الكتابة عن رجل أعمال دائما ما تكون محفوفة بالمخاطر، فهي دائما تحمل تأويلات وتفسيرات، ولكني هذه المرة سأتخلى عن حذري وسأغض البصر عن المبدأ الفقهي القائل بضرورة تجنب الشبهات، وأكتب عن "دماغ" نجيب ساويرس، وليفسر المفسرون مقالي هذا كما يشاؤون.
في نهاية عام 2002، زرت الجزائر ومكثت بها 13 يوما ما بين العاصمة وولاية باتنه في الجنوب الشرقي، وحينها خرجت بانطباع أنها بلد "بِكر استثماريا" وفي حاجة إلى استثمارات في كافة الاتجاهات، وفي ذات الوقت، أيقنت أن النظام السياسي في بلد المليون شهيد "معقد للغاية" ويحتاج من المرء أحيانا أن "يضرب الودع" حتى يفهم تقاطعاته وتعقيداته، وأيقنت أيضا أن نجاح أي رجل أعمال هناك –سواء كان جزائريا أو أجنبيا- يتطلب "تداخلا" من نوع خاص مع أشخاص يديرون زمام أمور الحكم من وراء ستار، وليسوا هم بالضرورة الظاهرين في واجهة الأحداث من كبار المسؤولين الرسميين.
ومع تصاعد وتيرة الصراع بين ساويرس والسلطات الجزائرية حول شركة "جيزي" التي يمتلكها الأخير، أيقنت أن وراء هذه الأزمة "أمورا غير معلنة" فالخلاف ليس مجرد مطالبات ضريبية ظهرت فجأة عقب توتر العلاقة "المؤقت" بين مصر والجزائر بسبب تأهل الخضر إلى نهائيات كأس العالم على حساب منتخب الفراعنة، وما صاحب ذلك من أحداث سواء في القاهرة وأم درمان، وهذا ما حاولت "أوراسكوم تليكوم" ترويجه في بياناتها الصحفية مع بدء الأزمة، والأمر أيضا ليس مرتبطا بمخالفات في تحويلات مالية قامت بها "جيزي" ذراع "اوراسكوم" في الجزائر، ولكن الأمر –على ما أعتقد- مقصود به "تطفيش" نجيب نفسه -وليس غيره من الاستثمارات المصرية هناك- من البلاد، وإخراجه منها كما دخلها، من دون أن يحصل على دولار واحد –إن أمكن- مقابل شركته التي أسسها ورعاها على مدى سنوات، حتى تحولت إلى واحدة من أهم ضرر تاج إمبراطوريته للاتصالات الممتدة حول العالم.
ساويرس لم يعد مرضيا عنه في الجزائر، والأطراف التي احتضنته قبل ذلك، هي من تحاربه الآن بكل الطرق، وعلينا نحن أن نخمن الأسباب.
أتذكر أن "مستر نجيب" كما يناديه كبار مساعديه أكد في لحظة تجلي أثناء الاحتفال بالعيد السنوي الخامس لـ"موبينيل" وفي حضور حشد كبير من الصحفيين، أنه تمكن من "النفاد بجلده من إفريقيا نظرا لارتفاع المخاطر السياسية للاستثمارهناك"، وكان وقتها يتحدث عن قيام "أوراسكوم تليكوم" ببيع بعض شركاتها التابعة في غرب القارة، وأتذكر انه تحدث أيضا كيف أنه اكتشف في بعض البلدان أن الشخص القوي فيها ليس رئيس الدولة، وإنما قد يكون ضابطا في الجيش"، كما أتذكر أنه قال مازحا "كان فيه رئيس دولة بيطلبني كل شوية وما كنتش بأعبره، لكن لو جاتلي رنة واحدة من حتة تانية بأتصل بيها على طول".
ولأن ساويرس صعيدي و"دماغه ناشفة" كما يفتخر دائما، فلا أعتقد أنه قد يستسلم بسهولة في معركة تكسير العظام مع الأشقاء الجزائريين، ولذا فقد لجأ إلى الروس الذي تربطهم بالطبقة العسكرية النافذة والمتحكمة في الجزائر علاقات وثيقة، ولكن يبدو أن "الفتوات" الروس وشركتهم "فيمبلكوم" لم يفلحوا في حسم "الخناقة" بعد، ما يكشف عن عمق الخلاف وتشعبه.
ويقال أن الرجل القوي في الجزائر أحمد أويحي، وهو رئيس الوزراء، أو الوزير الأول، بحسب التسمية الرسمية، هو من يقف وراء عدم إتمام أي تسوية مع ساويرس. ويقال أيضا أنه من اقنع بوتفليقة بعدم قبول الوساطة الروسية لاحتواء الأزمة، رغم أن الرئيس أبدى مرونة واضحة.
لدي قناعة أن التسوية ستتم بعد شد وجذب قد يطول وقد يقصر، وحسم الأزمة مرهون بالضغوط التي سيمارسها الجانب الروسي على الجزائر، وفرص فشل صفقة "ساويرس – فيمبلكوم" محدودة، لكن ضحايا إتمامها سيكونون كثرا، وهم في الغالب من المتعاملين الصغار في البورصة المصرية.
وهذا حديث آخر.
للتواصل مع الكاتب:
sobh2020@yahoo.com

saweris