فلسطين: مدفع القدس .. حكاية عمرها 120 عاماً

تاريخ النشر: 02 يوليو 2015 - 01:00 GMT
البوابة
البوابة

القدس- الوطن- أمين بركة

مع اقتراب موعد رفع أذان الفجر أو أذان المغرب في مدينة القدس المحتلة يترقب الجميع صوت الانفجار الذي يحدثه مدفع المدينة الرمضاني، إذانا بذلك بدء الإمساك أو الإفطار.

ويعتبر المدفع الرمضاني في مدينة القدس المحتلة، تراثا إسلاميا حضاريا توارثته الأجيال جيلا بعد جيل، حيث تتعلق به قلوب وعقول الصائمين في شهر رمضان المبارك فرحة بسماع صوته وفرحة بمجيء وقت الإفطار.

ويعود استخدام المدفع خلال شهر الصيام إلى العهد العثماني، ويوضع على تلة مرتفعة، ويتولى مهمة إطلاق المدفع موظف خاص يقترن اسمه بالمدفع.

ويعد مدفع رمضان المقدسي الأشهر في فلسطين، حيث يقع في مقبرة باب الساهرة مقابل البلدة القديمة، وهو يحمل حكاية طويلة لا تنتهي عند انفجار القنبلة فحسب بل هو مجموعة من التحضيرات والإجراءات التي ورثها المواطن المقدسي رجائي صندوقة عن أجداده لتنقلها الى أولاده وأحفاده.

وحفاظا منه على تراث مدينة القدس التاريخي وحفاظا على هويتها الإسلامية يقوم صندوقة بإطلاق مدفع رمضان في تقليد يعود لأكثر من مائة وعشرين عاما مضت، وهي مهمة ليست سهلة وشاقة، إضافة لما يتحمله من مسؤولية، فيتوجب عليه الحصول على تصريح من قبل بلدية الاحتلال وخبير المتفجرات والأمن والشرطة لمواصلة ضرب المدفع.

وأشار صندوقة إلى أن المدفع كان يضرب في عدة مدن فلسطينية، لكن بالتسعينيات توقف المدفع لمنع الجهات الإسرائيلية استخدام مادة البارود، وكذلك بالقدس لم يضرب مدفع رمضان 18 يوما، قائلا: «إصرارا مني على بقائه ومن خلال الضغط الإعلامي تم إرجاع المدفع، ولكن استبدلت مادة البارود بالقنبلة الصوتية».

وأضاف «أنه كانت توضع القنبلة الصوتية داخل المدفع، لكن في العامين الآخرين رفضت بلدية الاحتلال استخدام المدفع، بحجة الحفاظ على سلامة المواطنين، ووضعت صندوقا أسود بين القبور، ويضع يوميا داخل الصندوق قنبلة الصوت ثم يطلقها في السماء».

ويستذكر صندوقة تجمع مئات الأطفال حول المدفع، عندما كانوا يحضرون لحظة الإعلان عن ثبوت رؤية هلال رمضان، حيث يلاقي إقبالا وترحيبا من الأهالي، أو يحضرون لمشاهدته لحظة إعلان موعد الإفطار ويحضرون معهم الملابس البالية لتستعمل في فوهة المدفع أو يعتلون أسطح منازلهم بهدف رؤيته عن بعد، وتنطلق أصواتهم لحظة انطلاقه مرددين «ولع ولع» حيث إن ضوء المدفع الأسرع من صوته ويصل أولا.

ويبين أنه في العادة إطلاق سبع ضربات للمدفع عند رؤية الهلال، ومثلها عند الإعلان عن عيد الفطر، وضربتان للتذكير بقرب موعد الإمساك، وضربة واحدة عند الإفطار مساء، مؤكدا أن الجميع ينتظر إطلاق المدفع أيام الإفطار والإمساك في شهر رمضان، والبسمة تظهر على الوجوه أطفالا وشيوخا ونساء، مما يدل على فرح حقيقي بالصيام.

بدوره، يستجمع المواطن محمد أبوطير جزءا من ذكرياته واللحظات التي عايشها مع المدفع وقت انطلاقه في أجواء المدينة، معلنا وقتي الإفطار والسحور.

ويضيف أن المدفع شكل معلما خاصا ومميزا، حيث كان أهالي المدينة ينتظرون موعد انطلاقه للإفطار، كما كانوا يتجمعون ليشهدوا انطلاقة المدفع باعتباره معلما مميزا وجميلا، وجزءا من طقوس رمضان.

ويذكر أنه يحضر قطع القماش والبارود ويدك المدفع ويشعل فتيلة إطلاقه، موضحا أن ذلك المدفع يعد جزءا من الأعراف والتقاليد الرمضانية في فلسطين، وعلى سبيل الخصوص كبار السن منهم.

أما الباحث التاريخي محمد ذياب أبوصالح فيقول: «إن تاريخ مدفع رمضان قديم ويعود للعهد العثماني، حيث اعتاد المسلمون في مدينة القدس على صوته احتفالا بثبوت رؤية هلال الشهر الفضيل أولا ثم الإعلان عن بدء صيام اليوم والانتهاء منه.

وأوضح أن للمدفع رمزية كبيرة لدى المواطنين ويعد مصدر الإنباء عن السحور والإفطار في شهر رمضان كما أن له العديد من المعاني الرمزية الأخرى وأحد مظاهر رمضان.

ويضيف أن المدفع يستعمل لإطلاق الصوت من خلال المرتفع الذي يصل صداه إلى كل الأحياء والحارات البعيدة، خصوصا تلك المناطق التي لم يكن يصلها صوت الآذان، بسبب انعدام الأجهزة الكهربائية ومكبرات الصوت.

ويلفت إلى أن المدفع يعد من الرموز الهامة في المدينة المقدسة، ويكتسب أهمية كبيرة لدى الصائمين، مشيرا إلى أن المدفع حكاية قديمة تتردد كل رمضان على أفواه كبار السن الذين عاصروه، وعلى ألسنة الصغار ممن سمعوا عنه.