أكد خبراء اقتصاد عرب قناعتهم الراسخة بكون ثورات الربيع العربي ستمهد الطريق لانطلاق الصيرفة الإسلامية بالمنطقة العربية، ومنها إلى دول الشرق الأوسط واعتمادها كنظام فعال ومعتمد عالميا، خاصة بعد اتجاه العديد من الكيانات الاقتصادية الكبرى بعد الأزمة المالية العالمية بالنظر إلى الدول الاسلامية وأنظمتها الاقتصادية، وفي ظل الحديث عن رغبة صناع القرار وشريحة واسعة من المواطنين في العديد من البلدان في رد الاعتبار للمعاملات المالية الإسلامية التي كان حكام سابقون يديرون ظهورهم لها.
وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير المصرفي سليمان القاضي، أن قطاع المصارف الإسلامية سيستفيد من مرحلة "الربيع العربي" التي تشهد تغيراً واضحاً في نظرة الغرب إلى هذا القطاع، الذي تمكن من مواصلة نموه خلال الأزمة المالية العالمية التي أثبتت أن "ابتعاد الصيرفة التقليدية عن الشفافية، ساهمت في نزيف المؤسسات المالية العالمية خسائر فادحة". ويتوقع أن يتضاعف حجم القطاع خلال السنوات الخمس المقبلة إلى تريليوني دولار، من تريليون حالياً، مشيرا إلى أن هذا التوجه يتزامن مع مرحلة الربيع العربي ومع بدء تخفيف الغرب ربطه قطاع التمويل الإسلامي بالإرهاب، وخفض حدّة خطاب الولايات المتحدة تجاه الحركات الإسلامية المعتدلة، ما من شأنه تغيير الصورة النمطية لهذا النوع من الصيرفة من قبل المستثمرين الأجانب.. مشيرا إلى أن الغرب مضطر إلى التركيز على قطاع الصيرفة الاسلامية، بهدف استقطاب "البترودولار"، في وقت يعاني شحّاً في السيولة، نتيجة الازمة المالية العالمية.
وقدرت تقارير اقليمية وعالمية حجم الصكوك الاسلامية بأكثر من 130 بليون دولار، تشكل 13 في المئة من التمويل الاسلامي الاجمالي، أما القروض المجمّعة فيصل حجمها إلى 85 بليون دولار، والصناديق الإسلامية إلى 35 بليونا، إضافة الى أنواع اخرى من التمويل، مثل المرابحة.
مناخ جديد
ومن جانبه، يؤكد عضو مجلس إدارة بنك البركة الإسلامي محمد عيسى، أن الظروف السياسية الحالية بالمنطقة العربية دعمت مستوى إقبال الناس على البنوك الإسلامية؛ لقدرتها على الصمود في وجه الأزمات من جهة، والتصاقها بواقع الاقتصاد الحقيقي للبلدان من جهة ثانية. ويضيف بأن النظام السابق في تونس على سبيل المثال لم يكن يسمح بانتشار الصيرفة الإسلامية مع بعض الاستثناءات، أما في الوقت الراهن فقد تغير هذا النظام واتضح أن هناك رغبة لانتشار هذا النوع من المصارف، سواء لدى صاحب القرار أو لدى المواطنين الذين باتوا متعطشين لذلك.
ويشير إلى أن الأمر ينسحب على دول عربية أخرى، كالمغرب الذي وصفه بالسوق الواعدة بنجاح التعاملات المالية الإسلامية في المستقبل، في ظل حاجة البلد لتنفيذ العديد من المشاريع الكبرى كالسكن. وقدر حجم أصول البنوك الإسلامية بالعالم في الوقت الحالي بنحو 800 بليون دولار، 40 % منها بمنطقة الخليج، متوقعا أن ترتفع هذه الأصول إلى أكثر من تريليون دولار بنهاية العام المقبل، مستفيدة في ذلك من توسع القناعة لدى العديد من المودعين والمستثمرين بأن البنوك الإسلامية أكثر أمانا من البنوك التقليدية.
ويرى أن حركة التصحيح التي ستلحق الأنظمة والقوانين في البلدان العربية في ظل الثورات ستساعد على تهيئة مناخ أكثر شفافية ونزاهة، وهي من العوامل التي ستساعد على بلوغ التوقعات المذكورة، وربما تحقيق معدلات نمو أكبر للأصول الإسلامية. ويؤكد اعتقاده بأن المصارف الإسلامية ستضطلع بدور كبير في دعم الاستقرار بالبلدان العربية، باعتبار وظيفتها الأساسية في تمويل الاقتصاد الحقيقي (في مقابل الاقتصاد المبني على مضاربات البورصة والمشتقات المالية)، وعلاقة ذلك بإحداث أكبر قدر ممكن من فرص العمل لفئة الشباب.
إقبال متزايد
ومن جهة أخرى، يرى أستاذ التمويل والاستثمار بكلية الدراسات بجامعة الإسكندرية السيد الصيفي، أن إمكانية أن تحقق أصول البنوك الإسلامية بالوطن العربي نموا يقارب الـ25 % في السنوات الأولى التي ستلي بداية تطبيق تجربة الصيرفة الإسلامية بالدول التي كانت تدير ظهرها لهذا النوع من البنوك.. مشيرا الى انه بعد تحرر العديد من الدول العربية من قبضة حكام لم تكن لهم رغبة في التعامل مع كل ما هو إسلامي، ومع وجود إرهاصات بتغيير الأنظمة المصرفية بهذه الدول لتستوعب التعاملات المالية الإسلامية، فإننا نتوقع أن يزيد إقبال المواطنين على البنوك الإسلامية، خاصة أولئك الذين كانوا يحتفظون بأموالهم في البيوت ويرفضون التعامل مع البنوك التقليدية.
ومثل الصيفي لذلك بكون نحو 60 بليون جنيه مصري (10 بلايين دولار) لا تزال تقبع خارج الأنظمة المصرفية القائمة حاليا بمصر، وهي مبالغ ينتظر أن يتم ضخها في البنوك الإسلامية المتوقع إنشاؤها لاحقا. ويطالب البنوك الإسلامية الموجودة في الدول العربية، بأن تتوجه فورا لتأسيس فروع لها بدول مثل تونس والمغرب ومصر، للاستفادة من القاعدة المالية الكبيرة التي توجد خارج الأنظمة المصرفية هناك. وبحسب اتحاد المصارف العربية فقد بلغ حجم ودائع أكبر عشرة مصارف إسلامية نحو 144 بليون دولار، مع أرباح في حدود 3.67 بليون دولار حسب تقديرات العام 2010.