ارجاء البت في نجاعة اداء اي حكومة جديدة يعود لعدم قدرة الحكومات السابقة على تنفيذ اجندة الاصلاح السياسي والاقتصادي بالشكل المطلوب رغم اتضاح معالم المرحلة ومتطلباتها والتي يتم تضمينها في كتب التكليف السامي، حيث بقي الارباك والتباطؤ يسيطران على المشهد العام في المملكة الى ان جاء الحراك الشعبي المطالب بالاصلاح وتسريع وتيرته.
الشارع يريد حكومة تتفاعل مع قضاياه وتجالس المواطنين وتستمع الى مطالبهم واحتياجاتهم والاستماع الى مقترحاتهم وآرائهم حيال مختلف القضايا حتى يشعروا بأنهم شركاء حقيقيون في الجهود المبذولة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وان ما يتم اتخاذه من قرارات وسياسات يلبي تطلعاتهم. الاردن يشهد أزمة ثقة ما بين الحكومة والمواطنين، وقد اتسعت الفجوة بين الجانبين كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية لعدة أسباب أهمها تعثر جهود الاصلاح السياسي التي اصطدمت بممارسات شوهت هذه الاصلاحات.
اقتصاديا، تردت الاوضاع الاقتصادية كثيرا. وبشهادة وزير المالية في الحكومة السابقة الدكتور محمد ابوحمور فان الوضع الاقتصادي لعام 2011 هو الاصعب الذي تشهده المملكة منذ سنوات طويلة، فقد ارتفع عجز الموازنة وتفاقمت المديونية، فيما كانت التدفقات الاستثمارية دون المستويات المستهدفة. وكل هذا انعكس على مستويات المعيشة التي تراجعت هي الاخرى حيث ارتفعت الاسعار وقابلها ثبات في الرواتب والاجور رغم الزيادة المتواضعة التي تمت في آخر ثلاث سنوات تقريبا. وقد أدت الظروف الاقليمية والدولية الى زيادة الضغوطات على الاقتصاد الوطني والتأثير سلبا على أدائه.
الحكومة الجديدة برئاسة الخصاونة قوبلت بترحيب كبير من قبل مختلف الجهات، وان كان ترحيب بعضها بدا متحفظا من باب «حفظ خط الرجعة»، ذلك ان الرئيس الخصاونة من الشخصيات الوطنية المقبولة جدا من قبل الشارع وكافة القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني لما يتمتع به من خبرة متنوعة وطويلة في كافة المجالات، لا سيما السياسية والقضائية منها وقدومه من منصب دولي رفيع المستوى كنائب لرئيس محكمة العدل الدولية وكذلك نصوع صفحته من كافة القضايا والمواضيع الخلافية المثيرة للجدل والتي شهدتها الساحة المحلية أخيرا. ويرى مراقبون ان اختيار جلالة الملك للخصاونة لرئاسة الحكومة جاء في توقيت مهم للغاية يشهد فيه الاردن حراكا شعبيا غير مسبوق ومن قبلها ارادة ملكية بتسريع الاصلاحات السياسية والاقتصادية وضرورة توفير البيئة التشريعية الناظمة للحياة السياسية، فعبقرية رئيس الوزراء القانونية تدفع باتجاه اصدار قوانين وانظمة وخاصة قانوني الاحزاب والانتخاب بالشكل الصحيح وبما يضمن ديمومتها لفترة طويلة حيث اننا نعاني من كثرة وسرعة تغيير التشريعات وعدم استقرارها لانها بنيت على نحو خاطئ. سلامة التشريعات وانسجامها مع نصوص الدستور هما الاساس لانجاح الاصلاحات السياسية والاقتصادية، فالفائدة تقتضي التأني في إقرار القوانين وعدم الاسراع فيها. ويتضح أن الخصاونة يدرك تماما أهمية هذا الجانب من خلال إشراكه أكثر من شخصية قانونية ذات خبرة طويلة في حكومته.
الانتخابات البلدية ستكون القول الفصل في الحكم على مدى التزام الحكومة بالمضي قدما في الاصلاحات السياسية، وان مجرياتها ونتائجها ستنعكس على الانتخابات النيابية المقبلة، ومن هنا ستكون بداية اعادة بناء الثقة بين الشارع وحكومته واستمالة مختلف القوى السياسية وخاصة التي تقف منها في صف المعارضة للمشاركة في الانتخابات والتفاعل بايجابية مع عملية الاصلاح. توجه الرئيس الخصاونة لتأجيل الانتخابات البلدية يوصف بالايجابي، لان الاجراءات الاولية للانتخابات لم تكن موفقة ورافقها موجة احتجاجات شعبية تطالب بتفكيك البلديات وأخرى تعارضه، وبالتالي فان الحكمة تتطلب ارجاء الانتخابات الى حين ازالة التشوهات والاختلالات المصاحبة لها.
ومن المفيد اعادة النظر مجددا بقانون البلديات لانه يحتوي على نصوص تعيق عمل المجالس البلدية وتفرض سيطرة اكبر للحاكم الاداري عليها. غالبية المواطنين ان لم يكن جميعهم يتفقون مع ما قاله الرئيس فور تكليفه بتشكيل الحكومة بان الوقت غير مناسب لاجراء الانتخابات البلدية وانه لا داعي للاسراع في اجراء انتخابات قد تقود الى فتن. في الجانب الاقتصادي فان الحكومة الجديدة ورغم ان مهمتها الاولى الاصلاح السياسي الا انها ورثت تركة صعبة وثقيلة، فهي أمام ملفات اقتصادية معقدة ومحاطة بظروف اقليمية ودولية ما زالت تلقي بظلالها على اداء الاقتصاد الوطني من مختلف النواحي. التحدي الاول امام الحكومة هو كيفية اعداد موازنة 2012 التي باتت على الابواب، وكيف يمكن لها ان تتعامل مع الاوضاع الاقتصادية المتردية والخروج بموازنة تعكس الواقع؟، وهل الموازنة قادرة فعلا على تمويل المشاريع ذات الاولوية للعام المقبل والتي لا غنى عنها؟، وهل تستطيع الحكومة ابقاء العجز عند المستويات المستهدفة؟، وكيف سيتم التعامل مع مخصصات دعم السلع والمواد التموينية وخاصة مع ارتفاع اسعار الغاز المصري وتوقع ان تتجاوز فاتورة الدعم الاجمالية مليار دينار اذا ما بقيت اسعار النفط على ارتفاع؟، وهل ستلتزم الحكومة بتطبيق خطة هيكلة القطاع العام؟، إضافة الى بنود ثابتة في الموازنة كمخصصات خدمة الدين العام وغير ذلك الكثير.
ينظر الى الاردن كمنطقة واعدة من الناحية الاستثمارية، ولا بد ان تتركز الجهود على استقطاب الاستثمارات العربية والاجنبية وتحفيزها من خلال اعادة النظر بالتشريعات وتوفير مزيد من الحوافز والمزايا للمستثمرين وترويج فرص ومجالات الاستثمار المتاحة في المملكة.
دول الربيع العربي تمتلك الكثير من الفرص للاردنيين وخاصة في مجالات الاعمار من مقاولات وانشاءات وخدمات وطلب على الايدي العاملة والكفاءات المختلفة وخاصة في ليبيا. مطلوب ان تشكل الحكومة فرقا خاصة لتسهيل دخول القطاع الخاص الاردني والاردنيين الى تلك الدول واعطائهم الاولوية على غيرهم، الامر الذي يخفف من معدلات الفقر والبطالة ويحرك القطاعات الانتاجية والخدمية ويرفع التحويلات المالية الخارجية الى المملكة. انضمام الاردن الى مجلس التعاون الخليجي على درجة كبيرة من الأهمية ويشكل مخرجا من الازمة الاقتصادية التي تمر بها المملكة، ويتوقع ان يؤدي الى تشغيل للاردنيين في اسواق الخليج واستقطاب الاستثمارات والسياحة الخليجية، ولذلك يفترض تكثيف الجهود لانطلاقة المفاوضات بشأنه والانتهاء منها بالسرعة الممكنة. مشروع دمج المؤسسات الذي شرعت به الحكومة السابقة خطوة جيدة لتخفيف الاعباء المالية عن كاهل الموازنة وبناء الادارة الحكومية الكفؤة ومعالجة التشوهات التي يعاني منها القطاع العام.
واستنادا الى أهمية تراكم الانجازات يفترض الاستمرار في هذا المشروع واتخاذ الاجراءات اللازمة لاتمام عملية الدمج لا سيما أن بعض المؤسسات تم دمجها فعليا وتحتاج الى الاطر القانونية والادارية للانتهاء منها. لجنة الحوار الاقتصادي التي شارك فيها شخصيات اقتصادية من القطاعين العام والخاص على درجة عالية من الخبرة والدراية في الشأن الاقتصادي خرجت بالعديد من التوصيات على المديين القريب والمتوسط وتوصيات على المدى البعيد، ويتوجب التعاطي معها بايجابية وعدم اغفالها خاصة ان وزير الصناعة والتجارة الحالي سامي قموه كان رئيسا لاحد المحاور الستة التي انبثقت عن اللجنة، ما يعزز امكانية استمرار أعمال اللجنة ومتابعة تنفيذ توصياتها التي تغطي كافة المجالات والانشطة الاقتصادية بما فيها الشأن المالي وقطاعات الانتاج والتصدير والسياحة وغيرها.
ما زالت بعض القوانين كقانوني المالكين والمستأجرين والضريبة تثير جدلا واسعا في مختلف الاوساط، وان بقيت على ما هي عليه ستؤدي الى مشكلات اجتماعية حيث ارتفع عدد القضايا المقامة على مستأجرين تطالبهم بالاخلاء واخرى لزيادة قيمة الايجار استنادا الى نصوص القانون، ويؤمل ان تعيد الحكومة النظر بهذه التشريعات بما يحقق العدالة بين كافة الاطراف وتفادي المشاكل الاجتماعية وضمان التوزيع العادل للعبء الضريبي بين الافراد والقطاعات الاقتصادية. محاربة الفساد من العناوين الرئيسية للمرحلة، وهي احدى المرتكزات اللازمة لمد جسور الثقة بين الحكومة والمواطنين الذين يترقبون التزام الحكومة بتطبيق مبدأ «من أين لك هذا؟»، والعمل على تأطيره بقانون لاستعادة ما نهب من المال العام والحد من عمليات التطاول عليه. ومطلوب ايضا تفعيل دور الجهات الرقابية والمحاسبية كديوان المحاسبة وديوان المظالم وهيئة مكافحة الفساد وغيرها. المرحلة مهمة وعلينا ان نعطي الحكومة الفرصة الكافية لانجاز المهمات التي جاءت من أجلها.