ثورة اقتصادية خضراء

تاريخ النشر: 26 أكتوبر 2011 - 09:41 GMT
الحقيقة أن التحول الى الاقتصاد الأخضر، في مواجهة التحديات الحالية، لا يقتصر على كونه  خياراً للمنطقة العربية، بل يغدو حاجة لتأمين عبور مأمون الى التنمية المستدامة
الحقيقة أن التحول الى الاقتصاد الأخضر، في مواجهة التحديات الحالية، لا يقتصر على كونه خياراً للمنطقة العربية، بل يغدو حاجة لتأمين عبور مأمون الى التنمية المستدامة

"الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغير" هو الرابع في سلسلة التقارير السنوية التي يصدرها المنتدى العربي للبيئة والتنمية عن وضع البيئة العربية. التقرير الأول، الذي صدر عام 2008 بعنوان "البيئة العربية: تحديات المستقبل"، عرض لأبرز القضايا البيئية في المنطقة واقترح حلولاً لها. وبحث التقرير الثاني العام 2009 في أثر تغير المناخ في البلدان العربية، في حين كانت المياه موضوع تقرير العام 2010، في أكثر مناطق العالم جفافاً.

بعد أقل من شهرين على قرار مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية، في أواخر العام 2010، أن يكون الاقتصاد الأخضر موضوع تقريره لسنة 2011، انطلقت الانتفاضات في المنطقة في ما اصطُلح على تسميته بـ"الربيع العربي"، الذي احتل صدارة الأخبار العالمية. عندئذٍ، قررنا أن يركز التقرير على كيف يمكن للاقتصاد الأخضر أن يساعد في نقل العالم العربي الى اتجاه جديد في التنمية يؤمن الاستدامة والاستقرار، في البيئة وفي الاقتصاد، اذ ان التوقعات في المجالين ما زالت قاتمة. غير أنه من المنتظر أن تؤدي الاصلاحات السياسية الى وضع حد للفساد الاداري ولسوء إدارة الموارد الطبيعية. فلا بد للحكومات الأكثر تمثيلاً لشعوبها أن تعمل بإرادة سياسية أقوى لادارة الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة، فيكون للناس الأكثر تأثراً صوت مسموع في تكوين القرارات السياسية. لهذا من الطبيعي أن ينعكس تحسين أنظمة الحكم عامة بشكل إيجابي على ادارة البيئة والموارد الطبيعية.

رغم ارتفاع دخل البترول وآثاره حتى على دول المنطقة غير المنتجة للنفط، تعاني الاقتصادات العربية مشاكل بنيوية مصحوبة بأنظمة سياسية هشة، تمنعها من الانتقال الفعّال الى الاقتصاد الأخضر. فهذه الاقتصادات ما زالت تفتقر الى التنوع، وهي تعتمد بقوة على البترول وبعض السلع الأساسية التي تفتقر الى القيمة المضافة، مثل الاسمنت والألومنيوم والأسمدة والفوسفات.

من المحتمل أن يزداد الطلب على الغذاء والمياه والسكن والتربية والنقل والكهرباء وغيرها من الخدمات البلدية. فالطلب المحلي على الطاقة في السعودية، مثلاً، يرتفع بما يتجاوز 7 في المئة سنوياً. الأراضي الزراعية حول عمّان والقاهرة وغيرهما من المدن العربية تندثر أمام تمدد المدن والضواحي.

وفي حين يزداد عدد الجامعات، تبقى نوعية التعليم دون المستوى المقبول. ومع ازدهار المجمعات السكنية الفخمة وأبنية المكاتب الشاهقة، يستمر اهمال السكن الجيد لذوي الدخل المحدود. وحتى حين يتوافر التمويل، تتوجه الاستثمارات الى حيث يمكن تحقيق مردود أسرع، في غياب سياسات توجهها بحيث تساهم في الانماء المتوازن.

الحقيقة أن التحول الى الاقتصاد الأخضر، في مواجهة هذه التحديات، لا يقتصر على كونه  خياراً للمنطقة العربية، بل يغدو حاجة لتأمين عبور مأمون الى التنمية المستدامة. استناداً الى موقعه كمنظمة إقليمية عربية تجمع القطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني والمؤسسات التربوية والاعلامية، تحت سقف واحد مع الهيئات الحكومية كأعضاء مراقبين، بادر المنتدى العربي للبيئة والتنمية الى ترويج مفهوم الاقتصاد الأخضر كأساس لتحويل الاقتصادات العربية في اتجاه يخولها تحقيق التنمية المستدامة. وهذا يعني التحول من "الاقتصاد الوهمي"، القائم أساساً على المضاربات العقارية والمالية، الى "الاقتصاد الحقيقي" الذي يركز على الانتاج المستدام، اذ وحده المؤهل لحماية رأس المال الطبيعي وخلق فرص عمل دائمة.

وقد أثبتت التطورات الأخيرة في الدول العربية أن تحقيق التنمية المستدامة لا يمكن أن يقوم على المفاضلة بين الحرية والاستقرار. والصحيح أيضاً أنه لا يمكن أن نربح حرباً على الارهاب إذا أخفقنا في الحرب على الفقر والاضطهاد وتدمير الحقوق الوطنية والانسانية.

 الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية، لمناسبة انعقاد المؤتمر السنوي للمنتدى صباح غد الخميس في فندق الحبتور - بيروت.

نجيب صعب