ندوة جرش الفكرية: فدوى طوقان تتحدى وهن العمر وتنشد للمستقبل

تاريخ النشر: 09 أغسطس 2000 - 02:00 GMT
البوابة
البوابة

عمان- نزيه أبو نضال  

ابتدأت مساء الإثنين في السابع من آب الحالي فعاليات الندوة الفكرية حول أدب الشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان، وتستمر ثلاثة أيام، قدمت في اليوم الأول ثلاث أوراق بحث: صبحي الحديدي من سوريا، د. احمد دروش من مصر، د. خليل الشيخ من الأردن. 

الأستاذ اكرم مصاروة مدير مهرجان جرش رحب بالشاعرة فدوي طوقان بحرارة.. فردت بانفعال: " حين يكون التأثر كبيرا تضيق العبارة" ثم قدمت ورقة استعرضت من خلالها الشعر النسوي العربي فأشارت إلى أن تاريخ هذا الشعر ارتبط بالرثاء سوى ما غنته أو أنشدته الجواري، باستثناء رابعة العدوية وشعرها الصوفي المركب أو ذي الطابقين، وأضافت : "لقد ظل أدبنا وشعرنا النسائي حتى الخمسينات يخاف أن يتكلم أو يبوح، وظل ينقصه الإحساس العنيف بوحدة الذات والاندفاع اللاشعوري إلى البوح والتعبير شعراً أو نثراً، أو بتعبير آخر اصبح ظل ينقصه الجنون الوهاج الذي يجعل الشاعر يكسر حواجز الخوف ولا يتردد في التضحية بكل شيء من اجل التعبير". 

وعن تجربتها في كتابة الشعر قالت: "حين بدأنا نحن شاعرات الأربعينات انطلاقتنا في فضاء الشعر وكنا قلة قليلة كان علينا ان نخوض فترة حرجة مضطربة وكنا ندرك أقوى إدراك أننا نشق طريقاً صعباً غير ممهد وان شاعرات اكثر توهجاً ستسطع بعدنا وتضيء إلا أننا كنا نعرف أن باستطاعتنا أن نغمض عيوننا في شبه ارتياح فذلك ما كنا نستطيعه في حدود زماننا وظروفه الاجتماعية والثقافية. 

مع هبوب رياح التغيير والثورات والمجتمعات بعد سقوط السقف الفلسطيني عام 1948 تغيرت الدنيا العربية وتغير الناس وحملت رياح التغيير المرأة إلى آفاق الحرية والتعليم العالي والانطلاق في مختلف الأصعدة العلمية والأدبية والثقافية بصفة عام وأخذت المرأة العربية تلامس الحياة ملامسة حقيقية واقعية". 

واختتمت كلمتها بالقول .. تبارك الشعر مستودع التجارب الإنسانية وتبارك الشعر الذي ظل وسيظل حاجة إنسانية حضارية لا غنى عنها للإنسان لإن الإنسان خلق عاطفياً وما دام عاطفياً فسيظل الشعر"  

ثم ألقت فدوى طوقان بعد ذلك قصيدة جديدة قات أنها كتبتها قبل أسبوع وحملت القصيدة عنوان " هذا الكوكب الأرضي":  

"لو بيدي  

لو أنى اقدر أن اقلبه هذا الكوكب 

وان أفرغه من كل شرور الأرض  

أن اقتلع جذور البغض 

لو اني اقدر، لو بيدي  

أن أقصى قابيل بالثعلب  

أقصيه إلى ابعد كوكب 

أن اغسل بالماء الصافي  

اخوة يوسف  

واطهر أعماق الاخوة 

من دنس الشر 

لو بيدي 

أن امسح عن هذا الكوكب 

بصمات الفقر 

لو اني اقدر لو بيدي 

أن اجتث شروش الظلم وأجفف هذا الكوكب 

انهار الدم  

لو اني املك لو بيدي  

أن ارفع للإنسان المتعب في درب الحيرة والأحزان 

نبراس رجاء واطمئنان 

أن امنحه العيش الآمن  

لو اني اقدر لو بيدي 

لكني ما بيدي شيء 

إلا لكن 

لو أني املك أن املأه هذا الكوكب 

ببذور الحب 

فتعرض في كل الدنيا 

أشجار الحب 

ويصير الحب هو الدنيا 

ويصير الحب هو الرؤيا 

ويصير الحب هو الدرب 

لو بيدي أن احميه هذا الكوكب 

من شر خيار صعب 

لو بيدي 

أن ارفع عن هذا الكوكب 

كابوس الحرب"  

وقد استقبل الجمهور بحرارة كلمات فدوى وشعرها، وبعد ذلك بدأت أعمال الندوة النقدية.  

صبحي الحديدي: 

قدم الباحث السوري صبحي الحديدي ورقة بعنوان "الحداثة العاطفية" تناول فيها موقع فدوى طوقان وريادتها النسوية في الشعر العربي الحديث. 

تركزت ورقة الحديدي على الأطوار الأولى من تجربة فدوى طوقان الشعرية، أي مرحلة ما قبل نكسة حزيران1967، في محاولة للبرهنة على أن موضوعة الحب والقصيدة إجمالا "كانت وعلى النقيض من الافتراض الشائع في بعض النقد العربي، إسهام طوقان الأعمق والأكثر دلالة في حركة التحديث التي عرفها الشعر العربي على مستوى الموضوعات والأشكال في نهاية الأربعينات ومطلع الخمسينات من القرن الماضي"، كما تساجل الورقة ضد الرأي الشائع الآخر الذي يرى "أن طوقان تحررت بعد عام 1967 من إسار النزعة الرومانسية التي هيمنت على نتاجها قبل النكسة، الأمر الذي ينطوي على القول بأن هذا التحرر كان تطورا إيجابيا نقل تجربتها إلى مصاف أعلى". 

كما تنطلق ورقة الحديدي من فرضيات مغايرة لتلك التي تقيم حالة من التنازع بين الموقف العاطفي والموقف الحداثي، وترى "أن الخيارات العاطفية في شعر طوقان لعبت دورا حاسما في تطوير جبهة حداثة نسائية حيوية كانت حركة التحديث العامة بحاجة ماسة إليها، خصوصا إزاء استئثار الخطاب الحداثي الذكوري بالقسط الأعظم من الموضوعات والأشكال والأساليب، وبقدر ما كان الخطاب الحداثي الذكوري مخولا بتمثيل الشرائح الصاعدة والظافرة في المجتمعات العربية، كان الخطاب الحداثي النسائي مضطرا إلى تمثيل الشرائح المهشمة والمقموعة". 

ويقول صبحي الحديدي: "ومن المدهش أن بعض النقاد العرب أخذوا على فدوى طوقان نزوعها العاطفي هذا ، وفاتهم أن يلاحظوا طبيعة الرسالة الثقافية الجبارة التي انطوى عليها ذلك النزوع، سواء في الجانب السوسيولوجي المحض الذي يتيح للشاعرة المرأة أن تمارس الحق في تحرير صوتها وروحها وجسدها دون أن تضطر إلى قمع مشاعرها الأنثوية أيا كانت، أو في الجانب الإبداعي الذي يخص حقها في التغريد الوجداني الطليق خارج سرب الموضوعات "الجدية" للشعراء الرجال (وهي الموضوعات التي كانت، في معظمها، مجرد استنساخ لموضوعات الحداثة الغربية)، وكشوفات النقد النسوي المعاصر أثبتت أن تلهف تيارات الحداثة على قمع الخطاب العاطفي إنما كان يستهدف تحسين شروط ممارسة اللعبة القديمة في ترويض النص النسائي"، تقول فدوى طوقان: 

"كان في أعماقنا خوف جهلنا كنهه 

كان الخوف ينزوي في عتمة النفس 

ويخفي وجهه  

عن مصب الضوء، لكنا تجاهلنا 

وأغمضنا العيونا 

وتناسيناه فينا"  

د. أحمد درويش  

البحث المقدم من الدكتور احمد درويش تناول : " التجسيد الفني لظاهرة الموت في شعر فدوى طوقان وسيرتها الذاتية " معتبراً أن ظاهرة الموت تشكل اكبر الأسئلة التي يطرحها الوجود على كل من يعبر بهذه الحياة ولهذا كانت محور تأملات الشعراء، واحاديث الحكماء الخ..  

وفدوى طوقان من الشعراء الذين تحتل صورة الموت جانباً هاماً في حياتهم وشعرهم، نتيجة للظروف التي احاطت بها في مسيرتها الأسرية، ومسيرة وطنها، وساعدت على تشكيل ميولهاواتجاهاتها السلوكية والفنية . 

ويمكن تلمس ملامح هذه الصورة فيما كتبته في سيرتها الذاتية المتعة " رحلة جبلية .. رحلة صعبة"، وفيما نشرته من قصائد في دواوينها السبعة التي ضمها مجلد " الاعمال الشعرية الكاملة". 

وبعد ان يستعرض د. احمد درويش ظاهرة الموت وفلسفته في شعر فدوي فنياً ومضمونياً يقول :  

" اذا كان هذا التصوير الفني لفلسفة الموت قد أعطاه هذه الأبعاد الرحبة في شعر فدوى طوقان، فإن ذلك يتم غالباً عندما تتمثل الشاعرة هذه الفلسفة، وتعايشها، وتتركها تنبث بطريقة غير مباشرة في شعرها، ولكنها تكون اقل جودة وإحكاما عندما تتعجل الشاعرة، فتصوب هذه الأفكار وهي ما تزال في مرحلة الحوار العقلي الفلسفي قبل أن تدخل دائرة جذب الشاعرية، فتبدو القصيدة كأنها هيكل عظمي يحمل الفكرة، لكنه لا يكتسي بجمال الشعر، تقول :  

" أنا أخت أنا لي قلب الأخت 

هل تلقى أخت أخواتها 

في ظلمة قبر النسيان  

أتواري أخت اخوتها  

في ابشع قبر أقسى موت". 

ثم يختم درويش بالقول "إن التنوع الهائل لقصائد الرثاء في شعر فدوى طوقان من حيث البواعث، ووسائل التصوير، واستخدام التقنيات المختلفة سرداً أو تجسيداً أو حواراً وما يترتب عليه من ديناميكية الحوار احياناً، وتحليقه كالطائر المجنح، أو تعثره في بعض الأحايين ، وتحركه كالبطة المتأنية، وما يصاحب ذلك كله من ألوان من البنى الشعرية المتنوعة، كل هذا يجعل تجسيد ظاهرة الموت في شعر فدوى طوقان وسيرتها واحدة من الظواهر المهمة في تاريخ الأدب العربي الحديث". 

د. خليل الشيخ  

وقدم الدكتور خليل الشيخ بحثا اسماه رؤية فدوى طوقان للآخر، دراسة في جدول الشعر والسيرة قارن فيه بين طبيعة مواجهة الشاعر للآخر كما تتجلى في شعرها وفي سيرتها الذاتية. 

وقال "إن شعر طوقان عبر مجموعاتها الخمس اصادرة ما بين 1952 – 1973 يكشف عن ضيق المسافة بينه وبين السيرة الذاتية فهو يكشف لحظات الصعود والانكسار في حياة فدوى وهي لحظات تسير في حركة دائرية وتعتورها مشاعر متضاربة كالشعور بالوحدة والفرح بلقاء الذات والوقوع في دائرة الشك والسعي للخروج من عدمية تلك اللحظة بالبحث عن الحب الحقيقي وان ظل الموت في هذه الأشياء يشكل الاطار الذي تدور فيه رحابه تلك المشاعر لتجئ هزيمة حزيران عام 1967 ايذاناً بالخروج المطلق الى ايقاع الحياة العامة ومؤشرا على انعطافه جديدة قد لا تتحرر الشاعرة فيها من ازمتها بل تغدو اكثر قدرة على التعايش مها". 

واضاف: "لهذا كان من الطبيعي ان يكشف شعر فدوى المبكر عن نزوع عميق نحو الرحلة ولعل قصيدتها " الى صورة" تجسد ما كانت فدوى تعانيه من قيود وحرمان جعلها تخاطب صورتها التي سترتحل بوصفها القادرة على اختراق جدران السجن والتواصل مع الحبيب وسيتكرر ذلك الارتحال، والحالم في قصيدة اخرى بعنوان " في الكون المسحور" حيث تحلم وهي يقظة ينزهة قمرية في النهر لتستيقظ على واقع يناقض ما في الحلم من سعادة وانطلاق" - - (البوابة).