كشفت التصفيات الآسيوية لمونديال البرازيل 2014 أن مليارات الدولارات ليست وحدها التي تحقق الإنجازات، إذ توالى سقوط المنتخبات العربية الغنية انطلاقاً من الدور الثالث بدءاً من السعودي والكويتي والإماراتي، وصولاً إلى القطري في الدور الحاسم، أمام منتخبات لا تشكل ميزانياتها واحداً بالمئة من ميزانيات المنتخبات الغنية.
وكما هو معروف، فإن الدولة الأكثر إنفاقاً على الرياضة عامة، وعلى كرة القدم خاصة، هي قطر التي تخصص كتلة نقدية قد تكون الأكبر في العالم، لكن من دون أي مردود فني على الأرض.
والدولة القطرية حرة بإنفاق أموالها كما تشاء وفي أي اتجاه، وفي نظرة تقييمية تظهر غاية قطر من هذا الإنفاق، وما هي إلا مجرد "بروباغندا" إعلامية ليس لها أية قيمة فنية على رياضتها.
على سبيل المثال، أنشأت قطر مجمعاً رياضياً هو من بين الأضخم والأهم والأكثر كلفة مادية في العالم تحت مسمى "آسباير"، وقد استقطب هذا المجمع آلاف المسؤولين والإداريين والمدربين والنجوم واللاعبين والإعلاميين من مختلف أنحاء العالم، منذ افتتاحه قبل نحو 10 أعوام، وحاز على إعجابٍ كبيرٍ من زواره، لكنه لم يقدم حتى الآن أي نجم رياضي قطري.
وتستضيف قطر منذ أعوام طويلة، أبرز البطولات والدورات العالمية والقارية والعربية في ألعاب مختلفة، وتصرف في سبيلها مليارات الدولارات، وكل ما جنته من هذه الاستضافات كان بضع ميداليات غير مهمة، عبر عدد قليل من لاعبين تم تجنيسهم، مقابل دعاية إعلامية تصور قطر كواحدة من الدول العظمى في الرياضة.
ولأن موضوع تصفيات مونديال البرازيل 2014 هو الطاغي حالياً على صعيد الشارع القطري بعد خروج العنابي من المنافسة ما شكل صدمة كبيرة، فإن ما تصرفه قطر على كرة القدم تحديداً، يعد الأعلى في العالم، ولو توافر جزء يسير منه لمنتخبات فقيرة كاللبناني مثلاً الذي خرج من التصفيات بفعل خيانة بعض لاعبيه الذين تورطوا مع شبكات مراهنات، أو الأردني الذي لا يزال في قلب المنافسة بقوة، لشاهدنا هذين المنتخبين في نهائيات المونديال منذ الجولة الماضية.
وللتذكير بحجم الإنفاق القطري على كرة القدم، الذي لم يحقق أي مردود فني يذكر، نورد بعض الأرقام.
- تصرف دولة قطر على أنديتها سنوياً مئات ملايين الدولارات، وها هي أنديتها تخرج توالياً من دوري أبطال آسيا، ولم يبق منها سوى لخويا، الذي قد ينتظر بدوره الخروج.
كذلك، لم يخرج الدوري القطري الذي يطلقون عليه لقب "دوري النجوم" أي لاعب نجم ذي قيمة، لأسباب عديدة في طليعتها سطوة اللاعبين الأجانب والمجنسين، إلى غياب الجمهور عن الملاعب في ظاهرة مستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن.
واللافت في هذا الإطار، أن المباراة النهائية لكأس الأمير هي وحدها التي تستقطب السعة الكاملة لستاد خليفة البالغة نحو 50 ألف متفرج، بفعل استئجار المشاهدين من الجاليات الأجنبية في قطر، إلى إجبار طلاب المدارس والموظفين والعسكريين بالحضور إلى الملعب.
- ما صُرف، ويصرف على المنتخب يعد بين أعلى الأرقام في العالم، لكن هذا "المنتخب" الذي يضم نحو 70 بالمئة لاعبين مجنسين، يعتبر من المنتخبات غير المميزة عربياً، رغم تأهله إلى الدور الحاسم، حيث كان يفترض به أن يكون قوة ضاربة، تترافق مع نجاح قطر باستضافة مونديال 2022 والمتوقع أن تبلغ تكاليفه نحو 100 مليار دولار.
- صرفت قطر، في نطاق البروباغندا الإعلامية، مبالغ طائلة لإظهار اسمها في استثمارات مختلفة، عبر وضع اسم مؤسسة "قطر فوندايشن" على قمصان برشلونة الإسباني لمدة 4 أعوام مقابل 600 مليون دولار، وهو أمر جيد جدا "إعلانياً" حتى يشاهد مئات الملايين في مختلف أرجاء العالم هذا الاسم معظم أيام العام، لكنه لا يعود بأي مردود فني على كرة القدم القطرية.
- اشترت قطر ناديي باريس سان جيرمان الفرنسي، وملقة الإسباني، وحسب ما يتم تداوله من أرقام، فإن الكلفة في السنة الأولى بلغت أكثر من مليار دولار، وكما هو معلوم، فالاستثمارات في أندية كرة القدم الأوروبية خاسرة مادياً، لأن أغلب الأندية باستثناءات بسيطة (الأندية الألمانية) واقعة تحت خسائر متراكمة، كما أن شراء هذين الناديين لم ينعكس إيجاباً على كرة القدم القطرية.
إلى ذلك، فإن الإعلام الرياضي القطري على الأصعدة كافة مبالغ فيه كثيراً، ويُصرف عليه سنوياً مئات ملايين الدولارات، بلا أي جدوى محلية، ويقيناً، فإن هذا الإعلام يتفوق بحجمه وكلفته، كماً لا نوعاً، على إعلام كثير من البلدان المتقدمة رياضياً.
في مقابل هذا الصرف الجنوني على الرياضة عامة، وعلى كرة القدم خاصة، لم تستفد الرياضة القطرية، وتحديداً كرة القدم من أي مردود فني، لأن الهدف من هذا الصرف اقتصر على العامل المادي والدعائي، وكأن هذا العامل رغم أهميته الكبرى، هو وحده الذي يحقق الإنجازات والألقاب.
مرة جديدة، فإن قطر حرة بصرف أموالها كيفما تشاء، لكن من المعيب أن تكون رياضتها بهذا المستوى المتواضع.
وحبذا لو تستورد قطر، أو تجنس، أدمغة رياضية حقيقية تعرف كيف توظف الأموال الطائلة بخدمة رياضتها ورياضييها، لأن من يتولى رسم خريطة الطريق في قطر حالياً، يعتقد أن المليارات وحدها كفيلة بتحقيق الإنجازات والألقاب.
يوسف برجاوي
