بدأت مساء أمس الأول فعاليات الموسم الثقافي لمركز زايد للتراث والتاريخ بمحاضرة عن »مفهوم الهوية في الثقافة العربية« قدمها الأستاذ الدكتور مجدي عبد الحافظ عبدالله أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بجامعة حلوان وجامعة أميان الفرنسية وبحضور عدد من رواد المركز.
وقال الدكتور عبد الحافظ إن مفهوم الهوية الثقافية يأتي من جهتين الأولى خارجية بدأت مع كثرة الحديث في الآونة الأخيرة عن العولمة وتعدد تعريفاتها على مستوى كل المجالات المعروفة وما تمثله العولمة من محاولة لتنظيم أو إعداد نظام عالمي جديد بكل ما سيترتب عليه من هذا النظام من سلبيات تطول في معظمها بلدان العالم الثالث.
ويزيد من هذه الأهمية ما بدأ يبرز من نظريات تسير في الإطار السابق والنتائج المترتبة عليه مثل نظرية »الوطن في الشتات« للفيلسوف الفرنسي إيف ميشو التي ينادي فيها بأهمية الوصول إلى هويات ديناميكية ومرنة تقوم على الاختيار والمقارنة بدلاً من الانتماء المباشر لوطن بعينه كما ضاعف من أهمية موضوع الهوية المشكلات العرقية التي طفت على سطح الحياة المعاصرة.
أما الجهة الثانية التي تأتي منها أهمية موضوع الهوية؛ فهي داخلية وتتمثل في ندرة المقاربات العلمية والموضوعية بهذا الموضوع خاصة في دول العالم الثالث إضافة لما يفعله البعض منا في العالم العربي عندما يضع مفهوم الهوية في تناقض مع الحداثة فتصبح الهوية عندهم المرادف للولاءات العشائرية والطائفية وكل ما من شأنه أن يوقف عجلة الحداثة التي نحن في أشد الحاجة إليها كي نفيق من كبوتنا ونلحق بركب التقدم.
وكشف المحاضر عن مفارقة لا تخلو من طرافة وهي ان مصطلح الهوية المتواتر على كل الألسنة والذي يمثل حجر الزاوية في كل الاجتهادات والتصورات هو مصطلح غربي ولم تعرفه ألسنتنا العربية إلا حديثاً.
وأرجع السبب في ذلك إلى أن العرب المسلمين لم يكونوا في حاجة للتأكيد على هوية كانت مؤكدة بالفعل على أرض الواقع عندما تسيدوا العالم بالفتوحات والحضارة التي أعلت من شأنهم.
وأشار عبد الحافظ إلى أن التعريف الوحيد والمنطقي للهوية الذي عرفته الثقافة العربية الإسلامية هو الذي جاء به الفارابي، والذي يعرف الهوية بأنها من الموجودات وليست من جملة المقولات وإنها من العوارض اللازمة لا من جملة اللواحق التي تكون بعد الماهية، ولم يغفل المحاضر عن تعريف ابن رشد للهوية والذي على ما يبدو ـ من وجهة نظره ـ انه منقول عن اليونانية.
والذي يذكر فيه إن الهوية تقال بالترادف على المعنى الذي يطلق على اسم الموجود ثم يرجح ان مفهوم الهوية ربما يكون قد تسرب إلى الفكر العربي على الأخص في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين في غمار الترجمات التي بدأت تتراكم وقتها ومن بينها مصطلح الوطنية الذي يراه عبد الحافظ أقرب تلك المصطلحات من حيث المعنى إلى مصطلح الهوية إلى ان استخدم سلامة موسى المصطلح صراحة نقلاً عن إبراهيم اليازجي.
وأشار المحاضر إلى أن ندوة »التراث والهوية« التي عقدت في القاهرة عام 1984 والتي تنوعت فيها تعريفات المشاركين للهوية تنوعاً شديداً جعلت المجتمعين يخرجون من الندوة بأسئلة لا حصر لها ولا إجابات عنها على الرغم من كونهم من كبار رجالات الفكر والثقافة والفلسفة في العالم العربي، ما يعني عدم الاستقرار على تعريف دقيق للهوية وهو ما أبانت عنه المداخلات التي طُرحت بعد المحاضرة.