قطر "تشتري" كرة القدم وسمعة أساطيرها

تاريخ النشر: 16 أبريل 2013 - 01:14 GMT
البوابة
البوابة

يحب القطريّون أن يكونوا محط أنظار العالم ويبرعون في هذا العمل، وبعد تملّكهم في العديد من المجالات، جاء الدور على الرياضة، وخصوصاً كرة القدم، ليصبحوا قطباً فيها.

وتمكن القطريون من "شراء" كرة القدم التي تحشد آلاف الشغوفين بها بأموالهم.

فجأةً، أصبحت قطر "قطباً" رياضياً، وباتت تحتضن أحداثاً عالمية، لم تحتضنها سابقاً إلا الدول العظمى.

يسير القطريون على "حكمة" رئيس اللجنة الأولمبية القطرية، الشيخ سعود بن عبد الرحمن: "الرياضة قادرة على أن تفعل أكثر من السياسة".

واليوم، لا يستغرب أحد تواجد الإمارة الصغيرة في أي تجمع رياضي عالمي، إضافة إلى "الدور القطري" في القرارات المهمة.

وخلال العقدين الأخيرين، استضافت قطر بطولات عدة، من دورات التنس في 1993، إلى دورة الألعاب الآسيوية عام 2006، وصولاً إلى استعدادها لاستضافة كأس العالم لكرة اليد عام 2015، وطبعاً، هناك "الحلم الأكبر" بالانتظار: كأس العالم لكرة القدم 2022.

كل هذا في قطر الصغيرة، لا في بريطانيا ولا في الصين.

منذ أيام قليلة، أعلن نادي شالكه الألماني تنظيم حفل تكريم نجمه السابق الإسباني راوول غونزالس الذي لعب معه لعامين فقط، في 27 تموز المقبل، بإقامة مباراة ودية مع فريقه الحالي السد القطري على ملعب فيلتنس آرينا في احتفال سيحمل شعار "شكراً راؤول".

قد يكون هذا "كرماً" قطرياً، لكن الواقع أن أحداً لم يسمع بنادي السد القطري في أوروبا، إلا أن الجميع يعرف "أسطورة" إسبانيا وناديه الملكي ريال مدريد.

تخلى الملكي عن أيقونته، فجاء القطريون كعادتهم.

لم تستقطب قطر راؤول، بل استقطبت سمعة ريال مدريد في الأساس، إذ رافق تعاقد راؤول مع فريق العاصمة القطرية حملة إعلامية ضخمة، اتقنتها "الذراع اليمنى" للإمارة: قناة الجزيرة.

يحب القطريون أن يكونوا محط أنظار العالم؛ إذ لا تكتفي قطر بالتعاقد مع اللاعبين الكبار، بل تستضيف كذلك مباريات منتخبات كبرى على ملاعبها الجديدة التي تقدم صورة أولية عن الملاعب التي ستشيد لتنظيم مونديال 2022.

مباراة بين قطبي الكرة اللاتينية: البرازيل والأرجنتين، وكذلك بين منتخبي إسبانيا وأوروغواي.

وبغض النظر عن الفائز في أي من هذه المباريات، فالمكاسب الكبيرة التي ستعود بها، والعائد الإعلامي اللامحدود الذي يتجدد مع كل نشاط عالمي تستضيفه الدوحة سيحول الملعب إلى خشبة مسرح يعرض عملاً فنياً تُسلّط عليه الأضواء من كل بلدان العالم.

هكذا تستقطب الدوحة أنظار العالم، مستضيفة "المونديال" في 2022 ليست صحراء، كما هو شائع، إنها قطر، التي بإمكانها شراء كل شيء.

وما أن فازت قطر بتنظيم كأس العالم حتى انطلقت الأشغال، تسعة ملاعب جديدة "مكيفة"، سيشرف على تشييدها اشهر المهندسين في العالم، وستجمع كل المرافق التي يحتاجها مشجعو كرة القدم الذين سيتوافدون إلى البلاد من شتى أنحاء العالم.

الأبرز في هذه الملاعب أنها قابلة للتفكيك بعد البطولة، وقد يُتبرَّع بها لبلدان أخرى، "الكرم القطري" مجدداً.

ذلك لأن القطريين لن يكونوا قادرين على سد الفراغ المخيف الذي سيحلّ في الملاعب بغياب الجماهير، ومن أين سيأتون بالجماهير إذا كان مجموع السكان لا يتجاوز المليونين، ربعهم سكان أصليون.

لقد ضاقت الأرض بما وسعت من تنوع الاستثمارات القطرية، لكن "لهفة" الإمارة على الرياضة لافتة.

فبعيداً عن السياسة، لا تجد مسألة واحدة يجتمع عليها الناس ويلتفون حولها كالمستديرة، وفي هذا الإطار، يرى الكاتب الكيني جون موازيمبا أن كرة القدم تقدر على ما لا يقدر عليه أكبر سياسي محنك في العالم، وهو حشد الآلاف لمتابعتها في شغف وعدم تركها إلى حين توقف وإعلان نتيجة المباراة.

لا أحد يعلم إن كان القطريّون قد قرأوا ما كتبه موازيمبا، لكنهم بلا شك استفادوا من قدراتهم المالية لشراء الأندية والملاعب واللاعبين وسمعتهم وكل شيء يمكن شراؤه.

راوول صيد سهل لأنه في خريف عمره الرياضي، حاله كحال البرازيلي نيني والمغربي حسين خرجة، فلا ضرائب في قطر، كما هو الحال في أوروبا.

هؤلاء المحترفون لا يهتمون بسمعتهم الرياضية، فلا لوم على اللاعبين ما دام العديد من نجوم العالم الحاليين والسابقين دعموا "ملف" استضافة قطر للمونديال، أمثال زين الدين زيدان قائد منتخب فرنسا السابق، وجوسيب غوارديولا مدرب برشلونة السابق الغني عن التعريف، فضلاً عن العلاقة "العجيبة" بين القطريين والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي لا يفوّت مباراة لفريق باريس سان جيرمان، المملوك طبعاً من قبل القطريين!

إلى ذلك، أنشأت قطر أكاديمية لتكوين الرياضيين الشبان أطلق عليها اسم "آسباير"، مشروع عملاق تكلفته مليار دولار، ويمتد على مساحة 290.000 متر مربع من الهياكل الأساسية.

دُشّن هذا المشروع بحضور نجمي كرة القدم البرازيلي بيليه والأرجنتيني دييغو مارادونا، والمتابع في كرة القدم يدرك مدى صعوبة الجمع بين النجمين لما بينهما من حساسيّة، لكنها... قطر!

ولا يتوقف الأمر هنا. فقد انتدبت قطر للمجمع المذكور الاختصاصي في كرة القدم جوزيف كولوما، مكتشف أفضل لاعب في العالم الأرجنتيني ليونيل ميسي، وذلك بهدف اكتشاف المواهب الصغيرة "الأجنبيّة" والتعاقد معها، وتجنيسها بأي ثمن.

وفي انتظار تكوين رياضيين قطريين قادرين على رفع اسم قطر في المحافل الدولية بجهود رياضية بحتة، يواصل المسؤولون القطريون اقتطاع الشيكات لاستقدام أفضل المدربين، وشراء أهم العلامات الرياضية في أوروبا؛ إذ اشترت زوجة أمير قطر الشيخة موزة بنت ناصر المسند رئيسة مؤسسة "قطر فاوندايشن"، حق وضع شعار المؤسسة القطرية حتى عام 2016 على قميص برشلونة، أحد أهم أندية أوروبا، مقابل 166 مليون يورو، ليتحول شعار مؤسسة اليونيسف إلى منطقة الظهر على قميص الفريق الكتالوني.

تعتبر صفقة رعاية القمصان هذه من الأغلى في تاريخ كرة القدم.

وتواصل الاستثمار القطري بامتلاك ناديي ملقة الإسباني وباريس سان جيرمان الفرنسي. لكن الرغبات القطرية لا تمر مرور الكرام؛ ففي بلدانٍ أوروبية عدة، هناك استياء كبير من القطريين؛ إذ لا يروق لكثيرين "الجنون" القطري، لكن "البيزنس" هو عرض وطلب، بيع وشراء، وكرة القدم جزء من عالم الأعمال.

لم تبدأ قطر من الداخل، إذ أنها لا تريد إخراج مواهب أهلها وصقلها، إنها تتمدد أفقياً وعمودياً خارج حدودها، و"تشتري" كرة القدم.

على الهامش لقي تكريم الإسباني راوول غونزاليس من ناديه السابق شالكه والحالي السد انتقاداً من بعض وسائل الاعلام الألمانية.

وتساءل الإعلام عما قام به راؤول مع شالكه؛ إذ أنه لم يحقق مع النادي الألماني في موسمين سوى لقب كأس ألمانيا.

وذكرت تقارير أن على شالكه تكريم "الأسطورة" الألمانية كلاوس فيشر الذي كان أحد أهم لاعبي ألمانيا والنادي على مر التاريخ بعد تسجيله 182 هدفاً، وهو الأمر الذي لم يفعله أي مهاجم لعب لهذا النادي وحقق معه لقب كأس ألمانيا عام 1972، ووضعه في المركز الثاني في البوندسليغا خلال نفس العام، حينما كان الدوري يعج بالنجوم الكبار، وكانت هناك أندية عملاقة مثل بايرن ميونخ الذي قاده "القيصر" فرانتس بيكنباور وغيرد مولر وسيب ماير.

وكان فيشر قد أعرب سابقاً عن رغبته في بقاء راوول ضمن صفوف شالكه، قائلاً: "سيكون من العار على اللاعب أن يرحل من شالكه ليلعب في دوري نجوم قطر"،

وأوضح: "لا يمكنني التحدث عن راؤول فالجميع يعرفه، فهو لاعب يعطي كل ما لديه من إمكانات داخل الملعب ولهذا يحبه الجميع داخل شالكه سواء اللاعبون أو الجهاز الفني أو الجماهير".

هادي أحمد