حملة الجامعة الأميركية في بيروت تدخل عقدها الثاني: تطبيق صارم لحظر التدخين وتذكير من الرئيس بضرورة الامتثال

بدأ برنامج الجامعة الأميركية في بيروت الذي يحمل عنوان "حرم جامعي خالي من التدخين" عقده الثاني. وقد حقْق نجاحاً مرموقاً وفقاً للمقاييس اللبنانية والدولية ولاقى إعجاباً من الوطن ككل.
وقد شجّع البرنامج مؤسسات أُخرى على حظر التدخين أو الحد منه. كما عزّز جهود أفراد وجماعات تقاوم آفة التدخين. وقد أدّى هذا النجاح إلى اختيار حرم الجامعة الأميركية في بيروت في العام الماضي مكاناً تمّ فيه الإعلان عن قانون في مجلس النواب اللبناني لحظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة والبدء بفرض عقوبات صارمة ضد المخالفين.
جاء ذلك في مذكّرة وجّهها الرئيس الدكتور بيتر دورمان إلى أسرة الجامعة.
وبحسب هذا البرنامج، يُحظر التدخين في كل الحرم الجامعي باستثناء عدد قليل من المناطق المحددة التي يُسمح فيها بالتدخين، لكن الرئيس لفت في بيانه إلى حصول بعض الخروقات، حيث شوهد بعض الأشخاص في الحرم الجامعي يدخّنون بعيداً عن المناطق المخصصة للتدخين. إزاء ذلك تحركت الجامعة الأميركية في بيروت ضد التدخين مرة أخرى، ووضعت لافتات جديدة كبيرة في كل مكان في الحرم الجامعي تذكر المدخنين أنه ينبغي أن يلتزموا بالمناطق المعينة للتدخين. والجامعة لم تلجأ بعد إلى فرض حظر تدخين شامل، ولكنها عيّنت عدداً قليلاً من المناطق في حرمها يسمح فيها بالتدخين، اعترافاً منها بحقيقة أن بعض أعضاء المجتمع يختارون التدخين طوعاً.
لم يكن اختيار مناطق التدخين هذه عشوائياً، ولكن بعد دراسة متأنية تدل على أن التدخين في هذه المناطق يحدّ بدرجة كبيرة من خطره على الآخرين. أما التدخين في غير هذه المناطق فيفرض على غير المدخنين أن يتنشّقوا الدخان أو ان يتلوّث جلدهم ولباسهم بروائح السجائر.
لقد تباينت الآراء حول سياسة التدخين في الحرم الجامعي، ولكن الكثيرين وافقوا على أن التدخين في المناطق المعينة، إذا تم الالتزام به بصرامة، سيكون حلاً وسطاً موقّتاً ناجحاً بين المدخنين وغير المدخنين، ريثما يقرّ قانون حظر تدخين شامل في الجامعة.
بالنظر للكل هذه الاعتبارات، ذكّر الرئيس بيتر دورمان أن مخالفي سياسة عدم التدخين سيواجهون تدابير تأديبية. وختم مذكّرته قائلاً: "تصرّ الجامعة الأميركية في بيروت على التنفيذ الصارم لهذه السياسة لما فيه مصلحة سلامة أسرة الجامعة".
والواقع أن جذور حملة الجامعة ضد آفة التدخين ضاربة في القدم. فلطالما كان التدخين بلاء الجنس البشري، وقد أودى بحياة الملايين.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، فالتدخين هو أكبر سبب للوفاة في العالم، إذ يقتل أكثر من خمسة ملايين شخص سنوياً. وبحلول العام 2030، سوف يؤدي التدخين إذا لم يكبح جماحه، إلى قتل ثماني ملايين شخص في السنة.
في الولايات المتحدة وحدها، وفقا لمركز السيطرة على الأمراض، يموت 440 ألف شخص سنوياً لأسباب تتعلق بالتدخين. وعلى سبيل المقارنة، فإن قنبلتي هيروشيما وناغازاكي الذريتين أودتا بحياة نحو مئة ألف شخص فقط.
وتعود النداءات الأولى ضد التدخين إلى العام 1604 عندما قام الملك جايمس الأول من إنكلترا بإصدار بيان ملكي ضد التدخين، ووصفه بأنه "عادةٌ مقرفة للنظر، كريهة للأنف، ضارة للدماغ وخطيرة للرئتين".
ومنذ أواخر القرن التاسع عشر حتى اليوم، تمسّكت قطاعات واسعة في الولايات المتحدة برأي ملك انكلترا حول التدخين. وقد نظّمت جماعات عديدة حملات ضد التدخين، متسلحة بالنشرات والأفلام والملصقات وغيرها من المواد. ببطء، راحت حملة التوعية تؤتي ثمارها. ووجد استطلاع غالوب في العام 1987 برعاية جمعية الرئة الأميركية أن 94 بالمئة من الجمهور يوافقون على أن التدخين ضار بالصحة.
ويبدو أن الجامعة الأميركية في بيروت كانت مدركة لمخاطر التدخين قبل زمن طويل.
ففي خطاب له في الجامعة، أشار البروفسور مخلوف حدادين في يوم المؤسسين في العام 2009 أن التدخين كان ممنوعاًَ في الحرم الجامعي بأكمله في الكلية السورية الإنجيلية، وكان أعضاء هيئة التدريس يخرجون إلى شارع بلس لتدخين سيجارة. ويقال إن أستاذاً خسر وظيفته في الكلية لأنه أصر على إحضار النرجيلة معه إلى الفصل الدراسي.
لا يُعرف متى رُفع حظر التدخين في الجامعة الأميركية في بيروت، ولكن في عدد من جريدة الطلاب أوتلوك صادر في كانون الأول من العام 1961 نُشرت رسالة من عماد شحادة ينتقد فيها منظر طالبين يدخّنان في الحرم الجامعي.
خلال الحرب في لبنان، لم يتم فرض أي نوع جدّي من القيود على التدخين. ولكن في أول آذار 1993خسر التدخين أحد مواقعه الأكثر استراتيجية عندما أصبح المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت مؤسسة يُحظر فيها التدخين، من أجل الوضع الصحي ورفاهية المرضى والموظفين والزوار.
وفي زيارة إلى الجامعة الأميركية في بيروت في 8 كانون الأول 1998 حذرت وزيرة الصحة والخدمات البشرية الأميركية، اللبنانية الأصل، السيدة دونا شلالا بشدة من مضار التدخين.
في تلك الآونة دق الخبراء المحليون جرس الإنذار. وفي الجامعة الأميركية في بيروت، حذّر الباحثون من عدة كليات مراراً وتكراراً من مخاطر التدخين على المدخنين وغير المدخنين على السواء، وشكلوا في العام 1999 مجموعة متعددة الاختصاصات لأبحاث التدخين. في تلك الأثناء، وتقديرا للمخاطر الصحية الشديدة المرتبطة بالتدخين على المدخنين وغير المدخنين، ولما فيه مصلحة تعزيز بيئة صحية خالية من الدخان، أطلقت لجنة الصحة في الجامعة برنامج الحرم الجامعي الخالي من التدخين. وفي المرحلة الأولى من البرنامج أصبحت الجامعة المعهد التعليمي الأول في لبنان في العصر الحديث الذي يحظر التدخين داخل مبانيه. وأُعلنت جميع مباني الجامعة باستثناء المساكن الخاصة أمكنة يُحظر فيها التدخين اعتباراً من 16 تشرين الأول 2000. وقد حُظر التدخين أيضاً في المناطق القريبة من النوافذ والأبواب وفي بعض الأمكنة الأخرى في الخارج لمنع التلوث بدخان التبغ. وقد تزامنت هذه الخطوة مع إعلان الجامعة أنها تعتزم تدريجياً توسيع مناطق حظر التدخين في الحرم الجامعي، بما في ذلك منامة الطلاب.
وفي السنوات التالية عُقدت ورشات عمل لتعليم المشاركين كيفية مساعدة المدخّنين على الاقلاع عن التدخين، وتدريب الآخرين ليصبحوا مدربين يساعدون الغير للإقلاع عن التدخين. وفي حملة اليوم الواحد للتوقف عن التدخين من أجل فلسطين في العام 2002 طُلب من المدخنين الاقلاع عن التدخين لمدة يوم واحد والتبرّع بثمن علبة سجائر إلى فلسطين.
وبعد وقت قصير، أجرى برنامج الإقلاع عن التدخين في الجامعة الأميركية في بيروت دراسة العلاج ببدائل النيكوتين للإقلاع عن التدخين.
وفي أيار من العام 2005 احتفل المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت باليوم العالمي للتوقف عن التدخين بإطلاق برنامج خاص.
وفي نيسان من العام 2006 بدأت الجامعة الأميركية في بيروت برنامج مهرجان الصحة السليمة تلبية للعديد من الاحتياجات ودرءاً للمشاكل الصحية الهامة في المجتمع، والتدخين كان على رأسها. وفي وقت لاحق أجريت دراسة واسعة النطاق حول التدخين في الجامعة الأميركية في بيروت من أجل معرفة رأي هيئة التدريس والموظفين والطلاب حول التدخين، وشركات التبغ، وسياسة الجامعة الأميركية في بيروت حول التدخين.
في 23 حزيران 2008 انتقلت الجامعة الأميركية في بيروت إلى المرحلة الثانية من برنامجها للحرم الجامعي الخالي من التدخين، ولم يُترك هذه المرة إلا عدد قليل من المناطق المحددة التي يُسمح فيها بالتدخين. ومنذ ذلك اليوم بات أي شخص يقدم على التدخين خارج المناطق المحددة أو يسير في حرم الجامعة وهو يدخن عرضةً للملاحقة التحذيرية من قبل أفراد مكتب الحماية. وقد جاءت مذكّرة الرئيس للتذكير بضرورة الامتثال لهذا القانون.
خلفية عامة
الجامعة الأمريكية في بيروت
الجامعة الأمريكية في بيروت هي جامعة لبنانية خاصة تأسست في 18 نوفمبر 1866، وتقع في منطقة رأس بيروت في العاصمة اللبنانية، وبدأت الكلية العمل بموجب ميثاق منحها إعترافا حصل عليه الدكتور دانيال بليس من ولاية نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية. افتتحت الجامعة أبوابها في 3 ديسمبر عام 1866 لتمارس نشاطها في منزل مستأجر في أحد مناطق بيروت.
تعتمد الجامعة معايير أكاديمية عالية وتلتزم مبادىء التفكير النقدي والنقاش المفتوح والمتنوع. وهي مؤسسة تعليمية مفتوحة لجميع الطلاب دون تمييز في الأعراق أو المعتقد الديني أو الوضع الاقتصادي أو الانتماء السياسي، وهذا ما أرساه مؤسسها الداعية الليبيرالي دانيال بليس.