هل تنتظر من طفلك دائماً عمل كل شئ على النحو الأكمل ؟ كثيرون منا كماليّون يطلبون من أطفالهم ما هو فوق طاقتهم . نريد أن نكون آباء كاملين وأن يكون اطفالنا كاملون أيضاً . نبيّن فيما يلي طرق يجب اتباعها لتشجيع الأطفال وقبول نقاط ضعفهم
كيف يتصرف الشخص الكماليّ
يحدد الكماليّون لأنفسهم وللآخرين أهدافاً بعيدة المنال ومقاييس غير واقعية ،
تاركين مجالاَ ضيقا لاحتمال وقوع الخطأ ويقومون بالنقد الذاتي بلا هوادة . وبما أنهم يقيّمون أنفسهم بناء على إنجازاتهم وجودة نتائجها ، فهم دائماً يخشون الفشل ونبذ الآخرين لهم ، كما أنهم يماطلون ويؤجلون القيام بعمل ما إلى أن يستطيعوا عمله بدقة تامة لأنهم يشعرون أن القيام به في الوقت الحاضر لا يحقق لهم سوى 90 % منه . الكماليّون لا يضعون أولويّات لأعمالهم لأنهم يريدون إعطاء وقتهم وجهودهم لكل جزئيات العمل وتفاصيله ، وهذا طبعاً أمر مستحيل ، لذلك ينتهي بهم الأمر إلى الإحباط والقلق والاكتئاب .
الخط الفاصل بين الكماليّة والطموح
الفرق بين السعي السليم لتحقيق الامتياز والسعي لتحقيق الكمال هو أن الساعين السعي السليم لتحقيق الامتياز يضعون لأنفسهم أهدافاً واقعية قابلة للتحقيق وتكون عادة شيئاً قليلاُ أكثر مما يكونون قد حققوه . كما أنهم يستمتعون بما يحققونه لأن اهتمامهم لا ينصب على النتائج فقط ، وعندما يواجهون بالفشل أو الرفض يدركون أن ذلك الفشل يقتصر على عملهم الحالي وليس على كل ما قاموا به من أعمال ولا ينعكس على منجزاتهم الذاتية .
جذور تصرف الكماليين
تبدأ الكمالية منذ الطفولة ، إذ عندئذ يقيّم الناس الأطفال ويحبونهم على أساس ما يقومون به وليس تقديراً لشخصياتهم . هذا ما يسمى الحب المشروط . وسرعان ما يدرك الأطفال أن الكمال هو المخرج الوحيد من المأزق فهو يحقق لهم الحب الذي يحتاجونه ويقيهم من انتقادات الناس اللاذعة ومن فشلهم في أعين الناس . تقول شيرين خليل ، الطبيبة النفسانية ، إن الأهل الذين يغفلون الثناء على أطفالهم للجهود التي يقومون بها ويركزون على النتائج فقط هم سبب تمسك أطفالهم بالكماليّة وهم ، كما يصفهم أطفالهم ، ذوو مراس قاس ويصعب إرضاؤهم . إن الأهل الذين يدعون الكمال ومعرفة كل شئ والذين يتمسكون بطريقتهم التي يرون أن على الشخص اتباعها في رد الفعل العاطفي والتصرف حيال أي وضع معين – هؤلاء الأهل يساهمون في تصرفات أطفالهم الرامية إلى تحقيق الكمال . هؤلاء الأهل قلما يقولون لأطفالهم ، وربما لا يقولون بتاتاً ، إنهم لا يعرفون أو إنهم آسفون . بعض الأطفال يكونون كماليّون بطبيعتهم وبدون تأثير من أهلهم ، ويقلقون كثيراً بشأن كيف يرونهم الناس حتى أثناء سنواتهم المدرسية الأولى . مثلاً ، إذا أخطأوا أثناء عمل شئ ما يقومون بإعادة العمل بكامله من جديد . بعض الأحيان يتركون المشاريع إلى آخر دقيقة كي يتذرعون بقلة الوقت إذا كانت نتائج عملهم دون الكمال .
النتائج السلبية للكماليّة
الكماليّة تأتي بنتائج عاطفية وجسدية غير سليمة . الكماليّون لا يستطيعون بتاتاً تحقيق المستويات التي يحددونها لأنفسهم في أذهانهم ، وهذا الفشل المتواصل والضغط المستمر عليهم للإنجاز ، يحط في الواقع من انتاجية الشخص وينتقص من اعتداده بذاته . في هذه الحالة ينتهج الشخص الكماليّ أحد نهجين ، فإما أن يفقد كل الأمل في تحقيق أهدافه فيصاب بالاكتئاب ، أو أنه يضع أهدافاً جديدة هي الآخرى غير واقعية معتقداّ أنه هذه المرة سوف ينجح ، وأنه ما عليه إلا أن يبذل جهداً أكبر – وهكذا تبدأ سلسلة الضغوطات من جديد .
تأثير الكماليّة على الأطفال يختلف بين حالة وأخرى . في معظم الحالات ، يحاول أطفال الآباء الكماليّين دائماً إرضاء آبائهم فيتصرفون مع مرور الوقت نفس تصرفات الكماليّين ، ويظل هذا حالهم حتى يكبروا وقد يصعب عليهم عندئذ التخلص من هذا التصرف . إلا أن الطفل الذي يشعر في بعض الحالات أنه يستحيل إرضاء أمه وأبيه قد يتخلى عن ذلك كليّة , وربما حتى يتمرد على الوضع . هذا الكلام ينطبق بصفة خاصة على الرعيل الثاني من الأطفال ، لا سيما إذا شعروا أن الأكبر منهم عمراً يحققون الكماليّة في نظر الوالدين . وقد تقود هذه المشكلة الطفل إلى الفشل المتعمّد أو ، حتى أسوأ من ذلك ، إلى الاختلاط بالطالحين والانحراف إلى تعاطي المخدرات وأشياء مشابهة من أجل نسيان فشله المتواصل .
عشــــرة أشياء بوسعك عملها لتشجيع أطفالك
على النجاح بدون الوقوع في حبائل الكماليّة
تذكّر كيف كنت تشعر وأنت طفلاً . على الأرجح أنك تعتز بكل كلمة ثناء قيلت لك وأن ذلك الثناء ، وليس الانتقاد ، هو ما دفعك إلى الأمام . امتدح كل جهود أطفالك ، حتى ولو لم تستطع امتداح أعمالهم ونتائجها . المهم هو بذل الجهد ، وهذا هو ما يجب أن يدركه الأطفال .
لا تنسى أن أطفالك حديثو السن وأنهم لا زالوا في طور النمو والتعلم ، لذلك لا نتظر منهم أن يعرفوا القيام بكل شئ .
إيالك أن تشعرهم أن عليهم تحقيق نتائج ممتازة لكيّ يكسبوا حبك لهم . امنحهم حبك بلا شـروط .
إياك أن تنتقدهم بعبارات مثل " أتسمي هذا ترتيباً ؟ يجب عليّ أن أقوم بذلك بنفسي. " كلام كهذا يجعلهم يشعرون أن لا أهمية لما قاموا به وأنك لا تقدره وأنه ليس جيداً .
علّم أطفالك كيف يضعون الأولويات ، وكيف يقومون بتقسيم المهمات الكبيرة إلى وحدات صغيرة ، وكبف يرتبون وقتهم .
أجعل من نفسك مثالاً يحتذيه اطفالك ، وتخلى عن الكماليّة ، فطفلك يراقبك طيلة الوقت .تجنب الغضب بسبب أمور صغيرة أو الإصرار على أهداف غير مرنة ، فكونك نموذجاً جيداً يحتذى به أهم وأكثر فعالية .
تقول شيرين خليل إن على الوالدين أن يدركا أن كل طفل فريد يجب عدم مقارنته بأي أحد آخر . المقارنة الوحيدة المسموح بها هي مقارنة انجازاته الحالية بانجازاته السابقة ، لا مقارنته هو بأطفال آخرين .
يجب أن تدرك أن هنالك حدوداً لقدرات كل إنسـان، ولذلك يجب أن تجيز بعض الأخطاء . أصلاً الإنسان لم يخلق ليكون كاملاً ، والتفكير على غير هذا النحو متعب جداً .
يجب أن تعترف أنك أنت بصفتك الوالد لك عيوبك ، وأحياناً لاتملك الجواب على سؤال ما . في الواقع من الضروري أن يسمعك الطفل تقول أنك لا تعرف ، وان عليك البحث عن الجواب أو أنك مخطئ ، وأنك آسف . هذا الكلام يجعلك تبدو أكثر إنسانية وتجعل الطفل يشعر أنه لا بأس في أن يكون لقدراته حدوداً وأن يرتكب أخطاءأًً.
إذا كان طفلك حاد الذكاء ويحقق نتائج كاملة في أولى سنينه المدرسية، تحده ، واخلق أوضاعاً يبذل فيها جهودأ جبارة ولكنه لايفلح في تحقيقها إلى حد الكمال . من ثم ساعده على تقبل ما أنجزه وقدّر له جهوده . بمعنى آخر ، درّب طفلك على التعامل مع الفشـل ، واشرح له كيف يمكن قبول ذلك واستخدامه بصورة إيجابية في المستقبل .