«البوعزيزي» مفجر الثورات العربية، ومطلق المسيرات والاعتصامات، وبطل الربيع العربي حين أخذ قراره بحرق نفسه ليضع حداً لكل مشاكله وهمومه في الحياة، لم تكن مطالبه أبداً مزيداً من الحريات والديمقراطية، والاصلاحات السياسية، ولا قوانين للاحزاب أو اشراك المعارضة في القرار السياسي.. الرجل ببساطة «أليمة» ضاقت به الدنيا، وأغلق في وجهه باب الرزق، ولم يعد قادراً على فرش «بسطة» كان (يترزق) منها هو وعائلته.. فلم يجد جدوى من الدنيا وما فيها!
شرارة الربيع العربي وما تلاها من حراك شعبي هي شرارة (لقمة العيش)، وهي هّم اقتصادي، أسبابه مالية تطورت لتصبح اقتصادية لدى المواطنين والمجتمعات قبل الدول والحكومات! لكن الحلول التي نشهدها في عالمنا العربي - كما في العالم الآن - هي حلول سياسية لمشاكل اقتصادية، وهذا يحتمل أمرين: الأول: أن المشكلة التي ظاهرها اقتصادي، انما أسبابها سياسية نابعة من فساد استشرى ولم يوضع له حد حتى وصل «سرطانه» العظم، والاقتصاد هو «العمود الفقري» لأي نظام سياسي، فاذا بدأ الاقتصاد يعاني من «الهشاشة» ونخر العظم، سقط جسم ذلك النظام السياسي وكيانه، ولذلك بدأت انظمة كثيرة بمحاولة اعادة ترتيب ولملمة منظومة كيانها بالاصلاح السياسي علّه يحسن الاقتصاد ويساهم في انقاذه.
الأمر الثاني: احتمال أن تكون هناك أنظمة تتهرب من الحلول الاقتصادية التي لا تملكها ولا تتوفر لديها الآن، فتلجأ لمحاولات كسب الوقت وترحيل الأزمات من خلال قرارات سياسية انطلاقاً من قاعدة ( الخبزأو الحرية )...وما دام الخبز شحيحاً فليكن الحديث الآن عن الحرية والحريات.
المشكلة التي على الجميع ادراكها وفهمها تماما أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، بل ان الاقتصاد بات - ومنذ انهيار المعسكر الشرقي تاركاً الساحة للغربي - يقود السياسة العالمية، ولذلك ليس المهم من أين نبدأ، لأن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، لذلك نجد كثيراً من القرارات الحاسمة وفي اصعب الظروف الاقتصادية هي قرارات سياسية بعيدة عن الحسابات والنظريات والأرقام الاقتصادية .. والشواهد كثيرة ليس بدءاً من الأزمة المالية العالمية، ولا انتهاء بالمديونية العالمية للولايات المتحدة، ومنطقة اليورو.. حيث يجتهد السياسيون - رغم تجاذباتهم وصراعاتهم - لانقاذ ما يمكن انقاذه من اقتصادات بلدانهم.. لذلك ربما يكون أحياناً ليس المهم من أين نبدأ بالسياسة أم بالاقتصاد، ولكن الأهم دائماً ان نكمل المشوار لأن الاستقرار لا يكون الا (بالاثنين معاً).