنية المعلومات، وبرامج التدريب، وقدرات كافية في الاتصالات الداخلية، وإدارة التغيير، وإدارة التنفيذ.

بعد تحديد العناصر التي سيتضمنها نظام ميكنة إدارة المحاسبة الحكومية، يتحتم على الأطراف المعنية تقييم أثرها على مستوى أربعة أبعاد على النحو التالي:

التنظيم: تحديد الجهات الرئيسية المشاركة في دورة إدارة المحاسبة الحكومية وعمليات هذه الجهات وأدوارها ومسؤولياتها ونقاط تفاعلها.العمليات: تصميم العمليات الرئيسية التي ينطوي عليها نظام ميكنة إدارة المحاسبة الحكومية الموصى به وتوزيعها وتفصيلها، مثل إعداد الموازنة وتخطيط التدفقات النقدية وتطبيق الموازنة. التكنولوجيا: وصف تفصيلي لمخطط تكنولوجيا المعلومات الخاص بنظام الميكنة والبنية التحتية المطلوبة لإنشاء منصة لنظام الميكنة، بما في ذلك برامج النظام ووظائفها، والأجهزة، والبرامج المطلوبة.القواعد التنظيمية: تحديد وتفصيل المستجدات والتعديلات القانونية والتنظيمية المطلوبة لتفعيل نظام ميكنة إدارة المحاسبة الحكومية.

يسمح تفصيل كل من عناصر نظام الميكنة على مستوى الأبعاد الأربعة المحددة بإعداد دليل شامل ومفصل حول النظام.

التغلب على تحديات التنفيذ

كما هو حال كل عملية تغيير كبيرة وجذرية، يواجه نموذج عمل نظام الميكنة بعض التحديات، وغالباً ما يتطلب تغيير النظم القائمة والمطبقة بالطرق المعتادة منذ عقود عدة.

وعلاوة على ذلك، لدى العديد من البلدان المئات من الأجهزة الحكومية التي تملك صلاحية الإنفاق وتحصيل الإيرادات، مما يجعل تفعيل نموذج العمل الجديد تحديا لوجستيا حقيقيا. وقد يتفاوت الاستعداد التكنولوجي في هذه الوحدات، وكذلك في وزارة المالية نفسها إلى حد كبير، مما يؤثر على سرعة خطة التغيير ومرونتها.

ولدى معظم الحكومات أيضا قوانين وتشريعات ملزمة يمكن أن تعوق بشدة، بل تمنع ربّما، بعض التغييرات المطلوبة. ومن أجل التغلب على هذه التحديات باستمرار، على المسؤولين في وزارة المالية الاستعانة بمنهجين في آن واحد.

ينطوي المنهج الأول على تجميع عناصر نظام الميكنة في برامج، وذلك بناءً على أكثر البرامج أثراً وسهولةً و/أو البرامج ذات التبعيات الكثيرة.

و ينطوي المنهج الثاني على تحديد الترتيب الذي سوف تتلقى على أساسه وحدات الصرف البرامج التي سيتم استخدامها. يتم تحديد الترتيب عادة على أساس أهميت الوحدات الإستراتيجية التي تقاس بناء على حصة كل وحدة من نفقات الحكومة وإيراداتها، مع العلم أن سهولة التنفيذ هي بدورها عامل من العوامل.

يقول شحادة: "إن دمج هذين المنهجين من شأنه أن يزيد بشكل كبير من كفاءة تنفيذ نظام الميكنة، والسماح لوحدات الإنفاق الموجودة في مواقع أدنى في قائمة الأولويات بالاستفادة من تجربة الوحدات الأعلى. إن القيام بذلك يقلل من التكاليف الأولية ويحسن عملية تفعيل البرامج عموما".

أما التحدي الرئيسي الأخير فيكمن في إعداد وتقديم منهج تدريبي شامل وفعال حول نظام ميكنة إدارة المحاسبة الحكومية.

خاتمة

لا بد من وضع نموذج العمل الذي سيكون بمثابة خطة شاملة لتحقيق الأهداف المرجوة.، وينبغي أن تتضمن هذه الخطة العديد من المبادرات، وتجميعها في نموذج العمل المستهدف الذي يضم كافة الجهات المعنية.

ثانياً، يجب النظر إلى نظام المكينة كجهد يتخطى مجال تقنية المعلومات. ويشرح عطالله: "مثل هذه البرامج يتوقف على فهم عميق لآليات وضع الموازنة، والقوانين، وإجراءات المحاسبة، وغيرها من العوامل التي تتطلب وجود نموذج إدارة قائم على فكرة الأعمال. ومن الضروري التأكد من أن كافة عناصر التصميم تدفع وتحسّن متطلبات العمل، ولا تكتفي بمجرد ميكنة العمليات القائمة المفتقدة للفاعلية".

وأخيرا، يقتضي تنفيذ نظام ميكنة إدارة المحاسبة الحكومية وإصلاح إدارة المحاسبة الحكومية من وزير المالية جعله من الأولويات الملحة والاهتمام به بصورة مستمرة. فبدون هذا الدعم، من غير المرجح أن يتوفر الزخم المطلوب لهذا البرنامج المعقد الذي يحتاج تنفيذه إلى سنوات.