البطالة والعمالة الأجنبية.. تحديات الاقتصادات العربية

تاريخ النشر: 11 سبتمبر 2011 - 02:31 GMT
خرج بيان وزراء المالية العرب بضرورة أن تتم المعالجة بانتهاج سياسات هيكلية متعددة الأوجه على المديين القصير والمتوسط نحو مزيد من الإصلاحات الكفيلة للوصول إلى نمو أوسع ينعكس في تحسن المستويات المعيشية لمختلف الفئات والطبقات
خرج بيان وزراء المالية العرب بضرورة أن تتم المعالجة بانتهاج سياسات هيكلية متعددة الأوجه على المديين القصير والمتوسط نحو مزيد من الإصلاحات الكفيلة للوصول إلى نمو أوسع ينعكس في تحسن المستويات المعيشية لمختلف الفئات والطبقات

شهدت أبو ظبي نهاية الأسبوع الماضي انعقاد الاجتماع الاستثنائي لوزراء المالية العرب، وخرج ببيان ختامي لامس، وفقا للعديد من المحللين والخبراء، قضايا اقتصادية واجتماعية جوهرية فرضت نفسها خلال الأحداث السياسية الكبرى التي يشهدها عدد من الدول العربية، وفي المقدمة منها أهمية وجود معالجة أكثر شمولية لمشكلات البطالة، والحاجة إلى إعادة النظر في تطبيق بعض سياسات التنمية المستدامة وخلق فرص العمل لجميع شرائح المجتمع.

كما خرج البيان بضرورة أن تتم المعالجة بانتهاج سياسات هيكلية متعددة الأوجه على المديين القصير والمتوسط نحو مزيد من الإصلاحات الكفيلة للوصول إلى نمو أوسع ينعكس في تحسن المستويات المعيشية لمختلف الفئات والطبقات من جهة، ويساعد على خلق مزيد من فرص العمل المطلوبة من جهة أخرى. ووفقا لمحللين، فإن المشاكل الكبرى التي تفاقمت لدى معظم الدول العربية خلال العقدين الماضيين تمحورت جميعها حول فئات واسعة من الشباب كان يبحث عن مجتمع يوفر له رغباته في تحقيق الذات من خلال وظائف منتجة وحياة كريمة، فلا مؤشرات تطور الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي ولا مؤشرات جذب الاستثمارات العالمية ولا المراكز العالمية المتقدمة التي حصلت عليها تلك الدول في مجال الشفافية والحرية الاقتصادية والتنافسية انعكست بشكل مباشر على احتياجات الشباب ورغباته وإيجاد الوظائف له.

ولا يمكن بأية حال إنكار إدراك دول مجلس التعاون الخليجي منذ وقت مبكر لهذه الحقائق، فبادرت إلى وضع العديد من البرامج لإصلاح سوق العمل في بلدانها وتوفير الوظائف للشباب. وتكاد أسواق العمل الخليجية تعاني جميعها، حيث إن نسبة توظيف المواطنين من الرجال منخفضة مقارنة بالمعايير العالمية، وهي منخفضة جدا بالنسبة للنساء. وإن السبب الأساسي في هذا التشوّه يكمن في صعوبة تلبية متطلبات المواطنين من حيث الأجور. فالقطاع الخاص يلجأ عادة إلى توظيف اليد العاملة منخفضة الكلفة. وإضافة إلى الأسباب المالية، هناك سلسلة من العوامل الثقافية والسلوكية التي تحدّ من مشاركة المواطنين في سوق الوظائف المحلية، فهم قد لا يرغبون مثلا بمزاولة بعض المهن.

كما يشير بعض المحللين إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها دول التعاون في تحسين التعليم وتخريج كوادر عملية كثيرة تصطدم ببطء تلبية أسواق العمل لاحتياجاتها. فالسعودية على سبيل المثال تسعى للتحوّل من اقتصاد مبني على عائدات النفط والغاز إلى اقتصاد قائم على المعرفة، وأقرت في العام الجاري مساعدات بقيمة 126.9 مليون دولار لدعم برامج وزارة التعليم الخاصة بالطلاب المحتاجين.

ويلفت هؤلاء المحللون إلى الوضعية الخاصة لدول التعاون، حيث إن مؤشرات الاقتصاد الكلي تشير إلى نمو هذه الاقتصاديات بفضل زيادة إيرادات النفط، لكن هذه الاقتصاديات لا تشكو فقط من أن أسواق العمل الخليجية تتأخر في التعافي مع التعافي الاقتصادي، بل حينما تبدأ بتوليد الوظائف، فإنها ستكون في الغالب الأعم موجهة للعمالة الأجنبية وليس المحلية.

ولا تتوافر إحصائيات حديثة عن أسواق العمل الخليجية في الوقت الحاضر، إلا أن جل المحللين يتفقون على أنها نمت على الوتيرة نفسها طوال العقود الثلاثة الماضية من حيث زيادة الاعتماد على العمالة الأجنبية؛ مما أبرز ظاهرة البطالة في صفوف المواطنين على نحو حاد، ومن ثم برزت المعالجات المتفاوتة للتعامل معها. ويرى هؤلاء المحللون، أن أنماط التنمية في دول مجلس التعاون، وخاصة لجهة طغيان طابع الإنفاق الحكومي على مشاريع البينة التحتية والخدمات من جهة، واستثمارات القطاع الخاص في القطاعات العقارية والعمرانية والأسواق المالية، لا تنطوي على قيمة مضافة عالية من جهة الوظائف المولدة للمواطنين، بل تتجه مباشرة لاستيراد المزيد من الأيدي العاملة الأجنبية. ووفقا للدراسة، فإن تطور نسبة العمالة الوافدة في كل دولة من دول مجلس التعاون -حسب إحصائيات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي وتقارير وزارات العمل في هذه الدول ما بين عامي 2001 و2008 - تشير إلى أن نسبة هذه العمالة من إجمالي العمالة في البحرين كانت 58.8 في المائة عام 2001، ثم ارتفعت إلى 79 في المائة، وفي السعودية ارتفعت من 50.2 في المائة إلى 88.4 في المائة، وفي عمان زادت من 79 في المائة إلى 81.5 في المائة، وفي قطر قفزت من 53.9 في المائة إلى 84.8 في المائة، وأخيرا الكويت زادت من 80.4 في المائة إلى 84.8 في المائة. وتشير تلك الإحصائيات إلى أن تطور العمالة الوافدة في الإمارات بلغت أقصاها وبنسبة 95 في المائة من إجمالي القوى العاملة. وأضافت إنه ووفقا لبعض الدراسات، فإن النسبة الأكبر من العمالة الوافدة تتركز في القطاع الخاص، وتتفاوت نسبتها كمؤشر عام من دولة إلى أخرى، ففي الإمارات تشكل نسبتها 98.7 في المائة، فيما بلغت نسبة العمالة الأجنبية في القطاع الخاص في عُمان نحو 78.3 في المائة عام وفي البحرين 72.4 في المائة وفي السعودية تشكل العمالة الوافدة ما يزيد على 80 في المائة من نسبة العمالة في القطاع الخاص، ويزيد كذلك على 90 في المائة في الكويت وتشكل أكثر من 96 في المائة في قطر.

ويقول الدكتور عبد الله الصادق، الخبير الاقتصادي والأمين العام السابق لمركز البحرين للدراسات والبحوث في دراسة حول (السياسة الاجتماعية بمنظور اقتصادي بحرينيا وخليجيا): إن ما حققته اقتصاديات دول المجلس انعكس على تطور وتقدم مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية، إلا أن عناصر نجاح هذا النموذج قد استنفدت بالفعل، وهذا ما أكدته الدراسات الماكرو - اقتصادية التي أجريت أخيرا وأوضحت أن نمط النمو في هذه الدول ارتبط بشكل أساسي على نمو العمل الذي اعتمد بدوره على تدفق العمالة الأجنبية - وأغلبها من العمالة غير الماهرة -، حيث شهدت العقود الثلاثة الماضية زيادة في العمالة الأجنبية في أسواق العمل في دول الخليج بمعدلات مرتفعة، فارتفع حجم هذه العمالة من 1.12 مليون عام 1975 إلى 7.7 مليون عامل عام 1990 وليصبح نحو 11 مليون عامل عام 2006. وتمثل العمالة الأجنبية - في المتوسط - 60 إلى 70 في المائة من إجمالي العمالة في دول الخليج العربية.