البوابة -خالد أبو الخير
يجهد السياسيون والمحللون في دراسة الأبعاد والنتائج التي قد تفضي إليها الأزمة التي تفجرت مؤخراً بين واشنطن وتل أبيب في أعقاب تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون التي حذر فيها الولايات المتحدة من " ألا تحاول التفاهم مع العرب على حساب إسرائيل"
والرد الأميركي السريع والحاسم عليها.
وفيما يتضح أكثر وأكثر أن هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر حتمت على الإدارة الأميركية انتهاج سياسة خارجية مختلفة عما كانت عليه في السابق، خصوصاً تجاه مشكلة الشرق الأوسط، أهم بؤر التوتر وأحد الأسباب المولدة للإرهاب الذي تسعى واشنطن لمكافحته، وحاجتها لموقف عربي داعم ومشارك في التحالف الدولي الذي تسعى لإقامته، ومن هنا جاءت تصريحات الرئيس الأميركي الإيجابية بشأن إقامة الدولة الفلسطينية. ترى قوى ومحللون سياسيون أن ما وصف بالتطورات الإيجابية في النظرة الأميركية للقضية الفلسطينية لا يعدو مجرد وعود هدفها ضمان مشاركة العرب في التحالف، سيجري التحلل منها لاحقاً ..بمجرد (انفراج الغمة).
د.الزهار: إسرائيل تعض يد أميركا..!
الدكتور محمود الزهار، الناطق الإعلامي باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس يقول:
تعكس هذه الأزمة المنطلق والنهج الإسرائيلي المعروف في تاريخ اليهود منذ وجودهم وهو "عض اليد" التي تقدم المساعدة لهم، فـ شارون لا يريد إلا أن تسخر كل أميركا لمصلحة الكيان الإسرائيلي في حين أن أميركا ترى أن مصلحتها، ومصلحتها ليست في مصلحة العرب أيضاً، أن تكون تحالفا له صفة الاستمرارية للهيمنة على المنطقة، وتمرير هكذا تحالف يحتاج إلى تبريد القضية الفلسطينية، وشارون لا يريد ذلك، لكنه يريد أن تسخر كل الطاقات الأميركية لمصلحة الكيان الإسرائيلي، على اعتبار أن الفلسطينيين إرهابيون وحماس "منظمة إرهابية" ودخول أميركا في حرب مباشرة مع حماس، وعدم الضغط على الكيان الإسرائيلي أن يوقف جرائمه ضد الشعب الفلسطيني. لذلك أرى أن تصريحات شارون طبيعية ولو قرأنا التاريخ اليهودي لوجدناه قصة تتكرر مرات ومرات وعبر قرون ممتدة.
إذًا هل تعتقد أن القضية مجرد مناورة؟
- لا .. القضية ليست مناورة لكنها لحظة انفعال قام شارون فيها بالتعبير عما في نفسه، وبعد ذلك بدأ التراجع عنها عندما قام المستشارون بالنصح.
بالنسبة للموقف الأميركي؟
- الموقف الأميركي يحتاج الآن إلى دعم اليهود، ومنحاز لإسرائيل ويضع في اعتباراته كل العناصر السياسية المتعلقة بالمد الصهيوني والتأثير المالي والإعلامي للصهيونية على أميركا.
لكنني لا أعتقد أن أميركا تهدف إلى أكثر مما قامت به، تبريد المنطقة بقدر الإمكان وتحقيق التحالف الدولي.
التصريحات التي أطلقها الرئيس ياسر عرفات بوقف الانتفاضة، هناك من يعتقد أنها محاولة فلسطينية لزيادة الشرخ في العلاقة ما بين شارون وبوش، ما رأيك ؟
- هذه إحدى التحليلات ولسنا بمعرض التحليل فهذا الأمر متروك للمحللين السياسيين.
أما نحن فمنظمة تعمل على أرض الواقع وتصنع تاريخاً، وبرنامجها واضح، ونرى أن استمرار الانتفاضة جزء أساسي في عملية إحراج كل العناصر المضادة للشعب الفلسطيني.
المومني: أميركا لا تناور.. هناك تغير حقيقي في موقفها من إسرائيل.
جهاد المومني، رئيس تحرير صحيفة "شيحان" أكثر الصحف الأسبوعية الأردنية انتشاراً، قال:
- أعتقد أن هناك تغيرا في السياسة الأميركية، هذه ليست مناورة لأنني لا أعتقد أن لدى الإدارة الأميركية وقتا للمناورة، فبعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر لاحظنا تغيراً في الموقف الأميركي تجاه إسرائيل، لسبب جوهري هو أن إسرائيل حاولت استغلال الآلام الأميركية على الأرض.. فليلة 12 أيلول، أي بعد ساعات من تفجيرات نيويورك وواشنطن اجتاحت إسرائيل جنين وقتلت 11 فلسطينياً، الأمر الذي أزعج الأميركيين كثيراً، واتصل كولن باول بشارون وأسمعه كلاماً قيل أنه كان شديد اللهجة، لدرجة أنه أغلق سماعة الهاتف بوجه شارون بعد أن طالبه بالانسحاب.
ما أعتقده أن الإدارة الأميركية لاحظت أن شارون هو الذي يناور ولا يريد الالتزام لا بوقف إطلاق النار ولا بتنفيذ توصيات جورج تنيت وتقرير ميتشل ولا يريد أن يلتقي إطلاقاً مع الفلسطينيين على طاولة المفاوضات، ولا يريد إلا أن يحسم الأمور بمعركة على الأرض. الأميركيون بتصوري توصلوا إلى هذا القناعة بعد الأحداث التي أصابتهم، وتنبهوا إلى محاولة شارون استغلال هذه الأحداث لكي يحدث شرخاً هائلاً بينهم وبين حلفائهم العرب.. فانقلب السحر على الساحر.
وأشار المومني إلى أن إسرائيل طوال تاريخها شكلت عبئاً على السياسة الأميركية التي أرادت أن تحافظ على علاقات جيدة مع العرب.. وفي نفس الوقت على تحالف مع إسرائيل، وكانت الأمور تمر دائما بسلام بالنسبة للإدارة الأميركية، لأن العرب كانوا صامتين دائماً ورضوا بالواقع، وخصوصاً دول الخليج ذات المصالح الكبرى مع الولايات المتحدة، وللولايات المتحدة مصالح كبرى معها أيضاً، واستطاعت الولايات المتحدة على مدى عقود أن تحافظ على صيغ تحالف استراتيجية واقتصادية وأمنية وعسكرية مع إسرائيل وبنفس الوقت على صداقة سطحية مع دول عربية كثيرة.. والتغير الأول الذي طرأ تجاه النظرة لإسرائيل كان في عهد جورج بوش الأب وتحديداً في أعقاب حرب الخليج، عندما أعلنت الولايات المتحدة التزامها بقرارات الأمم المتحدة لإقامة سلام دائم في الشرق الأوسط.
والآن وبعد مضي سنوات طويلة ما بين مد وجزر في العلاقات العربية الأميركية والعربية الإسرائيلية نجد أنفسنا أمام واقع جديد.. يقول أن الولايات المتحدة بدأت تعرف أو بدأت تعي أن بإمكان العرب أن يؤثروا على مصالحها، والواضح أن ضغط الدول العربية على الإدارة الأميركية بأن تكون عادلة على الأقل أو أن تتذكر علاقاتها ومصالحها مع العرب قد أثر على الإدارة الأميركية، فتحينت الفرصة في الواقع لتذكير شارون بمصالحها وبأن إسرائيل لا تشكل كل شيء في نهاية المطاف بالنسبة للإدارة الأميركية، ولذلك أعتقد أن التغير الذي حدث منذ يومين يقول بكل صراحة أن هناك أزمة، لا نعرف بالضبط حدودها، لكنها تقول أن شارون شخص غير مرغوب به أميركياً كما هو غير مرغوب فيه أوروبياً.
وفي معرض تعقيبه على ما هو المطلوب فلسطينياً لزيادة الشرخ أو التجاذب بين تل أبيب وواشنطن؟ وهل سيكون من المفيد مثلاً إعادة الانتفاضة إلى سجيتها الأولى كتظاهرات سلمية ووقف العمليات العسكرية؟ يقول المومني: ما تفعله السلطة الفلسطينية من وجهة نظري هو الصح، فالسلطة تلعب ورقة ذكية جداً، تحافظ على علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام وبنفس الوقت تدير الانتفاضة وهذا أمر بمنتهى الذكاء والحكمة. الفلسطينيون يمسكون بالورقتين معاً ورقة المفاوضات والانتفاضة وهذا ممتاز وما يمكن أن تفعله السلطة.. هي تفعله في واقع الأمر.
والواقع أن أحداث 11 أيلول/سبتمبر أفادت السلطة رغم أن الساعات الأولى لم تبشر بشيء جيد لصالح الفلسطينيين، لكن بعد ذلك تحول الموقف الأميركي بدليل أن الولايات المتحدة لم تدرج أي منظمة فلسطينية سواء كانت يسارية أو يمينية في قائمة المنظمات الإرهابية وهذا أمر إن أغاظ إسرائيل جداً، يعني أن الولايات المتحدة بدأت تفكر بطريقة مختلفة قليلا، لو أن الولايات المتحدة أصدرت هذه القائمة قبل 11 أيلول/سبتمبر وعلى خلفية أي حادثة ربما وقعت مثلاً في إسرائيل لكانت أدرجت على الأقل 3 – 4 منظمات فلسطينية فيها.
أرى أن السلطة الوطنية تعمل بذكاء وحكمة بدون أي توتر أو استفزاز ونداءات الرئيس الفلسطيني بوقف إطلاق النار، أعتقد أنها رغم أنها تبدو للعيان صادقة، وهو يريد فعلاً أن يحافظ على علاقاته مع الولايات المتحدة عن طريق تلبية بعض طلباتها على الأقل لكني أفهم أنها تصريحات مدروسة وتشير بوضوح إلى أنه يمسك تماماً بزمام الانتفاضة ويستطيع بنفس الوقت أن يوقفها، ولا أعتقد أن إعادة الانتفاضة إلى سجيتها الأولى هو الصواب، يجب أن نبقي دائماً على مدخل أو مخرج لكي يستغل هي الوقت المناسب، وقت الأزمات والآن هناك أزمة، وأعتقد أن لدى السلطة الفلسطينية الكثير من المداخل والمخارج لكي تناور وتبقي على إسرائيل محصورة في الزاوية—(البوابة)