باحثو كلية طب وايل كورنيل في قطر يسبرون أسرار أشجار النخيل
حدّد باحثو كلية طبّ وايل كورنيل في قطر مقطعاً من جينوم نخيل التمر يتصل بجنس الشجرة، الأمر الذي سيتيح للمرة الأولى تحديد جنس أشجار النخيل بسرعة وسهولة. ومن المتوقع أن تسهم هذه المعلومة المهمّة في تمهيد الطريق أمام المزيد من الدراسات الجينية، وأن تساعد في تعزيز جهود زراعة النخيل وتكاثره بشكل أفضل.
وقال جويل مالك، مدير مختبر علم الجينوم في كلية طب وايل كورنيل في قطر وكبير مؤلِّفي الدراسة التي نشرت على موقع الدورية العالمية Nature Biotechnology، إن الأدلة المتاحة لدى فريق الباحثين في كلية طب وايل كورنيل في قطر، تظهر أن أشجار نخيل التمر تعتمد نظام XY في وراثة الجنس بما يماثل النظام البشري. وقد نجح جويل وعدد من زملائه في الكلية قبل عامين بوضع خريطة جينومية أولية لنخيل التمر.
وأضاف: "لقد شغلت مسألة تحديد جنس أشجار النخيل المختصين والمزارعين على مدى آلاف السنين، وظهرت نظريات عدة في هذا الشأن. ولدينا اليوم أول أدلة تسلسل الحمض النووي الواقعة ضمن منطقة التحكم بالجينات، وإن كانت تلك المنطقة متناهية الصّغر، ما يجعل استكشافها أمراً في غاية الصعوبة".
تعاون فريق البحث في كلية طب وايل كورنيل في قطر مع مركز التقنية الحيوية التابع لوزارة البيئة في قطر، الذي أمدّهم بعينات من أشجار النخيل لإتمام الدراسة. وفي هذا الإطار قال الدكتور مسعود المري رئيس مركز التقنية الحيوية: "إن التعرّف على الجينات المسؤولة عن الصفات الموجودة في النخيل، سيجعلنا حتما نتعرّف على المورثات وهذا الأمر سيساعد على حلّ المشاكل التي يواجهها مزارعو النخيل في دولة قطر، وعلى وجه الخصوص، تحديد الأمراض التي تصيب أشجار النخيل. كما ستساعد نتائج هذه الدراسة على الاستفادة من الصفات التي تتمتّع بها شجرة النخيل لجهة قدرتها على تحمّل الظروف القاسية مثل درجات الحرارة والملوحة، من أجل مساعدة نباتات أخرى على تحمّل الظروف ذاتها من خلال نقل هذه المورثات من النخيل إلى هذه النباتات وتعرف هذه العملية بالتعديل الجيني".
وأضاف المري قائلاً: "يعتبر شجر النخيل بمثابة كنز للمورثات التي من خلالها يمكن مساعدة النباتات والأشجار الأخرى. وهذه الدراسة التي قام بها فريق من كلية طب وايل كورنيل في قطر، قدّمت لنا خدمة كبيرة وستقود من دون أدنى شك إلى مزيد من التعاون بين الكلية ومركز التقنية الحيوية التابع لوزارة البيئة".
وختم المري قائلاً: "إن الدراسة ستخدم القطاعين الزراعي والبيئي على حدّ سواء، فتحديد جنس أشجار النخيل التي توصلت إليه هذه الدراسة سيساعد المزارعين في قطر على تحديد النوع الأمر الذي سيوفر عليهم الوقت والجهد في آن معاً. وأكرّر أن هذا الاكتشاف العلمي مهم جداً وغسر مسبوق، ويبيّن كيف أننا نستطيع تسخير التكنولوجيا من أجل التطور العلمي".
تُعرف أشجار نخيل التمر بأنها أحادية الفلقة، حيث الأزهار المذكرة على شجرة والمؤنثة على شجرة أخرى. وعليهِ، فإن نصف شتائل النخل ستكون مذكرة، فيما سيكون نصفها الآخر مؤنثة. وبطبيعة الحال فإن الأشجار المؤنثة التي تثمر، لها أهمية أكثر من الأشجار المذكرة حيث يقتصر دور الأخيرة على التلقيح. وقد كان من الصّعب تحديد أشجار النخيل المؤنثة في مرحلة مبكرة لأن شتائل النخيل المؤنثة تستغرق من خمسة إلى ثمانية أعوام قبل أن تثمر.
وتابع جويل قائلاً: "هناك اهتمام منذ قرون للتوصل إلى طريقة بسيطة وموثوقة للتمييز بين شتائل نخيل التمر المذكرة والمؤنثة، ليس لأغراض زراعية فحسب، بل لإثراء الدراسات الأساسية في مضمار نخيل التمر. وقد تمثلت العقبة الرئيسية دوماً في أن نخيل التمر هي من الأشجار منفصلة الجنس وأنها تستغرق وقتاً طويلاً للإثمار".
من جانبه، قال روبرت كروجر خبير البستنة في المركز الوطني للموروثات الاستنساخية للحمضيات والنخيل التابع لوزارة الزراعة الأميركية والذي قدّم عينات من أشجار النخيل الملقحة رجعياً لدعم الدراسة: "إن هذا المشروع سيسهم في تعميق فهمنا واكتمال معرفتنا لجينوم نخيل التمر، وهذا الأمر سيتيح لنا الأدوات اللازمة لإجراء دراسة استقصائية للصفات النافعة مثل مقاومة الأمراض وتحمّل الملوحة وغيرها".
وأشار كروجر الذي كان قيِّماً على نسائل النخيل إلى أن الدراسة التي أجراها باحثو كلية طب وايل كورنيل في قطر استعانت بعينات مأخوذة من برنامج لتلقيح أشجار نخيل التمر نُفذ في كاليفورنيا في الفترة من عام 1948 إلى عام 1974. وشكلت أشجار النخيل الملقحة في ما بعد مستودعاً وطنياً في إطار جهود الحفاظ على الموارد الجينية، وتدير هذا المستودع إدارة البحوث الزراعية التابعة لوزارة الزراعة الأميركية.
وتابع كروجر قائلاً: "أثبت المشروع أيضاً الهوية الجينية للأشجار المذكرة الملقحة رجعياً والأصناف المؤنثة بالولايات المتحدة ومقارنتها مع أصناف تحمل الاسم نفسه بمنطقة الشرق الأوسط. ويؤكد ذلك موثوقية النسائل بعد الاحتفاظ بها في مواقع مختلفة على مدى أعوام متتالية".
وفي السياق نفسه، قال جويل: "إن استخدام أشجار مذكرة ملقحة رجعياً أسهم في تبسيط دراستنا، إذ أتاح لنا الاستعانة بسلالات نقية من أشجار النخيل المذكرة، خصوصاً وأن تحديد أصناف أشجار النخيل ليست بالعملية السهلة حتى على المزارعين المتمرِّسين".
تكتسب أشجار النخيل أهمية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان، وتتسم التمور بقيمة غذائية عالية. كما تسهم أشجار النخيل ذاتها في تطوير الزراعة المستدامة في العديد من المناطق الجافة أو ذات الملوحة العالية حول العالم. وقد ورد ذكر النخيل وفوائده في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وعرفه العرب لأغراض دوائية على طوال القرون الماضية.
خلفية عامة
وايل كورنيل للطب - قطر
تأسست وايل كورنيل للطب - قطر من خلال شراكة قائمة بين جامعة كورنيل ومؤسسة قطر، وتقدم برنامجاً تعليمياً متكاملاً مدته ست سنوات يحصل من بعدها الطالب على شهادة دكتور من جامعة كورنيل. يتمّ التدريس من قبل هيئة تدريسية تابعة لجامعة كورنيل ومن بينهم أطباء معتمدين من قبل كورنيل في كل من مؤسسة حمد الطبية، مستشفى سبيتار لجراحة العظام والطب الرياضي، مؤسسة الرعاية الصحية، مركز الأم والجنين وسدرة للطب. تسعى وايل كورنيل للطب - قطر إلى بناء الأسس المتينة والمستدامة في بحوث الطب الحيوي وذلك من خلال البحوث التي تقوم بها على صعيد العلوم الأساسية والبحوث الإكلينيكية. كذلك تسعى إلى تأمين أرفع مستوى من التعليم الطبي لطلابها، بهدف تحسين وتعزيز مستوى الرعاية الصحية للأجيال المقبلة وتقديم أرقى خدمات الرعاية الصحية للمواطنين للقطريين وللمقيمين في قطر على حدّ سواء.