حين يتعامل أحدنا مع موظف ما ويرى منه تفانياً في عمله وولاء لمؤسسته من خلال صدق ابتسامته وجودة أدائه لمهنته، فإن أول سؤال يتبادر إلى أذهاننا - غالباً- عن كم راتبه الذي يتقاضاه وحجم الامتيازات التي يحصل عليها، إذ كثيرًا ما نربط بين الرضا الوظيفي المعبر عنه بالإنتاجية والولاء للمؤسسة بالراتب وامتيازات الوظيفة، وننسى عنصراً مهماً وحيوياً من عناصر الرضا الوظيفي الذي يتعلق بطبيعة العمل نفسه والوظيفة أياً كانت وأينما كانت ومدى شعور الموظف بارتباط إنتاجيته بالنمو والنجاح الذي تحققه مؤسسته.
فلو قدر لك وذهبت إلى إمارة دبي فإنه سيصعب عليك عدم ملاحظة تفاني الموظف هناك أياً كان موقعه حتى لو كان نادلاً صغيراً في كشك، وولاؤه ليس لمكان عمله فقط بل للمدينة التي يعمل فيها ويشعر أنه وعمله جزء من ذلك النمو الذي ملأت به دبي الدنيا، لقد لاحظت ذلك ولمسته منذ وضعت قدمي في مطارها مع موظفي المطار وتفاعلهم وسائقي التاكسي وتعاونهم مع بعضهم بعضًا، مرورًا بموظفة الاستقبال في الفندق وحامل الحقائب.. إلخ القائمة. أولئك الذين يصعب ألا تميز ابتسامتهم الصادقة وحبهم للعمل الذي يقومون به، والذي يمكنك عبر سماع حديثهم والتعامل معهم أن تميز فيه الحب والولاء الصادق للعمل وللبلد جملة أكثر مما قد يفسره بتطبيق احترافي لقواعد التسويق.
ولا أعتقد أن هذا الأمر تم بين يوم وليلة أو من خلال طرف أو عنصر واحد أو اثنين ، ولكن تشكل عبر مدة من الزمن وتضافر عدد من العناصر، ليس أولاها الطبيعة الإنتاجية للوظائف حيث يشعر المرء أنه يأتي للعمل لينتج وأن عمله وإنتاجه هذا مرتبط بنمو مؤسسته أو بلده ، كما ليس آخرها إلغاء الروتين والبيروقراطية التي تعيق قدرة الموظف على رؤية ذلك الارتباط وتبعث على الترهل والإحباط .
وبالرغم من ذلك فالأمر ليس عسيراً ولا صعب التحقق، مادام أمكننا رؤيته ولمسه واستشعاره في إمارة كدبي تقع وسط البيئة العربية، بما تحمله من انخفاض شديد في الإنتاجية وفاعلية الموظف وتدني مستوى رضاه، الباعث على العطاء والإنتاج، حتى أصبح هذا الأمر سمة ملازمة مصطبغة بالبلاد العربية.
ويذكرني هذا بأحد تغريدات الناقد والكاتب السعودي الدكتور عبدالله الغذامي: (التخطيط لمجتمع فعال لا يتم إلا بتوفير فرص عمل تكون طبيعتها إنتاجية وليس عبر تخدير الناس بوظائف شكلية لا تنتج ولا تنمي) ( ليس صحيحاً أن الناس لا تحب أن تعمل أو تنتج، فحاجة تحقيق الذات والشعور بالقيمة وتقدير الذات حاجة أصيلة في الإنسان، وبالعمل المنتج ذي القيمة العملية تحقق هذه الحاجة وليس فقط بمزاولة المرء للمهنة التي يحبها، ولكن الناس لا تحب أن ترى خيبتها في وظائف وأعمال شكلية ليس لها قيمة ولا يؤثر وجودها من عدمه في سلسلة الأعمال المرتبطة بها ولا يمكن ملاحظة بطبيعة الحال مدى قيمتها بالنسبة لنمو الشركة أو المجتمع الذي يعيش في كنفه).
بقلم/ لطيفة خالد